تزامن التفجيرات الثلاثة التي شهدتها السعودية أواخر رمضان الماضي كان جرس إنذار يقرع في كل الجزيرة العربية، ونبه لخطورة بقاء التنظيمات والجماعات المسلحة منفلتة ونشطة خارج سلطات دول الجزيرة، وفي ذات الوقت قدمت التفجيرات رسالة إضافية أن من يقف خلف مشتقات الفتنة من القاعدة والحوثية وداعش وغيرها هي استخبارات غربية إيرانية وجدت حقلاً عربياً فارغاً يمكن الاشتغال فيه، وجذور جهادية في تراثنا الديني عملت على استثمارها وتوجيه مسارها بما يخدم أجندات مشروع تفتيتي في المنطقة.
لم يكن هذا جهاداً ولا انتصاراً لدين الله بل اعتداء على أقدس مقدسات الله في أرضه، في أفضل شهر اختصه الله للمسلمين، فقتل الأبرياء من الزائرين والجنود المرابطين في بوابة الحرم النبوي هو محاربة لله ورسوله، واعتداء على حرم مقدس فكيف يمكن تسميته «جهاداً»؟!!.
التطرف في القتال وحمل السلاح هو نار ستأكل كل دولة على حدة ويجب التنبه له باكراً حيث لا يزال في الوقت متسع، ولابد من اصطفاف عسكري وسياسي دولي بقيادة السعودية يتولى مهمة محاربة جميع التنظيمات الإرهابية في العالم الإسلامي، بدءاً بالحركة الحوثية وصولاً للقاعدة وداعش، ولا يمكن للخليج أن ينعم بالأمن ويسترخي على ضفافه ويأمن على رأسماله وحركة اقتصاده طالما كانت في خاصرته الجنوبية جماعة إرهابية مسلحة تحمل المال والفكر والسلاح والامتداد الخارجي بعناوينه الشيعية الاثنا عشرية.
أمن الخليج مرهون بدرجة رئيسية بالقضاء على كل تنظيم مسلح يعمل خارج إطار الدولة، حتى وإن ارتدى هذا التنظيم عباءة السياسة ووجد له مسوقين عبر بوابات السفارات والمنظمات الدولية مثل الحركة الحوثية، التي تتقدم خطوة في السياسة وعشر خطوات بالسلاح وإرهاب القوة، وهي جماعة خطيرة على أمن ومستقبل الخليج مهما توددت لدوله على غرار مسارعتها في إدانة التفجيرات التي استهدفت الحرم النبوي.. فهي تقية سياسية لا أكثر، كونهم المشروع العسكري والفكري والديني الذي زرعته مخابرات أميركا وإيران لاستنزاف السعودية وإرهاقها وإقلاق أمنها.
يغازل الحوثيون السعودية عبر هذه الإدانات، ويريدون طمأنتها بأنهم سيكونون قوة سلمية إلى جوارها، وسيعملون معها في خندق واحد، في محاربة الإرهاب والتطرف، لكن سرعان ما ينكشف وجههم الباطن، من خلال قصفهم للأبرياء في تعز والمحافظات اليمنية الأخرى، فضلاً عن إطلاق الصواريخ الباليستية على نجران وجيزان السعوديتين، وهو الإرهاب بعينه.
ولأنهم عصابة وفي حالة حرب مع المملكة سارعوا إلى إدانة التفجيرات لدفع التهمة عنهم، وهذا لا يعفي أبداً من استشعار خطرهم على اليمن وكل الخليج.
حتماً ستدفع هذه التفجيرات بدول الخليج إلى إدراك خطورة الإرهاب الذي يحيط بها، ومعرفة أن له موجها واحدا ومستفيدا واحدا هو المشروع الأميركي الإيراني في المنطقة، وأن صوت العقل والضرورة يقتضيان أن تكون الأولوية لمحاربة هذا الإرهاب الحقيقي، وليس الاندفاع بوحشية نحو الجماعات الإسلامية السياسية، التي تعمل في أوساطنا بمشاريع مدنية بحتة، وليكن للخليج عظة وعبرة بما جرى في اليمن، حين سعت أطراف خليجية لدفع جماعة ميليشاوية مسلحة للقضاء على حزب سياسي مدني، دون إدراك للعواقب، فكانت النتيجة أن ضاعت كل اليمن، ونصف أمن الخليج.