عندما إجتاحت قوى الإنقلاب الحوثي والعفاشي المحافظة عدن بقيَ أبنائها الشباب والشيوخ يعاركون المحتل الغاشم بمفردهم وبما يملكون من أسلحة خفيفة وشحيحة وصمدوا إلى أن جاءت دول التحالف بطلب من فخامة رئيس الجمهورية لدعمهم، أما أولئك الدخلاء من أبناء القرى والآخرين من المرتزقة فمنهم من فَرُّوا إلى قراهم ومنهم من آثَرَ أن يختبئ ويتوارى عن الأنظار وباتوا في موقف المشاهد المترقب حتى ينتصر أحد الفريقين فينخرط في صفوفه بعد أن تضع الحرب أوزارها وهذا ماحصل بالفعل .
جميعنا يعرف البطولات التي سطرها أبناء عدن شباباً وشيوخاً حتى النساء اللاتي دفعن بأبنائهن إلى المعارك وساحات القتال، على الرغم من أن الكثير من أولئك الأبطال لم يشاركوا في معارك سابقة والأكثر منهم لم يحمل سلاحاً قط، فكان منهم الأطباء والمهندسين والمعلمين ومنهم من كان عاطلاً عن العمل، وعندما كتب الله النصر لأبناء عدن الأبطال على عدوهم الغاشم وإنتصرت عدن عاد أولئك الذين فرُّوا بمعية المرتزقة وعاد أولئك المراقبين للمشهد والمتربصين إلى المحافظة عدن وإنتشروا في كافة مديرياتها للفيد والسرقة والنهب والسطو المسلح والبسط على الأراضي، أما أبطال عدن الأشاوس بعد أن إنتهت مهمتهم في تحرير محافظتهم عادوا إلى منازلهم كعودة الليث إلى عرينه أما الثعالب فبدأوا العبث والفوضى في المحافظة عدن .
كان الأجدر لأخذ زمام الأمور في المحافظة عدن هم أبنائها فهم من حررها وكان من العدل تكريمهم لبطولاتهم ولكن للأسف لم يُكَرَّم إلا بطل واحد ألا وهو الشهيد جعفر محمد سعد الذي إختاره فخامة رئيس الجمهورية ليقوم على إعادة الروح إلى المحافظة عدن ولأبنائها، وفرح كل عدني ورَحَّبَ بالقرار الرئاسي ولكن يا حسرتاه يافرحة ماتمت، فلم تمهله أيادي الغدر والخيانة فغدرت به وقتلته ليتصدرون المشهد .
هنا أدرك فخامة رئيس الجمهورية بأنه لو جاء بعدني آخر سيكون مصيره كمصير الشهيد البطل جعفر محمد سعد لأن الأعيُن كلها كانت صوب المحافظة عدن فآثَرَ أن يأتي بآخرين يتولون زمام الأمور في هذه المحافظة من تلك الأعيُن المتربصة والطامعة في المحافظة عدن.. وهنا بدأت المأساة لأبناء عدن المكلومين .
فكان منصب محافظ المحافظة من نصيب عيدروس الزبيدي أما منصب مدير أمنها فكان من نصيب المُلَجِّج(المسعبِب) شلال علي شائع.. قبلنا الأمر على مضض ثم جاء من بعث فينا التفاؤل فتفاءلنا خيراً ولكن للأسف زاد الماء على الطحين فبدلاً من أن يعيدوا الخدمات ويستوعبوا أبناء عدن في وظائف فهم الأولى من غيرهم لسببين فالسبب الأول لتضحياتهم في الحرب الغاشمة على محافظتهم والثاني هم الأدرى بإحتياجات محافظتهم، ولكن للأسف الشديد من تفاءلنا بهم خيراً ضاعفوا الماسأة ووسعوا الجرح فقاموا بإهمال المحافظة وتفاقمت الأزمة بإنعدام الإحتياجات الضرورية وزادوا على ذلك قيامهم بتوظيف بنو جلدتهم من أبناء الضالع وإقصاء أبناء عدن من وظائفهم القيادية والريادية وتعيين بدلاً منهم آخرين من أبناء الضالع ويافع، أما أبناء عدن فنراهم على قارعة الطريق فمنهم من يبيع التمبل ومنهم من يبيع القات ومنهم من يبيع الشمة أما السواد الأعظم منهم عاطلون عن العمل .
وجاءت دولة الإمارات العربية المتحدة فوضعت الملح فوق جراح أبناء عدن وإستقطبت مجموعة من المرتزقة واللاهثين خلف المال المدنس وعينتهم قيادات لما أسموه بالحزام الأمني، فلم يكن ذلك الحزام إلا عبارة عن سوط يُجلَد به أبناء عدن وأبناء الضالع وأبناء بعض من المناطق الشمالية، فأبناء عدن الذي كان بعضاً منهم يبيعون القات ويقتاتون من أجرهم اليومي لينفقون به على أسرهم فحرمهم ذلك السوط، وأبناء الضالع من مُلَّاك ومزارعين وموردين للقات الذين يقتاتون من هذه الشجرة أيضاً حرمهم هذا الحزام بقرار إرتجالي تعسفي غير مدروس حينما منع توريد القات إلى محافظة عدن إلا من يومين في الأسبوع فقط، أما أولئك الذين يملكون الأكشاك والبسطات الخاصة ببيع الملابس والمستلزمات الأخرى فقد أزالها هذا السوط المُسَلَّط على المحافظة عدن وأبنائها، فيأتي دور أبناء المناطق الشمالية ليقوم بترحيلهم بطريقة إستفزازية مُهينة هذا السوط بحجة عدم إمتلاكهم البطاقة .
أصبح لدينا في المحافظة عدن بنطلون جاء من الضالع وحزام جاءت به دولة الإمارات ليجعلوا أبناء عدن عبارة عن هندرول مخفي لا يرى النور، على الرغم من أن أبناء عدن لاسيما أولئك الأبطال الأشاوس الذين دحروا المعتدي الغاشم عبارة عن مجموعة من التيجان المرصعة بالذهب والألماس التي نتشرف بوضعها فوق رؤوسنا فهم من رفعوا تلك الرؤوس عالياً في شتى بقاع الأرض لمواقفهم البطولية التي سوف تُدَرَّس للأجيال القادمة .
ثقافة هؤلاء أصحاب البنطلون والحزام هي البحث عن السلطة وهذا هو جُلَّ همهم أما الدولة فهي آخر مايفكرون به، ويذكرني هذا الوضع وهذه الثقافة بالزمن الماضي وتحديداً بعد حرب العام 1986م عندما تَقَلَّدَ آباء هؤلاء السلطة فتم إقصاء وتهميش كل من لم يكُن منهم ومن مناطقهم حتى جاء عام الوحدة اليمنية فزادت آلام ومآسي أبناء عدن حينما قُسِّمَت محافظتهم على مسمع ومرأى منهم من قِبَل وزير الإسكان سلمان الذي إذا جاء له مواطن عدني باحثاً عن قطعة أرض فَيَصُدَّهُ ذلك الوزير ويرفض طلبه وحينما يأتي له فرد من بني جلدته فيمنحه بدل القطعة قطعتان، ويذكرني هذا المنطق بموقف بعد العام 1986م عندما جاء الطباخ الخاص للأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني حينها علي سالم البيض وقال له أنا أعيش مع أهلي من أب وأم وأخوان وأخوات بمعية زوجتي وأولادي وأرغب بقطعة أرض لأبني بها منزل صغير يأويني وأسرتي فقال له بغلظة ذلك اللص علي سالم البيض: ممنوع هذه حق الدولة.. شَرُّ البلية مايضحك فهذا الوغد المدعو البيض رفض منح طَبَّاخَهُ قطعة أرض صغيرة وباع كل الجنوب بمن فيه لعصابة صنعاء .
وفي الختام لا يسعني إلّا أن أدعو الله لأبناء عدن أن يفرج همهم ويرفع قدرهم ويرفع عنهم البلاء وينصفهم فإنهم المظلومين دوناً عن غيرهم على مَر الأزمان فهم المقصيين قسراً والمظلومين ظلماً وبهتاناً، وإن كان أحدهم حالفه الحظ وخدمته الأقدار وكان في مركز قيادي فتراه شعلة من النشاط ليخدم إخوته أبناء عدن فكما هو الحال في الأخ وكيل محافظة عدن وإبن عدن البار محمد نصر الشاذلي وفقه الله فهذا الرجل يستحق أن يكون هو المحافظ للمحافظة عدن، أما أبناء عدن الأشراف الآخرين فلم نرى أحداً منهم بمنصب رفيع ولم نرى منهم تاجراً معروفاً فغالبيتهم فقراء لايملكون قوت يومهم لذلك نرى الظلم يُمارَس ضدهم .
يمشي الفقير وكل شيء ضده.. والناس تغلق دونه أبوابها..
وتراه مبغوضاً وليس بمذنبِِ.. ويرى العداوةَ لا يرى أسبابها..
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروةِِ.. خضعت لديه وحركت أذنابها..
وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً.. نبحت عليه وكشرت أنيابها..
علي هيثم الميسري