عارف أبوحاتم
استطاع الوفد الحكومي اليمني حشر خصومه الانقلابيين والمتواطئين معهم في الزاوية الحرجة، من خلال موافقته السريعة على رؤية الأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية، رغم العور والسلبيات التي تكتنف هذه الرؤية، إلا أن الجانب الشرعي في المعادلة جنح للسلم ومد يده للسلام.
وأقل عيوب هذه الرؤية أنها جزّأت انسحاب الميليشيات من المحافظات واكتفت بالمرحلة الأولى وهي الانسحاب من صنعاء وتعز والحديدة، وستبقى عمران ومحافظة صنعاء (ريف العاصمة) وذمار محافظات مسلحة تحاصر العاصمة من كل اتجاه، فضلاً عن بقاء حجة وصعدة عبارة عن معسكرات تدريب ومخازن سلاح للحوثيين، تمكنهم من الانقضاض على الدولة في أي لحظة، لأن السلاح الذي تجبرهم الرؤية على تسليمه لن يُسلم بالكامل.
وانطلاقة الوفد الحكومي نحو الموافقة الفورية على رؤية الأمم المتحدة لم تأتِ من ضعف بل من قوة محملة بالمسؤولية تجاه شعب ووطن، فالوطن لم يعد يحتمل البقاء في ظل اقتصاد منهار وعملة بلا قيمة ومعيشة بلا أمان وحياة بلا مقومات أساسية كالغذاء والدواء، وخدمات منقطعة، لا ماء أو كهرباء أو صحة أو تعليم أو وقود، فالصبية الذين خرجوا من الكهوف اختطفوا الشعب والدولة وأخذوهم معهم إلى حياة الكهوف حيث الظلمة والخوف الدائم من الأفاعي.
لقد وضع الوفد الحكومي تلك العصابة الانقلابية والمتواطئين معهم في أكثر الزوايا حرجاً وعليهم الأخذ بالأمرين: إما تنفيذ القرار الأممي 2216 سلمياً من خلال التوقيع على الرؤية الأممية أو تنفيذه عسكرياً لأنه صدر تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة العسكرية، وذلك في حالة الرفض للحل السلمي، بمعنى آخر تمكن الوفد الحكومي من نقل كرة النار المشتعلة إلى الملعب الدولي ووضع الميليشيا في مواجهة مع العالم، وعلى المجتمع الدولي أن يثبت أحد أمرين: إما أنه قادر على تنفيذ قراره الأممي أو أنه متواطئ مع هذه العصابة التي دمرت دولة وقتلت شعبا.
رسائل الثناء التي تلقاها الوفد الحكومي من سفراء الدول الـ18 الراعية للمبادرة والتي وصفته بصانع السلام يجب أن تترجم عملياً إلى ضغط على الطرف الميليشاوي بأن يتوقف عن ملشنة الدولة وأجهزتها، ويذعن لقرار الشرعية الدولية، فقد صدر في حقهم 6 قرارات أممية منها اثنان تحت الفصل السابع، إضافة إلى ثلاثة بيانات رئاسية، ومع ذلك وقف المجتمع الدولي عاجزاً عن تنفيذ قرارات شرعيته الأممية أو متواطئاً مع العصابات والمجرمين.
لا يزال هناك بعض القلق من محاولة إضعاف الرؤية الأممية عبر ملاحق جانبية يكون لها نفس مفعول الرؤية الأساسية، وتتضمن تلك الملاحق ما تشتهيه الميليشيات الانقلابية أو على الأقل تفتح الأفق أمام احتمالات تأويل النصوص، وهنا سندخل في إشكال آخر، إذ سيذهب كل طرف إلى تعنت بلا مدى وطموحات بلا حدود.
يتذرع الجانب الانقلابي اليوم بصعوبة تنفيذ القرار 2216 قبل ايجاد سلطة تنفيذية «حكومة»، وهي ذريعة واهية يراد منها شرعنة الانقلاب عبر قناة السلطة الشرعية باعتبارها المجرى الوحيد الذي يمكنه تحويل الحوثيين من ميليشيا إلى دولة ومن انقلابيين إلى شرعيين، أي أن همَّ الحوثيين الآن هو البحث عن مغانم سلطة وليس انقاذ وطن وشعب، والطرف الشرعي الذي يريدونه أن يتقاسم معهم السلطة الآن هو الطرف الذي نجا بجلده من بطشهم والمطلوب ترويضه وإعادته إلى الداخل من أجل الاستفراد به والإجهاز على ما تبقى من الدولة اليمنية ورموز شرعيتها.
الوطن القطرية