"بالروح بالدم نفديك يا يمن" هكذا هتفت جموع السقطريين باسم اليمن بشموخ من وسط واحة رأسية على بعد 350 كم من ساحل جنوب اليمن على مقربة من المحيط الهندي خلال فعالية بمناسبة عيد العمال، قدر هذه المدينة أن تفخر بانتمائها لليمن الاتحادي الكبير.. وهي بحاجة للكثير من الجهد، قبلها بيومين استقبلنا أهالي المدينة بحفاوة بالغة برفقة رئيس الوزراء بن دغر والوفد الحكومي المرافق برقصة الزامل السقطري المصحوبة بأهازيج الترحاب وقصائد الاستقبال باللغة السقطرية إحدى اللغات الحميرية اليمنية العريقة، يجمعون باقتدار بين البساطة والكرم وحسن الضيافة والأصالة.
في أرخبيل سقطرى المحمية الطبيعية المسالمة مشروع وطني واحد كبير وواضح، ثمة مشاريع دخيلة لعسكرة هذه البقعة الآخذة في الجمال والروعة لتعكير صفوها قادمة من وراء الخريطة الجامعة لكل اليمنيين..، موقع الجزيرة يجعلها أبعد ما تكون لأي عمل عسكري ضمن الحرب على الانقلاب المستند على الشرعية كغطاء سياسي وحيد بمساندة التحالف العربي "لإعادة الشرعية"، دائما يعود أصحاب المشاريع الصغيرة وإن كان جزء منها يبدو وطنيا أو وطنيا في بعض جزئياته بالخيبة في كل رهاناتهم.. اليمن أكبر من كل شيء، من المشاريع الصغيرة وداعميها والمتعاطفين معها.
يحاول اليمن إعادة شكل الدولة من مركزية إلى اتحادية، يعاد فيها توزيع الثروة والسلطة، ذهب البعض لأبعد من ذلك محاولين إعادة صياغة الهوية، بالتزامن مع انقلاب اختطف دولة تحاول إعادة صياغة شكلها. الحقائق الجغرافية والهويات الوطنية صارمة ليس من السهولة التلاعب بها، لن يلغي ابتزاز الشرعية عبر التمرد عليها أسباب النزاع، كما أن تمزيق الخريطة لا يشكل حلا، وسنجد نفسنا أمام مشاكل أكبر وأعمق.
في نوجد الساحل الجنوبي لسقطرى واحة خضراء بجوار هضبة أنيقة تطل على شاطئ أبيض مضيء كأنما يبعث وهجا..، تتهيأ هذه المدينة لتنظم لمثيلاتها حديبو وقلنسية في الساحل الشمالي كمديرية مؤهلة لمحافظة وليدة تستكمل بناء بنيتها الإدارية. دكسم ومرتفعاتها القريبة معتدلة وباردة، حيث شجرة دم الأخوين النادرة والعريقة نسجت حولها الكثير من الحكايا اللطيفة والقابلة للرواية والتصديق على نحو ما، في دكسم كهف "جنيبة شبهن" يصل لعمق 7.5 كلم من ضمن 52 كهفا ومغارة تحوي العديد من التكوينات الكلسية البديعة، في الجزيرة مئات النباتات والطيور النادرة في العالم، إلى حديبو وقلنسية حيث الحرارة والرطوبة، ذهابا إلى مومي شرق الجزيرة رطوبة مشابهة وأقل حرارة من الشمال، تنوع مناخ وتضاريس ملفت لجزيرة فاتنة في أكثر البقاع جمالا وغرابة وسحرا في العالم.
سميت قديما بمدينة السعادة، وصنفت في 2010م كأجمل جزيرة وفقا لصحيفة النيويورك تايمز، وهي ضمن أهم أربع جزر من حيث التنوع الحيوي والبيولوجي الفريد والنادر، كما أنها مسجلة كأحد مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، تقع الجزيرة الأكبر يمنيا وعربيا بين قارتي آسيا وأفريقيا متوسطة خط تجاري عالمي هو الأهم..، هي ترانزيت طبيعي وقبلة سياحية واعدة.
الكثير مما قيل في هذه الجزيرة لم ينصفها..، كل شيء في هذه الجزيرة يقود نحو الجمال والسلام معا، لا حيوانات مفترسة هنا، الأفاعي غير سامة، الكلاب برغم وفائها لا تواجد لها، أحدها جاء برفقة سائح غير وفي رحل وتركه ليمارس هوايته في مشاغبة قطيع الأغنام القابع في السلام، عوقب بالإبعاد ولم يشفع له جهله بقوانين هذه المدينة، لا حوادث قتل واعتداء مطلقا إلا على سبيل الخطأ وهو ما حدث قبل عامين، كسابقة في مدينة أشبه بمظاهرة سلام.
هذا الأرخبيل بحاجة لحرب ليكون هو واليمن أقوى وأكثر وهجا، حرب من نوع آخر.. جميلة ونظيفة في الإعمار والبناء، لا ينقص الجزيرة سلاح أو تشكيلات مسلحة بتعدد أهدافها ومسمياتها، تحتاج فقط إرادة حقيقية بجهد مضاعف ولو فوق طاقتنا في التنمية، لتبقى ساحرة فريدة مستمرة في إبهارنا محافظة على هويتها اليمنية المعتقة...، إهمال جزيرة ساحرة كأرخبيل سقطرى في وقت يمكن أن تكون مشروعا كبيرا خسارة وطنية لا تعوض، إن لم نفعل سنكون قد فرطنا في جوهرة كان بالإمكان أن تكون قبلة سياحية لو أعطيناها ما تستحق من الاهتمام، وسيسجل التاريخ كلمته حين تنأى بنفسها جانبا أننا خذلنا مثل هذا المشروع.
زيارة سقطرى تجربة غنية، كل ساعة في هذا الأرخبيل مختلفة عما قبلها، كل يوم يولد نولد من جديد، رحلة كخزنة نفيسة مليئة بالذكريات برفقة حكومة حاولت التفرغ والاستجابة لقائمة طويلة من المسؤوليات الوطنية في وقت مفصلي من تاريخ اليمن محاولة عمل شيء جدير تستحقه جزيرة السعادة، لؤلؤة المحيط الهندي.