يوميات مسؤول حكومي في المنفى

2020/02/08 الساعة 03:44 صباحاً

 

     يستيقظ مبكراً الساعة 12 ظهراً ويتحرك بتثاقل ليصل لجواله المرمي بجانبه ليمسكه وعينه مفتوحة والأخرى مغمضة فيرفعه ويتصل على بائع القات ويطلب منه بتثاؤب حزمة أو حزمتين حسب جدوله اليومي .. وبعد أن يضمن توفر قاته يترجل من سريره ويذهب إلى دورة المياه وينتهي من قضاء حاجته .. فيرتدي ملابسه ويتوجه خارجاً لسيارته وبعد تشغيل سيارته يفتح المسجل ليستمع لأغنيته اليومية المفضلة ومن هنا تبدأ رحلته اليومية العقيمة التي لا تختلف عن سابقتها .


     تصل به سيارته لمطعمه المفضل "مطعم الوليد" الذي تتوفر به كافة أنواع الأطعمه من السلتة والفحسة وبرم اللحم وخلافه من الأطعمة الشهية .. ونذكركم بأن صاحب المطعم مستشار إقتصادي في الحكومة اليمنية ولديه جواز دبلوماسي ويُقال أن راتبه يستلمه من سعى في تعيينه .. وبعد أن يلتهم ما لذ وطاب من الأطعمة يعود لبيته بعد أن مر على سوبر ماركت لشراء إحتياجاته الخاصة من دخان وماء ومشروبات غازية لتكتمل إحتياجات جلسة القات .


     بمجرد أن يصل يجد بائع القات بإنتظاره بعد مجموعة إتصالات بينه وبين البائع وهو عائداً .. يستلم  حزمة القات خائفاً مترقباً حتى لا يراه أحد ويقبض البائع فلوسه فيصعد لمنزله مسرعاً .. وهو في السلم قريباً من باب منزله يشم رائحة البخور الجميلة المنبعثة من منزله .. وبعد أن يطمئن بسلامة الوصول يبدأ بغسل القات ثم يجلس متكئاً ويبدأ بمضغ القات حتى يمتلئ نصف فمه ويأخذ سيجارة ويشعلها .. فيأخذ جواله ويفتح صفحته في تويتر ويكتب وهو ينفث الدخان من فمه : أبطال قواتنا المسلحة يسطرون أروع البطولات بجبهات القتال في مأرب والجوف ، وكانت حصيلة المواجهات قتل مجموعة أفراد من مليشيات الحوثي الإنقلابية وأسر مجموعة بعد معركة بطولية قامت بها قواتنا المسلحة .. وبعد أن ينشر الخبر يقوم بنسخه فيفتح صفحته في الفيس بوك ويلصق الخبر وينشره فترتسم على فمه إبتسامة النصر المبين ورذاذ القات يتسلل من فمه .


     يمر الوقت سريعاً فيسمع صوت المؤذن معلناً لصلاة المغرب وهو قابعٌ متقوقعٌ في مكانه وصوت التلفاز يصدح عالياً يهز أركان الغرفة بأغنية مقيل قات فيختلط صوت الأغنية مع صوت المؤذن ، ولا تكاد تنقضي صلاة المغرب إلا ويصدح صوت المؤذن مرة أخرى معلناً عن صلاة العشاء وهذه المرة يختلط صوت المؤذن مع صوت مذيع قناة إخبارية تتكلم فيها عن الوضع المتأزم والكوارث الإنسانية في اليمن وعن عدد الوفيات بسبب المجاعة والمواجهات العسكرية في صفوف أبناء اليمن من جانب المليشيات وجيشنا الوطني ، وفي آخر الجلسة يتذكر أن يتصل بصديقه "مسؤول آخر يعيش نفس حالته" ليسأله : وصل الراتب أو لا ؟ ، وبعد هذا اليوم الحافل بأعمال مجهدة أنهكت صاحبنا المسؤول يترجل وقد تيبست أطرافه لينام مبكراً على صوت أذان الفجر .


     وفي الجانب الآخر وعلى وجه التحديد في جبهات الوغى والتضحيات لأبطال قواتنا المسلحة والجيش الوطني والمقاومة الشعبية الأطهار والمدافعين عن الشرعية اليمنية وعن الجمهورية والوحدة والشعب اليمني نجد الكثير من الجنود والمقاتلين رواتبهم مقطوعة لأشهر كثيرة مضت ، ويبدو أن صاحبنا المسؤول لم يستشعر لأوضاعهم وأسرهم وأحوالهم لذلك لم يغرد عن مآسيهم في صفحتيه على تويتر والفيس بوك ، فالمسكين معذور ولابد أن نلتمس له العذر لأن جُلَّ همه وتفكيره هو إستمرار الأزمة وإطالة أمدها لتمتلئ خزينته أموالاً محرمة سيُصلى بها في نار جهنم وبئس المصير .

علي هيثم الميسري