{ }
في الجزء الأول من مقالي "حكايتي مع لصوص مكتب رئاسة الوزراء" ذكرت نقطة مهمة جداً وهي أن المواطن الناصح خيراً لوطنه من المواطن المادح ، والمقصد من عبارتي هذه هو طالما وأن الجميع يمتدح ولا ينتقد أي سلوك خاطئ أو فساد أو فشل لأي مسؤول أو وزير أو حتى حزب لإستمرأت كل تلك هذه المظاهر السيئة وتجذرت وإستفحلت في أوساط المجتمع ولتحولت من مظاهر سرطانية خبيثة إلى مظاهر حميدة ، ولا ننسى بأن ثورة 11 فبراير لم تندلع شرارتها إلا لإجتثاث نظام فاسد حاول زرع هذه الثقافة المقيتة في أنفسنا جميعاً ليستمر في الحكم حتى الممات ، ثم يأتي ورثته ليتربعوا عرش السلطة دون أي معارضة شعبية .
نعود لحكايتي أو على الأحرى لمعاناتي مع مكتب رئاسة الوزراء .. فبعد أن سلمت الملف كاملاً الذي كان يحتوي التوجيهات بصرف مبلغ مالي وجميع التقارير التي تثبت مدى خطورة المرض ووصول حالة المريض للدرجة التي تغازله الوفاة .. وخرجت من الفندق الذي يقطنه رئيس الوزراء وحاشيته وأنا مستبشراً خيراً مُمَنِّي نفسي بأنني قمت بعمل بطولي لا يقوم به إلا بطل ، لم أدرك حينها إنني جحش ولم أصل لمرحلة الحمار بعد ، وبعد حوالي يومين إتصلت مرتين بأبو كرشة الذي سلمته الملف ولم أشاء أن أزعجه بإتصال ثالث حتى لا أزعجه وحدثتني نفسي وقالت لي لا تكُن لحوحاً ولا تزعج الرجل فقد يكون لديه الكثير من العمل والإلتزامات .
في اليوم التالي إتصلت به عدة مرات وأيضاً لم يرد علي فأرسلت له رسالة واتس آب قلت له أرجو المعذرة على الإزعاج ولكن يا أخي المريض ساءت حالته ورسائله ملأت هاتفي حيناً بنص كتابي وحيناً آخر بمقاطع صوتية يسترجيني ويستجديني فيها بالإسراع لإنجاز موضوعه ، ولكنه أيضاً لم يرد فقلت في نفسي بادره برسالة نصية لعله ينتبه وبالفعل أرسلت له ولكن أيضاً لم يرد ، فأحسست حينها بالغضب الشديد تجاه هذا التطنيش واللامبالاة فقررت العودة إلى الفندق محاولاً الحفاظ على هدوئي ، وبالفعل وصلت إلى هناك تحملني أقدامي بسرعة هائلة وهي تصعد السلالم وكأنني داخل على حلبة مصارعة وشعور محاولة الحفاظ على هدوئي قد تبدد حتى وصلت إلى الممر الذي يؤدي إلى الجناح فلمحت أبو كرشة بجانب الحرس وعلى وشك الإنصراف وقد ناولني ظهره فناديته بأعلى صوتي يا أخ حسين فإلتفت إلي وتوقف مكانه ولم يحرك ساكن .
بمجرد أن وصلت إليه صافحته وبادرته بعتب وبصوت غاضب : أتصلت عليك وأرسلت لك رسائل واتس ورسائل نصية ولم ترد يا أخي سبق وقلت لك المريض حالته سيئة وتتدهور يوماً بعد يوم وأخبرتك بأن المريض فلان صديق للأخ رئيس الوزراء ، فقال لي والله ما وصلتني رسائل منك .. فقلت له بنبرة غاضبة وبصيغة سؤال : لم تصلك مني رسائل واتس ولا رسائل نصية ؟ طيب وإتصالاتي أيضاً لم تصلك ؟ فقال يا أخي والله أن كثير من الإتصالات تردني ولا أنتبه لها لكثرة إنشغالاتي ولكثرتها معي رقم خاص لأهل بيتي يتصلوا علي لأي أمر طارئ ، فقلت له بصرف النظر عن وصول رسائلي من عدمه أنت وعدتني بأنك ستتواصل معي وتوافيني بالرد ، فقال لي : الموضوع ماشي ولابد أن يأخذ مجراه وعليك التحلي بالصبر ، فقلت له يا أخي هذه حالة إنسانية وعلينا أن نتعاطى معها بعيداً عن الروتين الحكومي ، فطمئني وقال لي : ولا يهمك سأهتم في الأمر .. وحتى يطمئني أكثر قال لي أعطني رقم المريض ونحن سنتواصل معه ونرسل له شخص من طرفنا ، فقلت له جزاك الله خير هاك رقم المريض .
في حقيقة الأمر إستطاع أبو كرشة أن يمتص غضبي ويطمئني بكلامه المعسول ، وبالفعل طابت نفسي وسارعت بالتواصل فَرِحاً مع المريض وشرحت له كل تحركاتي وسعيي في الأمر وآخرها لقائي بالمدعو حسين هديل الذي إتضح لي فيما بعد أنه مدير المراسيم ، فشكرني المريض وإعتذر عن إزعاجه لي فقلت له لا تقُل مثل هذا الكلام يا أخي ونحن إخوة .. ولحبي وشغفي للفلسفة ألقيت عليه أبيات شعر للإمام الشافعي تتحدث عن المعروف بين الناس :
الناس بالناس مادام الحياء بهم .. والسعد لاشك تاراتٍ وهباتِ ،،
وأفضل الناس ما بين الورى رجلٍ .. تقضى على يده للناس حاجات ،،
لا تمنعن يد المعروف عن أحدٍ .. ما دمت مقتدراً والعيش جنات ،،
قد مات قومٍ وما ماتت مكارمهم .. وعاش قومٍ وهم في الناس أمواتِ .
أما أنتم يا حبايب قلبي فأرجو المعذرة بإرجاء نهاية حكايتي ومعاناتي ومعاناة المريض وتحمله ديون لا طائل لها لجزء آخر ، وقبل أن أختم هذا الجزء من مقالي أحب أوضح حقيقة لمستها وعايشتها بنفسي بأن فريق عمل سعادة الدكتور أحمد عبيد بن دغر مقارنة مع فريق عمل معين عبدالملك فكأنما نقارن ما بين الثرى والثريا ، ولا يعتقد أحدكم بأن كلامي هذا فيه من المحاباة أو المداهنة لرئيس الوزراء السابق وفريقه بل هي كلمة حق لابد أن تُقال ، ولو كنت مداهناً أو مجاملاً أحداً فالأحرى أن أجامل أبو كرشة وكبيره الذي علمه السحر واللؤم والخبث ، أقل شيء ليسلما المريض منحته المالية ليسدد بها الديون التي أثقلت كاهله وأحرمته النوم .. ومع لقاء متجدد بإذنه تعالى أستودعكم الله .
علي هيثم الميسري