ما أقربك يا البيضاء

2021/07/08 الساعة 06:39 مساءً


محمد بالفخر 
    كنت في صغري اسمع من والدي رحمه الله ونحن في غربتنا قصيدة باللهجة الحضرمية الدارجة لا أذكر منها إلا مطلعها الذي يقول فيه (مقربش يالبيضاء ومبعد شبام) ومعناه ما أقربك يا البيضاء وما أبعد شبام،
شبام مدينة حضرمية معروفة في قلب وادي حضرموت وبها أقدم ناطحات سحاب بنيت من الطين منذ ما يقارب خمسة قرون ومازالت صامدة حتى الآن ومأهولة بالسكان، وكما هو معروف كانت شبام هي المركز التجاري لحضرموت وما جاورها فمنها تنطلق قوافل الجمّالة محملة بالبضائع سواء من منتجات الأرض كالحبوب والتمور وغيرهما او القادمة اليها من البحار عبر مدينة الشحر،
 كان هذا حالها منذ قرون مضت حتى دخول السيارات الى حضرموت في منتصف القرن الماضي وظهور مدن أخرى نافست شبام مكانتها وأنهت خصوصيتها التجارية تماماً ولم يبق لشبام الا أفواج السياح الأجانب الذين كانوا يتوافدون عليها وتناقص عددهم بعد تعرض البعض لهجمات إرهابية وبعد ذلك توقف مطارات حضرموت وغيرها منذ العام 2015م نتيجة الحرب التي لم تضع اوزارها بعد، ومنع بسببها الأجانب من دخول البلاد،
والبيضاء مدينة يمنية تبعد عن شبام ما يقارب 700كيلومتر وقصة ذلك البيت الشعري كما يقول الوالد رحمه الله أن الجمّال قائد القافلة بعدما حمّل قافلته وأخذت في الانطلاق قال تلك القصيدة وهو مازال في محيط شبام لكنه مغادرها ويرى البيضاء قريبةً منه رغم أنه لن يصل اليها إلا بعد شهر من الزمان،
تذكرت البيضاء بعد الانتصارات العظيمة التي سجلها أبنائها في سجل الأمجاد التاريخية بعد أن أذاقوا المليشيات الكهنوتية ذُلّ الهزيمة ولقنوهم دروساً لن ينسوها وهكذا تحقق قول خطيب الجمعة في أحد مساجدها في خطبته القصيرة البليغة موجها رسالة لمليشيات الحوثي قائلاً لهم دخلتم البيضاء بطريقتكم ولن تخرجوا منها إلا بطريقتنا وهاهم الرجال الأشاوس يستعيدون مدن المحافظة واحدة تلو الأخرى،
والبيضاء وتاريخها النضالي مشهود فقد كان لرجالها دور مشهود في مقاومة المحتل البريطاني وعجرفته مما جعله يخرجها من سيطرته ويسلمها للإمام يحيى حميد الدين الذي كان يحكم شمال اليمن مقابل أن يسلمهم الامام منطقة الضالع التي كانت تحت حكمه وكان عامله عليها القاضي محمد الشامي والد الأديب والسياسي احمد الشامي الذي ولد فيها، وبتلك الاتفاقية تحولت الضالع من الشمال للجنوب،
والبيضاء لها في الذاكرة أيضا أنها كانت المحطة الأولى للفارّين من أبناء الجنوب من جحيم النظام الاشتراكي وستاره الحديدي بعد أن يتجاوزون مناطق مكيراس ويافع وكانت البيضاء أولى محطات الأمان لهم ومنها ينطلقون الى صنعاء ويحصلون على جوازات سفر مكنتهم من الهجرة وعاشوا بعدها في رغد العيش،
وإذا ذكرنا البيضاء سنتذكر الكثير من الأسر ممن سكنت عدن وكانوا ايضاً مثالاً للشهامة والرجولة وبرز منهم الكثير في الأعمال التجارية والسياسية وغيرها،
انتصارات البيضاء وانكسار المليشيات الحوثية المدعومة إيرانيا اثار حفيظة مليشيات انقلابية أخرى فحاولت إشغال الجيش الوطني عن مهامه الرئيسية فأثارت القلاقل في لودر على مقربة من البيضاء  وتحاول زعزعة الأمن في شبوه وبالأمس زعيمهم يدعو الى تحرير شبوه وحضرموت الوادي والمهره من أهلها والتي تعيش الظلم والاضطهاد والفشل الأمني والتخبط الإداري والنهب حسب وصفه لتنعم بالحرية والتجربة الإدارية الناجحة التي تعيشها عدن وأبين والضالع وسقطرى وساحل حضرموت المسيطرة عليها مليشياتهم المدعومة اماراتياً في تخادم واضح وصريح بين المليشيات وقادتها والرابط المشترك بينهما وكلمة السر في ضاحية بيروت الجنوبية فهل سيعي المغفلون والمغيبون حقيقة الأمر، 
وهل ستدرك الشرعية انها شرعنت لمن يقوض أمرها ويدخل البلاد في أنفاق أخرى مظلمة بل حالكة الظلام،
وحينها لات حين مندم.