تفصلنا بضعة ايام على اختتام اعمال مؤتمر الحوار الوطني الذي افتتح اعمالة في 18 مارس العام الجاري ، وإعلان مخرجاته ونتائجه التي يتطلع اليها المجتمع اليمني بنظرة تفاؤلية ، وبمستوى عالي من الادراك للمسئولية الوطنية الماثلة امام كافة شرائحه والتيارات السياسية لتنفيذ تلك المخرجات في المرحلة الانتقالية (المرحلة التأسيسية) القادمة ، باعتبار ان اعلان نتائج الحوار تشكل النقطة الفاصلة بين مراحل البحث والتشخيص للمشكلات ووضع الرؤى والحلول النظرية لمعالجتها والتي ستتضمنها الوثيقة المرتقبة لمخرجات الحوار ، وبين مرحلة الولوج في التنفيذ الفعلي لها . ومن المخزي ان بعض التيارات والقوى السياسية ( الرافضة للتغيير ) تقابل هذه الامال والنظرة التفاؤلية للمجتمع بنفث سمومها وعدائها لأي نتائج او مؤشرات قد تبرز للانفراج نحو إحلال الامن والسلام في ربوع اليمن ، لاصطدامها مع سلوك صناعي الازمات الذي ربي عليه البعض ، وإنتاج العراقيل المصطنعة لتعكير الاجواء والمناخ السياسي الايجابي القائم مع اقتراب اختتام مؤتمر الحوار اعماله ، ومحاولة تعطيل التسوية السياسية للازمة اليمنية جديرة بالتوقف عندها ، لنتذكر تلك الاجواء والأيام المشابهه لها في عام 93 م ، ومحاولة اجهاض جهود بعض الاصدقاء والأشقاء لليمن لحل المشكلات التي برزت في الفترة الانتقالية بين الشريكين في الحكم انذاك ( حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي اليمني) ، حين تكللت تلك الجهود بتوقيع ( وثيقة العهد والاتفاق) من 18-20 فبراير 94م والتي سينقضي في 20 فبراير 2014م عشرون عاماً على توقيعها والانقلاب عليها قبل حلول الفترة المحددة للبدء بتنفيذها ، والتي لاشك انها تضع عدد من التساؤلات والترابط مابين الوثيقتين – العهد والاتفاق والوثيقة المرتقبة لمخرجات الحوار الوطني 2013 م المتوقع ان يتم تحديد فترة البدء بتنفيذها بعد ( 20 فبراير العام القادم ) - اي بعد انقضى عشرون عاماً على التوقيع والانقلاب على الوثيقة الاولى (العهد والاتفاق ) وفضلاً عن المفاجآت المتوقع بروزها وما ستكشفه الاشهر القادمة في مطلع 2014 م عن تزامن التوقيت بينهما لما قد يوفره من مدخل قانوني يعول عليه المجتمع الدولي ، مضاف الى القرارات الاممية الخاصة باليمن ، فان الوثيقتان تمثلان في النهاية وثائق ذات مضامين هامة لحلول القضية الجنوبية قبل وبعد ( 20 ) عام من تشكلها ، وتحملان صيغتان مختلفان لإعادة صياغة شكل الوحدة والمرور ببقية الاشكال شكلين مختلفة الاخرى ما بعد الاندماج ليؤكدان فشل الاندماجية والفيدرالية والتوقف هذه المرة عند الشكل الاتحادي او الكونفدرالي وتحديد العلاقة بين الشمال والجنوب ، مع التأكيد على حجم الاختلافات الكبيرة بينهما والايجابية المحققة التي ستتضمنها وثيقة مخرجات الحوار الحالي ، كالضمانات للتنفيذ وحق شعب الجنوب بتقرير مصيره واستعادة دولته ، وإعادة صياغة الدستور الجديد وتظمين هذه الضمانات وحق شعب الجنوب في تقرير مصيره في مواده الدستورية ، وان كانت لا ترقى الى مطلب معظم الشعب الجنوبي الا انها تعد ايجابيات لا يمكن مقارنتها كحلول تفصيلية بما جاء في وثيقة العهد والاتفاق ، كما ان ابرز الاختلاف بينهما ان (وثيقة العهد والاتفاق) لم تتنبه حينها الى مسالة مهمة تُكمن في تحديد القيادة القادرة على تنفيذ ذلك الاتفاق والحفاظ على مساره ، الامر الذي اتاح للحزب المسيطر على الرئاسة انذاك (المؤتمر الشعبي العام ، وحزب التجمع اليمني للإصلاح ) التسلط والانقضاض عليها بالحرب في 94 م، لعدم وجود قيادة محايدة وضمانات دولية رادعه ، رغم انها لاقت تأييد ومباركة اقليمية ودولية انذاك من قبل بعض الدول المجاورة ودول أعضاء في مجلس الامن - رعاة للتسوية السياسية الحالية .
ورغم تعهدات تلك الاحزاب بالقبول بمخرجات الحوار الحالي ونتائجه سلفاً عندما كانوا يبحثون عن مبادرات لإنقاذهم من التهاوي ، حين نتذكر طمأنتهم للمجتمع المحلي والإقليمي والدولي الورده في تصريحاتهم في يونيو وأغسطس 2011م اذا تم الرجوع لها ، إلا ان (الطبع يغلب التطبع) عند قياداتها ، لتعود حليمة لممارسة عادتها القديمة ، ليفاجئ الجميع ببروز سلوك الالتواء ولي الذراع مجدداً ، فمنذُ اسبوعين عندما لوح الاخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية بان نتائج مؤتمر الحوار ستتلخص في اصدار وثيقة مرتقبة تتضمن مخرجاته ونتائجه ، نجد تلك القيادات في المؤتمر الشعبي العام تستنفر مذعورة استباقا للقادم لتضع عدد من الخيارات بهدف اجهاض نتائج التسوية قبل الاعلان عنها وخلق اجواء تعكر المناخ السياسي ، لتذكرنا بالأجواء السياسية المشحونة التي افتعلها (صالح ) في عامي 93-94 م وقرعه طبول الحرب للانقضاض على مبادرة الملك حسين بن طلال ملك المملكة الاردنية الهاشمية رحمه الله ( وثيقة العهد والاتفاق ) .
واللافت هذه المرة انه بدء يشرع للاستعداد لخوض معركة ( خسيسة) سياسية او غيرها ، ابطالها عدد من قيادات المؤتمر الشعبي الجنوبيين الموهومون بالترشيح للرئاسة ، بهدف افشال تنفيذ خطوات المرحلة التأسيسية ومخرجات الحوار بسلاح الانتخابات والديمقراطية بتكرار سيناريو السيسي في مصر وجمع التوقيعات ، وتهييج الشارع كخيارات مقرره للجوء لها ، دون اي حيا سياسي ، وكأن ما شهدته اليمن من احداث في المرحلة المنصرمة 2011 م - 2013 م كالخروج من دورة انتخابية تنافسية بين الاحزاب السياسية اليمنية ، وطي نتائجها ليعود الجميع ثانيةً للتنافس في انتخابات جديدة في فبراير 2014 م بصورة يخجل منها المواطن البسيط ، حين تلجئ تلك الاحزاب لممارسة التضليل السياسي والاستخفاف بعقل ووعي المواطن الذي يدرك جيداً ان اساس مشكلات اليمن تنحصر في عدم وجود (دولة منذُ عام 90 م ) ليجمع اليمنيون على ان الفشل في بنائها انتج جمله من الاسباب الاضافية ، ادت الى فشل الوحدة ، والتي بالنظر اليها يتضح انه من غير الممكن اجراء انتخابات رئاسية تنافسية في فبراير 2014 م ، كما يطمح البعض لخوضها نظراً لغياب الدولة كأحد اهم شروط نجاحها ، وتامين اجراها بحرية ونزاهة في اجواء تنافسية لما يتطلبه عامل التنافس من قبضة حديدية لفرض هيبة الدولة ، قد لا ينفع معها هذه المرة تخلي بعض (التيوس المذبوحة عن رفساتها او اخراص ادواتها كما حصل عند اقامة فعاليات خليجي ( 20) في عدن ) لاعتبار ان الوضع في الجنوب بات مختلفاً عن ما كان عليه في عام 2010 م ، مما يستدعي اجراء انتخابات في شكل استفتاء على الدستور الجديد ومخرجات الحوار بما فيها التمديد او التجديد لفترة قادمة للرئيس الحالي عبدربه منصور هادي.
لكن للأسف 00 فان قيادات الاحزاب السياسية الهرمة التي اصبحت اشبه بـ ( شيخ قبيلة ) وفي مقدمتها حزب المؤتمر الشعبي العام تتجاهل الشروط الموضوعية للانتقال من مرحلة الحكم والسلطة ما بعد الثورة الى مرحلة بناء الدولة العصرية الحديثة ، وما تحتاجه من توافق وحيادية في القيادة تحافظ على التنفيذ السلس للخطط والبرامج المؤسسة للأعمدة المتينة لبنائها والشروع بتنفيذ مرحلة التأسيس او المرحلة الاولى لبناء الدولة الحديثة ، تشريعياُ ومؤسسياً وقضائياً ومجتمعياً وامنياً وسياسياً ، بعيدً عن محاولات اعادة انتاج الظروف الملائمة لعودة وضع الدولة بيد حزب او ائتلاف معين وتجريد الشعب من حقه في اداره شؤونه بنفسه ، بل انها لم تدرك ان الثورة الجنوبية ، وثورة التغيير ومراحل الحوار الوطني والمد والجزر الذي تشهده الساحة اليمنية منذُ 94 م مروراً بانطلاق ثورة الحراك الجنوبي في عام 2007 م وانطلاق الثورة الشبابية في الشمال الى اليوم بأنها جاءت جميعها كثورات رافضه لواقع السياسات الخاطئة التي فرضها حكم المنتصر (لاستعادة الدولة في الجنوب ، وللتغيير الجذري في الشمال ) ، واللتان تم الالتفاف عليهما بالمبادرة الخليجية وابتلع الشباب طعم الالتفاف عليها ، وبعض التيارات الجنوبية التي تحسب نفسها على الحراك وارتضوا بها ، كخيار وحيد رأوا انه اقل كلفة لمعالجة النتائج السلبية لحكم المنتصر في عام 94م ، وتجاه ما تتكشف امامنا من نوايا لبعض التيارات السياسية ، للالتفاف على مخرجات اول حوار يمني استطاع فيه المتحاورون وضع كافة القضايا السياسية اليمنية المعقدة و ابرزها قضية الجنوب وبناء الدولة والحكم الرشيد وقضية صعده وغيرها على طاولة الحوار ومناقشها بكل شفافية ووضوح ، فانه من المستبعد ان يسمح اليمنيين لتلك القيادات والأحزاب بالانقضاض ثانية على مشروع بناء الدولة (المرحلة التأسيسية) او تسليمهم ثانيةً زمام تنفيذ تلك الحلول التي سيخلص اليها مؤتمر الحوار الوطني والحفاظ على مخرجاته ، التي تعد استنتاج وخلاصه لكافة الرؤى والحلول والمعالجات المقدمة من الفرق المتحاورة والتي تبلورت لتتفق في نهاية المطاف لتصل الى ( توحيد الهدف ) والإجماع على ان تنفيذ الخطط لتحقيقه ، هو المخرج الآمن لخروج اليمن من ازماته المتوارثة , مما يضع اعضاء مؤتمر الحوار امام مسؤولية وطنية تحتاج منهم جميعا المكاشفة ووضع النقاط على الحروف ، والاستفادة من اخطاء الماضي والإصرار على عدم تكرارها والتي لن تتأتى إلا ، بتجنيب الاحزاب السياسية التي تسببت في خلق هذه الازمات ، من قيادة المرحلة الانتقالية التأسيسية المرتقبة ، وتقويض الفرص التي تسعى لاستقلالها ، وإغلاق الابواب امامها وعدم السماح بالنفاذ منها للالتفاف على الحلول والمعالجات لتلك القضايا المعقدة ، كما حدث في 94 م ، ومراجعة المرحلة الاولى للحوار الوطني والاستفادة من الدروس السابقة ، والتسيلم والاعتراف بالحقائق الايجابية الثابتة الملموسة على الواقع التي اثبتت ان الحفاظ على مبدأ الحيادية الذي ساد جميع فترات المرحلة الاولى للتسوية السياسية للازمة اليمنية كان العامل الرئيسي في نجاحها والذي برهن به الاخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية انه قادها بحنكة سياسية ابهرت العالم ، والعمل وفق قناعتهم التي حتماً ستلامس تطلعات الشعب وستفضي الى انه لا حرج من التجديد او التمديد له لمواصلة جهوده الوطنية لقيادة البلد في المرحلة الانتقالية القادمة لضمان نجاحها باعتبار ان ما يبديه معظم اعضاء ومكونات الحوار من اجماع وتوافق عليه كقائد مستقل رغم انتمائه للمؤتمر الشعبي العام كافياً لتأكيد مقدرته على ادارة المرحلة القادمة مجدداً بصورة افضل ، ومحافظا على استمرار خلق التوازن للفرقا السياسيين لتحقيق النتائج المرجوة في المرحلة التأسيسية القادمة – ذلك الاجماع والتوافق يمثل احد اهم دوافع تشُكل تلك القناعة التي تسيطر على هاجس قطاعات واسعة من الشعب ومرتكز مقبول لبلورته وإخراجه بأي صيغة قانونية من قبل المتحاورين تتفق مع قناعة الغالبية من الشعب الذين ينظرون للانتخابات كاداه من ادوات الديمقراطية لا يمكن ممارستها الا في المجتمعات المستقره ظروفها 00 على عكس الوضع القائم الذي تعيشه بلادنا ، والمتميز بالاستيقاظ على تفجير انبوب نفط والنوم على تدمير اعمدة الكهرباء ، فانه يستحيل ان تفرز الانتخابات اي نتائج او عوامل جديدة افضل من طريقة التوافق للإسهام في انجاح المرحلة القادمة ، بل قد تتحول الى نغمه وعامل عكسي وسلبي لا يخدم الوطن والمواطن ، وهو ما تسعى اليه بعض الاحزاب والأطراف ، وسينتج عنه اوضاع كارثية ستجهض المشروع الوطني ، كما اُجهضت المشاريع السابقة ، وان اختلفت الادوات و الازمنة إلا انها جميعها تخدم فئة واحدة مدمره لمستقبل اليمن وأبنائه، وكي لا يذبح الشعب اليمني ثانية على طريقة (الصالح) فانه ينبغي التعامل مع هذا المأزق بمسؤولية عالية من قبل اعضاء مؤتمر الحوار ,والحذر من الفخ القادم للإيقاع بالقوى الوطنية ومشاريعها فيه ومراجعة الهفوات السابقة وتلافي الاحداث المتوقعة حتى لا تتكرر مأساة الماضي .