الهجوم على بن عمر تمهيد لتعطيل التسوية السياسية

2013/11/20 الساعة 08:44 مساءً

لا يمكن النظر إلى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومندوبه إلى اليمن السيد جمال بن عمر على إنه نبي مرسل يجب عدم المساس به، أو تناول شخصه بالنقد والحديث عن أخطائه، (إن وجدت) فهو بشر مثلنا جميعا يصيب ويخطئ وينشط ويتعب ويصبر ويفقد الصبر، لكن عندما يتحول النقد تجاه المبعوث الأممي ألذي أضاع حوالي ثلاث سنوات من عمره يعيش مع اليمنيين آلامهم ويتحمل متاعبهم ومشاكساتهم ويسهر الليل من أجل أن يجنبهم العودة إلى أجواء الحرب والاقتتال التي اشتاق البعض لها كثيرا، عندما يتخذ هذا الهجوم شكلا منظما ومنسقا ومتكاملا، وعندما ينتفخ أحد إعلاميي النظام السابق ويقول أن بن عمر هو من فشل في التسوية السياسية وإن مؤتمر الحوار فشل،( وهو بالمناسبة عضو في مؤتمر الحوار) وعندما يطالب نائب مؤتمري سابق ومؤيد حالي للمؤتمر بطرد بن عمر من البلاد وعندما يقول رئيس البرلمان اليمني الذي يفترض إنه صوت الأمة وضميرها إن على بن عمر أن يذهب إلى "مزبلة التاريخ"، فإن الموضوع يتجاوز حدود النقد إلى قضية أخرى يمكن أن نقول عنها التشهير أو القذف أو الإساءة (في أضعف الأحوال) وهو سلوك مشين يستحق التوقف والتصدي له.
ماذا فعل بن عمر حتى توجه ضده هذه الحملة الشرسة من التهجم والشتم والقذف والتشهير؟ لم يفعل الرجل شيئا سوى أنه قال أن هناك من يعرقل أعمال مؤتمر الحوار ويقوم بتخريب اقتصادي ويعطل عملية نقل السلطة، وهي حقائق يعلن عنها الغاضبون من هذا الحديث أنفسهم،. . .لم يسم بن عمر أحدا ممن قال عنهم بأنهم يفعلون ما قال: لكن ولأن "السارق براسه قشاشة" (كما يقولون) فقد سارع أنصار الرئيس الساابق ليتحسسوا رؤوسهم ويصبوا جام غضبهم على الرجل ويتهمونه بعدم الحيادية وإنه صار جزءا من المشكلة وإنه فشل في مؤتمر الحوار الوطني وما إلى ذلك من الترهات الغبية التي يتحجج بها التلاميذ الفاشلون عندما يرسبون في الامتحان.
من مفارقات الحملة على بن عمر إنها تأتي مترافقة مع حملة تتهم الحكومة بالفشل في القيام بمهماتها، (وهي قد تكون كذلك) لكن الذين يتهمون الحكومة بهذه التهمة هم موجودون في الحكومة بنسبة 50%، وهو أمر يبعث على الحيرة كيف يتهم هؤلاء أنفسهم ويطالبون من الآخرين أن ينجحوا نيابة عنهم، وينطبق هذا على القول بفشل مؤتمر الحوار الوطني من قبل مشاركين في كل فعاليات هذا المؤتمر، من النقاشات إلى الملاطمات ومن الشتائم إلى تبادل الاتهامات، مما يبين لنا نوع العناصر الذين جيء بها لتقرر مصير هذا البلد وأهله، وهذا يأتي ليؤكد أن مندوبين من هذا النوع إلى مؤتمر بهذه الأهمية لا يمكن الرهان عليهم في صناعة شيء ذي قيمة لبلد أوصلوه هم وقادتهم إلى مرتبة الفشل بامتياز على مدى ثلث قرن من التسلط والفساد والاستبداد والعبث.
ليست المسألة مصادفة ولا هي مجرد موجة غضب مؤقت من مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، بل إنها خطة مدروسة ومتقنة لإطالة عمر الأزمة وإعادة خلط الأوراق وتأجيل التسوية والبدء ببرنامج تخريبي جديد يعيد الحياة السياسية لمن فارقوها أو أوشكوا أن يفارقوها.
من بين الاتهامات التي يوجهها مهاجمو بن عمر إليه تهمة أنه يسمي الرئيس السابق بالمخلوع، وما دار في اليمن بالثورة، ويعتبرون ذلك مخالفا لقراري مجلس الأمن وللمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، لكنهم يتجاهلون قراري مجلس الأمن الذين أدانا المجازر بحق المدنيين وأكدا على عدم إفلات مرتكبيها من العقاب، . .ونحن بدورنا نتساءل ماذا يمكن أن ندعو رئيسا أطيح به من السلطة من خلال فعاليات شعبية خرج فيها أكثر من نصف السكان ليرابطوا في الساحات والميادين مطالبين بإسقاطه ويقدموا في فعالياتهم هذه مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين المغيبين في سجونه حتى اليوم، ولا ماذا يمكن أن نسمي هذه الحالة التي اشترك فيها الشباب والشابات والصغار والكبار والمتعلمين وغير المتعلمين والمدنيين والعسكريين والقبائل وأبناء المدن جميعهم خرجوا ليطالبوا بإسقاط الحاكم المستبد، إذا لم تكن هذه ثورة فما هي إذن؟ وكيف تكون الثورة إذن إن لم تكن هي ما شهدته اليمن في السنوات الأخيرة في الشمال والجنوب؟
السيد جمال بن عمر يستحق من اليمنيين كل التقدير والاحترام والشكر على كل ساعة جهد بذلها من أجلهم، وفي سبيل مساعدتهم على الخروج من مخلفات القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر ومحاولة الولوج إلى القرن العشرين، ويستحق الشكر والثناء أكثر لصبره على المتهورين والمستفزين ومحترفي الاحتيال والخداع والشتم والقذف وناكري الجميل والجاحدين، وإذا لم نستطع شكره وتقديره واحترامه على كل ما فعله من أجل اليمن واليمنيين فعلينا أن نصمت خجلا من عجزنا على رد الجميل بمثله أما المراهنون على إفشال كل جهد يصب في سبيل إنجاز التسوية السياسية من أجل أن يبرهنوا فشل بن عمر في مهمته فإنهم لا يختلفون عن ذلك الذي أحرق بيته من أجل أن يغيض جاره الذي يستضرر من دخان الحريق.
سيكون على القوى السياسية في اليمن الوقوف بصرامة للتصدي للحملة التي قد لا تستهدف جمال بن عمر بشخصه، بل إنها تستهدف دوره المتميز في تطبيق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وإسهامه الفعال في تيسير سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني والأكثر من هذا تستهدف الوصول بمؤتمر الحوار الوطني إلى الأبواب المغلقة والعودة إلى أجواء 2011 وما قبلها وهو حلم لم يفارق مخيلة كل الذين تضرروا من الثورة الشعبية الشبابية السلمية منذ أن وقعوا مرغمين على تلك المبادرة وتلك الآلية على ما فيهما من مساوئ أبدى الكثير من شباب الثورة تحفظاتهم المعلنة عليها.
برقيات:
* كان ممثل المؤتمر الشعبي العام ومن على شاشة قناة الجزيرة يندد بعدم قدرة الحكومة على بسط سيطرتها على كامل محافظة صعدة، . . . يبدو أن سيادته لا يعلم أن علي عبد الله صالح هو من أخرج صعدة عن سيطرة الدولة طوال حروبه الستة التي لم يوقفها إلا يوم إن وصل الحوثيون إلى قصر الرئاسة في عاصمة المحافظة.
* طالب عدد من اعضاء مؤتمر الحوار الوطني المؤتمر الشعبي العام بتغيير جميع مندوبيه ليكونوا جميعا من نوعية عادل الشجاع ومحمد الشايف ونجيبة مطهر لأن هؤلاء فقط هم من يدلنا على نوعية من كان يحكم اليمن على مدى ثلث قرن من الزمان ومن أوصل اليمن إلى ما هي عليه من التدهور والانهيار والفشل.
* يقول الشاعر اليمني الكبير المرحوم عبد الله عبد الوهاب نعمان:
تَمْشِي الوقَاحَـــةُ فِي أَرْضِي مُبَجَلَةً كَأَنَّهَا تُحْفَـةٌ مِنْ أَنْدَرِ التُّحَفِ
حَــتَّى الذُّبَابَـاتِ تَأتِي مِنْ مَزَابِلِهَا طَنِيــْنُهَـا قَد غَدى لَوْنَاً مِنَ الظَّرَفِ
يامِحْنَةُ الصِّدْقِ مِنْ زَيْفٍ بِقَبْـضَتِهِ سَيْــفٌ ومَرْكِبُهُ وَحْشٌ مِنَ الصَّلَفِ
كَمْ هَــــابِطٍ تُقْبِلُ الدُّنْيَا لِتَفْضَحَهُ فَسْلَ العُــرُوقِ وَبِيَئاً سَيِّئَ السَّــلَفِ