كان أمس الجمعة يوما حزينا بالنسبة لي بعد صدمتي باغتيال الدكتور عبدالكريم جدبان الذي تعرفت عليه عن قرب وأعجبت بجرأته الفكرية من خلال مجموع تحقيقاته لجملة من كتب الزيدية وكان من بين محققين قلائل أزاحوا النقاب عن مظلمة فرقة المطرفية وهي إحدى فرق الزيدية تعرضت للإبادة على يد الإمام عبدالله بن حمزة بسبب آرائها السياسية التي تعترض على حصر الولاية في البطنين.
جدبان النائب البرلماني المغدور وعضو مؤتمر الحوار عن مكون الحوثيين، لم يكن في السنوات الأخيرة على انسجام تام مع هؤلاء الاخيرين اذ ظل مصرا على ضرورة اصلاح الزيدية من داخلها ودعاه ذلك الى الغوص في كتب التراث الزيدي ليخرج بحصيلة مغايرة للمفهوم السياسي السائد لدى هادوية اليمن، وشيئا فشيئا صار البعض في جماعة الحوثي يلمزون جدبان بسبب آرائه الجرئية ودفاعه عن المطرفية، وقد منع ست مرات من إلقاء خطبة الجمعة في مسجد الشوكاني الذي اغتالته أيادي الغدر وهو خارج منه بعد صلاة العشاء أمس الجمعة.
تصدر جدبان لتحقيق رسائل "المطرفية" وتوصل الى نفي التهم الجائرة التي الصقت بتلك الجماعة الزيدية المتحررة والتي استُخدمت ضدها كمبرر لإبادتها لأسباب ودوافع سياسية من قبل الجناح الهاشمي المتعصب لحصر الإمامة في البطنين. وتحريمها على الزيديين من أبناء القبائل كما هو حال جدبان. ولم يخف جدبان في أكثر من ملتقى دفاعه عن "المطرّفية" وأفكارها.
الى ذلك خالف الدكتور جدبان النظرة السائدة لدى عموم أئمة المذهب الزيدي المعاصرين الذين يصرون على إنكار وجود الفرقة الحسينية في التاريخ الزيدي التي تؤمن بـ"مهدية" الحسين بن القاسم العياني وزعمهم بأفضليته على النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، فجاء جدبان ليثبت وجودها واعتقاداتها المنحرفة وذلك في تحقيقه لـ"مجموع كتب ورسائل الإمام العياني" الصادر عن سلسلة روائع تراث الزيدية عن مركز التراث والبحوث اليمني العام 2006.
لقد عانى الدكتور عبدالكريم جدبان رحمه الله، كثيرا جراء حرصه على استمرار الخط التجديدي في الزيدية العلمية مصرا على الاصطفاف داخل أسوار المذهب لتنقيته من الأفكار والشطحات العنصرية التي أرادت جعله مذهبا عائليا مغلقا.. ولقد أكد في ندوة عن "التعايش بين المذاهب" نظمها حزب الحق في العام 2009 "على الحاجة الى إعادة النظر في المذهب الإسماعيلي وموروث المطرفية بعيدا عن الخلاف السياسي، وعدم التمترس خلف العناوين المذهبية". وطالب جدبان بالتركيز على نقاط اللقاء والتوافق، والتي قال إنها تمثل أكثر من 90%".
هي لمحات من حياة جدبان كمحقق يمني أسهم موقعه السياسي كنائب برلماني، في شغل الناس عن التأمل في مجهوده العلمي وآرائه الجريئة داخل المذهب الزيدي نفسه.. ومطلوب من الأجهزة الأمنية سرعة التحري والقبض على الجناة، أيّاً كانوا، حتى يلاقوا جزاءهم العادل.