هادي يكسب الرهان ويفشل أطماع المتربصين

2014/01/26 الساعة 05:42 مساءً
كعادته اليمن ادهش العالم بحكمته حين اختتم مؤتمر حواره الوطني بنجاح وسلام، دون وقوع مايعكر اجواء احتفاليته، كما كان متوقعاً بان يصدر ما يفشله من القوى والأطراف التي ظلت عائقاً لاستمراره بإعمالها وتوتراتها طيلة العشر الأشهر الماضية من انعقاده للتأثير على مخرجاته. هذه الصورة الايجابية لاحتفالية اختتامه وخروجة بوثيقة نهائية تمثل الارضية المتينة والصلبة التي يمكن ان تنطلق على أسسها ومبادئها كافة الحلول والمعالجات للقضايا الشائكة التي عكف المتحاورون خلال فترة انعقاده لمناقشة الرؤى المقدمة من مكوناتهم لتشخيص ووضع الحلول لمعالجة تلك القضايا مع التسليم بان الضرورات والمقتضيات تتطلبت تأجيل بعض الملامح لشكل الدولة الاتحادية القادم ( عدة اقاليم – اقليمين ) لاعتبارات عدة ابرزها عدم ملائمة الظروف لإعلانها وإخضاعها للأسس العلمية والاقتصادية والديموغرافية وإثرائها بآراء المتخصصين والخبراء في هذا الشأن، ليتقبلها الشارع الذي لا يزال نسبة كبيرة منه يجهل أُسس الدولة الاتحادية، وايجابيات وسلبيات الاقاليم – اقليمين، حتى جعل الكثير البعض ينظر لكافة الخيارات باجتهاد عفوي ومزاجية لتفسيرها، ووفق ما تتطلبه مصالحة خصوصاً انها تقطع الطريق على مصالح بعض القوى التي سخرت الوجود الشكلي للدولة واستمرار هشاشتها لحماية منافعها ومصالحها الخاصة، اذ حاولت مراراً اعادة انتاج نفسها بتهيج الشارع والإعلام للدفع باليمنيين نحو الاسراع بإجراء الانتخابات والتذرع بالتنفيذ الحرفي لما جاء في المبادرة الخليجية اجراء انتخابات ( نزيهة ) وهذا ما يصعب تحقيقه في هذه ألمرحلة، إلا في دولة قائمة على أُسس ومبادئ سليمة قائمة على الشراكة المجتمعية ،وتمنع تسخير الدولة للمصالح خاصة بالاسرة او العائلة او المنطقة او القبيلة وتضع الجميع فيها متساوين في الحقوق والواجبات،  وتلك الانتخابات ( النزيهة ) التي يتطلع لها اليمنيين لا يمكن ان نشهدها  إلا في دولة قائمة على اسس المشاركة الفعلية في البناء .. لكن اولئك ارادوا من تذرعهم  بالانتخابات  اعادة انتاج انفسهم ومواقعهم للحفاظ على مصالحهم .
 
ولعل المبادئ والأسس التي خر ج بها الحوار ، اذا تمسك بها اليمنيين وتم تطبيقها بخطوات ثابتة دون القفز او تجاوز شروط تنفيذها او تجزأتها ستفسح المجال لخلق وضع جديد سيُحد من الاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية وستترسخ فيه مبادئ المساواة والعدل والقبول بالآخر والتعايش الاجتماعي والديني .. وسيضع حدٌ للعنف السياسي والإقصاء والتهميش، وستتوفر فيه كافة عوامل ومتطلبات الاستقرار السياسي والاقتصادي والحفاظ على الحقوق والمصالح الفردية والجماعية والسياسية وحق تقرير المكانة السياسية للجميع سوى في دولة اتحادية من عدة اقاليم او من اقليمين.
 
 هذا النجاح الذي حققه اليمنيين باختتام مؤتمر حوارهم يضعنا امام  استنتاجين هامين  هما: استطاعة اليمنيين الجلوس تحت مظلة واحدة لمناقشة قضاياهم بأسلوب حضاري رفيع كتجربة كان ينظر لها الجميع بأنها شاقة ، واستحالة نجاحها في اليمن نظراً لظروفه الاستثنائية ونتائج الحوارات السابقة التي انتهت بالانسياق الى لغة الحرب .. لكن الدور الذي قام به الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية – رئيس مؤتمر الحوار ، كان الابرز للوصول لتحقيق هذا النجاح ، ومبدأ التوافق والحياد السياسي الايجابي الذي انتهجه  كان الطريق الآمن  لاستمرار الحوار والتحاور ، رغم ما حصل فيه من انسحابات، ومد وجزر ، وبذلك نستطيع القول ان الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية ارساء بهذا السلوك السياسي ، والنهج المتميز في ثورات الربيع العربي ، بل وفي النزاعات السياسية التي تشهدها معظم البلدان النامية تجربة ومدرسة فريدة في الحياد السياسي الايجابي المثمر وستمثل نموذجاً رائعاً للأحتذى  به ، ومحطة مضيئة في تاريخ اليمن المعاصر، ومرجعية هامة في  التاريخ السياسي  ليتجه الباحثون للاستفادة منه كنموذج وتجربة ناجحة في حل الاختلافات ومعالجات الأزمات المدمرة، حيث  نال ثقة المتحاورين من كافة الاطراف،  وهذا قد ربما يُحدث في ادارة الحوارات بين الشعوب والدول المتوترة الاوضاع بينها او الخارجة من الحروب ، لكن لم يسبق أي رئيس في انتهاج هذا الحياد والتوافق الايجابي في ادارة الحوارات للنزاعات والصراعات الداخلية في دولة يرأسها ، إلا ما حدث في اليمن وهنا فان نجاح الحوار كتجربة ناجحه.. راهن الكثير على فشلها وكسب الرهان هادي على نجاحه، وأسس بذلك مدرسة فريدة في الحياد والتوافق السياسي ستعيد لليمن مكانته السياسية المرموقة في المحافل الدولية، وستغتدي بنجاح تجربته الشعوب والدول التي لاتزل تشهد صراعات، وأزمات سياسية مستعصية، كما ستظل تجربة حاضرة في وجدان الشعب اليمني وتاريخه الحديث كونها منعت الاوضاع في اليمن من الانزلاق  للحرب، كما لا يمكن الاغفال عن دور المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة السيد جمال بن عمر ، وجهود سفراء الدول العشر الراعية للتسوية السياسية في اليمن ، الذين كان لهم ايضاً الدور الحاسم في الدفع بجهود الجميع نحو نجاح مؤتمر الحوار.
 
اما الاستنتاج الثاني هو الخروج بالوثيقة النهائية للحوار والتي تعد انجاز مهم تجاوز كافة المحاولات السابقة لحل قضايا اليمنيين، فهي دون شك تشكل اساس متين لحل القضية الجنوبية اذا تم مراجعة الابعاد السياسية والتاريخية للقضية الجنوبية، وتشكلها، وتفسح الطريق لأي محاولات صادقة من بعض الاطراف خصوصاً الجنوبية لمشاركتهم بالحلول المرحلية للانتقال بالأوضاع الى مرحلة آمنة تُمكن الجميع من مداواة جراحاتهم، ودراسة الاوضاع القادمة بدقة ليُسهل وصول الجميع الى غاياتهم طالما وان الوثيقة اعترفت بحق تحديد للمكانة السياسية مستقبلاً ، ولم تغفل البعد السياسي والتاريخي لكل الاوضاع في الجنوب قبل 30 نوفمبر1967م.
نجاح الحوار بشكل عام يعد منجزً تاريخياً لليمنيين ، وتنفيذ مخرجاته يعد الاهم ومسؤولية كل اليمنيين ، طالما وفّرت الحد المقبول الملبي لتطلعاتهم او الارضية المناسبة لتحقيق بقية اهدافهم في اطار الدولة الاتحادية ، ووفق أُسس ومبادئ، ووثيقة مخرجات الحوار التي ضمنت للجميع العيش بسلام ، باعتبار ان ان المعضلة تكمن في انجاز  الحلول ولو في حدها ألأدنى، ولطالما نجح اليمنيون ورئيسهم بإخراجها فإن الحاجة ملحّة وملزمة للجميع بالتعاون لتنفيذها وذلك لما نتوقعه من تحديات قادمة ستواجه تنفيذها، كما واجهت عملية اخراجها.