انطلقت في جنيف جولة رابعة من مشاورات سلام لا يبدو أنه يلوح في الأفق بين الحكومة الشرعية اليمنية والحوثيين، في ظل مشهد متجدد وتحولات حاسمة في الوجوه والعناوين، حيث تعقد المشاورات بوجود مبعوث أممي جديد ووزير خارجية جديد كذلك، يترأس وفد الحكومة الشرعية في أولى معاركه الدبلوماسية الكبيرة، بخبرة دبلوماسية واسعة في طريقة تعاطي المجتمع الدولي واللاعبين الأساسيين مع الملف اليمني، قد اكتسبها خلال فترة عمله كمندوب لبلاده في الأمم المتحدة التي ظل هذا الملف يتصدر أجندتها ويشغل اجتماعات دولها دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
ولد خالد حسين محمد اليماني في مدينة عدن في العام 1960، حيث درس مراحل دراسته الأساسية والثانوية قبل أن يمتهن العمل الصحافي في صحيفة 14 أكتوبر الرسمية الصادرة في المدينة. وتدرج في عدد من الأقسام الفنية والتحريرية فيها، بما في ذلك عمله كمخرج فني للصحيفة، كما قال في تصريحات صحافيه إنه من أدخل الخط العربي إلى الصحافة العدنية في فترة مبكرة تبدأ من العام 1978 وهي المهنة التي التحق بها وهو لا يزال طالبا، وعمل فيها حتى ابتعاثه للدراسة الجامعية والعليا في جامعة هافانا بكوبا التي تخرج منها في العام 1990 وهو العام ذاته الذي أعلنت فيه الوحدة اليمنية.
عاد اليماني إلى صنعاء ليجد فرصة عمل استثنائية في وزارة الخارجية اليمنية مستفيدا من شهادة الماجستير في الصحافة وإتقانه للإنكليزية والإسبانية، إضافة إلى حالة التوازن السياسي التي كانت قائمة آنذاك بين طرفي الوحدة؛ المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، والتي فرضت حالة توزان كذلك في نظام التوظيف في مؤسسات الدولة السياسية.
المناصب التي تقلدها اليماني توحي للوهلة الأولى بأنه لم يكن يوما، وخصوصا في بداية مشواره الدبلوماسي، ينتمي إلى أي من مراكز القوى التقليدية التي عرفتها اليمن خلال العقود الأخيرة وساهمت في تشكل الحياة السياسية وألقت بظلالها على طبيعة التعيين في المناصب السيادية أو حتى تلك التي كانت حكرا على طبقة اجتماعية وسياسية وخاضعة لحسابات وتقاسمات معقدة كالسلك الدبلوماسي.
يعتقد العديد من المهتمين بالشأن اليمني أن اليماني ينتمي إلى فئة الموظفين الحكوميين البيروقراطيين أكثر من كونه سياسيا، في اختلاف كبير عن سلفه المخلافي الذي انخرط في الحياة السياسية اليمنية منذ فترة مبكرة وعاصر الكثير من الأحداث بما في ذلك يوميات الانقلاب الحوثي، كما كان عضوا في العديد من لجان الوساطة وعضوا في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ما يمنحه خبرة عالية في طريقة تفكير الجماعة الحوثية وأساليب مراوغتها السياسية.
تصريحاته عن استعداد الحكومة اليمنية للتعاطي مع أي مبادرات سلام وتشكيكه في نوايا الحوثيين وعدم جديتهم، يفيدان صراحة في أكثر من مناسبة بأن قرار الحوثيين ليس بأيديهم ولكنه في أيدي النظام الإيراني
وفي المقابل يرى المراقبون أن اليماني يتمتع بخبرة واسعة في ما يتعلق بالرؤية الدولية والأممية للملف اليمني وتعقيداته وهي خبرة اكتسبها من خلال عمله كمندوب لليمن في الأمم المتحدة، إضافة إلى فهمه للمزاج الدولي وكيف يمكن عكس الأضرار التي يحدثها اللوبي الإيراني والتحركات الحوثية في المحافل الدولية.
وفيما كانت مواقف وزير الخارجية اليمني السابق أكثر صرامة في التعاطي مع الضغوط الدولية، يرى البعض أن اليماني بفطرته كدبلوماسي سيتعامل بطريقة أكثر مرونة ودبلوماسية وخصوصا على الصعيد الإعلامي، في الوقت الذي تحتاج فيه إدارة الملف اليمني إلى مزيج من الأمرين معا.
لقد عمل اليماني منذ تعيينه وزيرا للخارجية على اتخاذ خطوات وصفت بالجريئة في ما يتعلق بتضييق هامش التسامح الدبلوماسي مع الجهات والأدوات التي تتهم بدعم الحوثيين أو التعاطف معهم، حيث وجهت الخارجية رسالة إلى وزارة الخارجية اللبنانية تشير فيها إلى تورط حزب الله اللبناني بشكل مباشر في دعم الحوثيين، كما وجه اليماني رسالة دبلوماسية قاسية لسفيرة الاتحاد الأوروبي في اليمن تساءل فيها عن سبب زياراتها المتكررة لصنعاء ولقاءاتها بمسؤولين حوثيين دون التنسيق مع الحكومة الشرعية.
ولعل انتقاله من ضمن كوادر جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى صنعاء بعد قيام الوحدة في العام 1990 وانضمامه إلى العمل في وزارة الخارجية في العام التالي في إطار سياسة الدمج التي كانت متبعة بين كوادر شمال اليمن وجنوبه، يعطي تفسيرا واضحا عن سبب وجوده في هذا العمل الذي انتقل إليه بخبراته كصحافي ليعمل في الفترة من يناير 1991 وحتى ديسمبر 1994 في دائرة الإعلام بوزارة الخارجية مسؤولا عن الإصدارات الإعلامية الخاصة بالوزارة.
ومنذ بداية مشواره الدبلوماسي فضل اليماني أن ينأى بنفسه عن الصراعات والتجاذبات السياسية في اليمن، وأن يقدم نفسه كشخصية بيروقراطية، وهو المسلك الذي رافق مسيرته منذ التحاقه بالعمل في وزارة الخارجية وحتى تعيينه وزيرا لهذه الوزارة في الرابع والعشرين من مايو 2018 خلفا لعبدالملك المخلافي السياسي المتمرس الذي كان عادة ما يوصف بأنه يدير العمل الدبلوماسي بعقلية سياسي خبير وشريك في صنع التطورات والأحداث المتلاحقة التي عرفتها اليمن، على خلاف اليماني الذي ظل بعيدا عن هذا المشهد وتداعياته حتى في أوج الصراع المسلح في صيف 94 بين شركاء الوحدة، وهي الحرب التي عين بعدها اليماني بعام واحد مسؤولا عن ملف أفريقيا في مكتب وزير الخارجية لمدة أربع سنوات انتقل بعدها إلى العمل في أول مهمة خارجية كمسؤول سياسي وإعلامي في سفارة اليمن بماليزيا، وهو ذات المنصب الذي تولاه في العام 2000، ومدة ثلاث سنوات في سفارة بلاده بأميركا، قبل أن يعود مجددا إلى العمل في مقر وزارة الخارجية بصنعاء ولكن هذه المرة، مختصا فمساعدا فسكرتيرا في مكتب وزير الخارجية، ومسؤولا عن ملف العلاقات اليمنية مع دول الأمريكيتين، ورئيسا لتحرير مجلة الدبلوماسي الصادرة عن الوزارة والتي استحضر من خلالها مجددا روح الصحافي التي بداخله والتي كانت تطل بين الفينة والأخرى خلال مسيرته الدبلوماسية، حيث أصدر في 2012 كتابا بعنوان “يوميات دبلوماسي في نيويورك” لينضمّ إلى عدد من الكتب التي أصدرها في الشأن الدبلوماسية، إضافة إلى كتابات شعرية وأدبية متناثرة في الصحافة اليمنية.
مشاورات جنيف تعقد بوجود مبعوث أممي جديد ووزير خارجية جديد كذلك، إذ يترأس اليماني وفد الحكومة الشرعية في أولى معاركه الدبلوماسية الكبيرة، بخبرة دبلوماسية واسعة في طريقة تعاطي المجتمع الدولي واللاعبين الأساسيين
وبعيدا عن أي حسابات سياسية، واصل اليماني شق طريقه الوعر والمتدرج في السلك الدبلوماسي، حيث تولى في 2005 ولمدة أربع سنوات منصب نائب السفير اليمني في المملكة المتحدة. سيرته الدبلوماسية الحافلة تقول إنه عاد مجددا إلى مقر وزارة الخارجية وفقا لما كانت تقتضيه الأعراف الدبلوماسية بعد انتهاء فترة عمله في الخارج ليعمل نائبا لمدير مكتب وزير الخارجية، قبل أن يخوض أول اختبار له غير تقليدي ولمدة عام من خلال تكليفه في الفترة من أكتوبر 2009 حتى ديسمبر 2010 بالعمل كبيرا لمفاوضي الوفد الدائم للجمهورية اليمنية لدى الأمم المتحدة في نيويورك خلال رئاسة اليمن لمجموعة الـ77 والصين، وأشرف في تلك الفترة على المفاوضات الخاصة بمؤتمر المراجعة للأهداف الإنمائية الألفية سنة 2010. وهي المهام التي فتحت له أبواب العمل الدبلوماسي، فبعد عمله لثلاث سنوات في مقر الخارجية عاد مجددا إلى نيويورك في العام 2013 ليتولى منصب نائب مندوب اليمن في الأمم المتحدة، قبل أن يعينه الرئيس عبدربه منصور هادي في ديسمبر 2014 سفيرا فوق العادة ومندوبا دائما لليمن لدى منظمة الأمم المتحدة، وهي واحدة من أكثر فترات عمله ثراء، كما أنها الفترة التي سلط عليه الضوء فيها لأول مرة وتحول إلى شخصية عامة من خلال متابعة اليمنيين لنقاشاته وكلماته في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي حول الملف اليمني والتي اتسمت في الغالب بالهدوء والمنطق السياسي الجيّد في الدفاع عن الشرعية.
مزج اليماني بين تصريحاته عن استعداد الحكومة اليمنية للتعاطي مع أي مبادرات سلام وتشكيكه في نوايا الحوثيين وعدم جديتهم، وحول مشاورات جنيف التي تشرف عليها الأمم المتحدة، تاركا الحكم للمبعوث الأممي والمجتمع الدولي لتقييم التزام الميليشيات الحوثية بأي مساع سياسية، ملمحا في أكثر من مناسبة إلى أن قرار الحوثيين ليس بأيديهم ولكنه في أيدي النظام الإيراني وحزب الله اللبناني.
وفي الجانب الآخر، تبرز العديد من الانتقادات المبكرة لطريقة أداء وزير الخارجية الجديد، حيث يرى البعض أنه أكثر مرونة من سابقيه، إضافة إلى ضيق هامش المناورة السياسية المتاح له، في الوقت الذي لا يمتلك فيه كل أدوات القرار في وزارته التي يعتقد أن جزءا كبيرا منها لا يزال في واشنطن، حيث يمسك سفير اليمن في الولايات المتحدة ومندوبها في الأمم المتحدة المقرب من الرئيس هادي بتفاصيل ملف العلاقات الخارجية للحكومة الشرعية.