الرئيسية - تقارير - المسار السياسي لعائلة الرئيس الأسبق صالح في الماضي والحاضر والمستقبل

تقرير هام من مركز هنا عدن

المسار السياسي لعائلة الرئيس الأسبق صالح في الماضي والحاضر والمستقبل

الساعة 08:04 مساءً (هنا عدن ـ خاص)

أصدر مركز "هنا عدن" للدراسات تقريرا تحليلا وقراءة بحثية واستنتاجات واقعية تحت عنوان "المسار السياسي لعائلة صالح في الماضي والحاضر والمستقبل".

وتتبعت الورقة البحثية المسار السياسي لعائلة الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح (1978_2011) باعتبارها أهم وأكبر عائلة امتد حضورها السياسي طوال ثلاثة عقود.



وناقشت الدراسة علاقة أفراد أسرة صالح بدولة الإمارات وانعكاسات الأمر على مستقبلهم السياسي ومدى نجاحهم أو إخفاقهم في علاقتهم بالشعب اليمني ومصيره بشكل عام.

وخلصت الورقة إلى أن أن أسرة صالح، كانت وما تزال تفتقد لأي وعي سياسي تاريخي بطبيعة الحكم وحياة الدول وتقلباتها.

 

مقدمة:

في العالم أُسرُ كثيرة، طول مكوثها في السلطة أو انخراط عدد كبير من أفرادها في السياسة، جعل منها مركز ثقل سياسي بل ويكاد يستحيل قيام أي سلطة دونما مشاركة لعناصر من تلك الأسرة في الحكم. يتواصل الأمر على امتداد أجيال متوالية دونما انقطاع تام للحضور السياسي لهذا النوع من الأُسر، إلا في حال قيام ثورة جذرية، تُحدث قطيعة تامة وتُنهي وجود الأسرة الممتدة بشكل نهائي، وهو أمر ممكن الحدوث؛ لكن تحققه يظل نادرًا؛ قياسًا للأسر التي يتأمن وجودها بطرق عديدة وبمستويات متذبذبة. والأمر محكوم بالمناخ السياسي للبلد ومساراته المتعرجة.

سنحاول في هذه الورقة، تتبع المسار السياسي لعائلة الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح (1978_2011) باعتبارها أهم وأكبر عائلة امتد حضورها السياسي طوال ثلاثة عقود، هي عمر حكم الأب. وما يزال التاريخ السياسي للأسرة حاضرا وفاعلًا والمستقبل يُوحي باحتمالية مؤكدة لتواصل هذا الحضور، بصرف النظر عن طبيعة التبدلات الحاصلة وهوية العناصر التي يُرجح لعبها دور أكبر أو أقل من هذا الفرد أو ذاك. داخل خارطة الأسرة السياسية الواسعة.

 

المحور الأول: أسرة "صالح" والإمارات.. حمولات صعبة:

يبدو من بداهة القول، الإقرار بأن أسرة صالح، تُعاني من إرث سياسي يمتد لأكثر من أربعة عقود، هو زمن علاقتها بالسلطة مذ تسلّم الرئيس الراحل صالح مقاليد الحكم في اليمن.(1978_2012) ما يعني أن أحد التحديات أمامها، قدرتها على تحرير نفسها من أثقال مرحلة سياسية طويلة نسبيًا وفيها محطات كثيرة متوترة. أي أنها لا تستطيع النجاة من إرهاق الذاكرة السياسية والبدء بمرحلة متخففة من ضريبة الماضي. الأمر يقتضي وجود بطولة سياسية نادرة؛ لتحقيق هاته القفرة، أو لنقل تحتاج الأسرة السياسية لشجاعة نظرية تُمكِّنها من اجتراح رؤى جديدة تُحدث إزاحة للإرث السلطوي؛ أكثر مما تحاول إعادة إنتاجه. فيما الواقع اليوم، لا يمنحنا مؤشرات على توفر إمكانية لحدوث أمر كهذا. وهذا هو العلامة التشخيصية الأولى، على وجود استحالة جذرية أن تنجح أسرة" صالح" في مسعاها لانقاذ نفسها ولعب دور فاعل في صياغة مستقبل اليمن.

ما سبق كان تعليلًا نظريًا يُفسر العجز البنيوي لدى أسرة صالح وفشلها في تخليق رؤية جديدة لدورها السياسي. واقعيًا وعمليًا، هناك ما يُعزز هذه الخلاصة الأولية. وهو توجيه النظر لطبيعة الشخوص الفاعلة المنتمية لهذه الأسرة ومراقبة طبيعة نشاطاتهم والغايات التي يهدفون لتحقيقها. سيأكد للمتابع، أنّك أمام مجموعة أفراد تتسم نظرتهم للواقع بطابع الشتات وكأنّهم ما يزالون يعيشون صدمة فقدان الأب المؤسس" صالح" ولم ينجحوا بتصعيد وجوه سياسية تتوفر على صفات قيادية شاملة، كما لم يتوفقوا بإعادة صياغة خطاب سياسي مقنع للشعب اليمني ويملك قدرة واقعية على ملء الفراغ وتصدير ثقة معنوية لجماهير حزبهم توحي لهم بأن البديل جاهز وأن رحيل صالح لن يُعرّض حزبه للتلاشي أو أسرته للتفكك.

من زاوية أخرى، يمكننا النظر إلى الأسرة انطلاقًا من روابطهم بالقوى الداخلية والأهم من هذا هو تتبع الروابط الخارجية وهذه الأخيرة هي جوهر ما سنحاول بحثه في هذا المحور. لنرى الخلاصة التي يمكننا الخروج بها. وتحديدًا علاقة أفراد أسرة صالح بدولة الإمارات وانعكاسات الأمر على مستقبلهم السياسي ومدى نجاحهم أو إخفاقهم في علاقتهم بالشعب اليمني ومصيره بشكل عام.

 

أولًا : علاقتهم بالإمارات.. عامل قوة أم ضُعف..؟

في فترات حكمهم، لا يختار الساسة دولة خارجية؛ كي يستثمروا فيها. بشكل اعتباطي. أي أن ما يدفعهم لاختيار هذه الدولة أو تلك، هو غالبًا، سؤال ما بعد انتهاء فترة حكمهم. وبقدر توافر عوامل أمان موثوقة؛ يقع الخيار على الدولة الخارجية تلك لتغدو وجهتهم المركزية، يودعون فيها أموالهم ويعولون عليها كملاذ آمن للحياة. هذه الفكرة المبدئية ليست نظرية علمية لتفسير سلوك الأُسر السياسية في كل مكان بالعالم. كما أنها لا توضح لنا أسباب وجود علاقة بين أُسرة صالح ودولة الإمارات العربية المتحدة. لكن التجربة التاريخية للأنظمة العربية، وتحديدا تلك التي أخفقت سلطاتها أن تؤسس لنظام دولة. يُلاحظ تكرر هذا النمط. حيث معظم العلائلات الحاكمة لكثير من الدول للعربية، لديهم استثمارات خارجية. وفي الإمارات" دبي" تحديدًا، تؤكد التقارير وجود أفراد ينتمون لعلائلات سياسية من دول عربية عديدة. واليمن لم تكن استثناء من ذلك.

 

ثانيًا: أي مستقبل سياسي محتمل للأسرة..؟

لا تندثر الأُسر الحاكمة سريعًا، هي تتآكل ببطء، يضعف دورها السياسي بالتدريج. وقبل وصولها للنهايات الأخيرة، تُناور كثيرًا. وها هي أُسرة الرئيس الراحل صالح، منذ ست سنوات، أي تاريخ مقتل زعيمها في الرابع من ديسمبر2017. ما تزال تُعيد ترتيب أوارقها وتُفتِّش عن عوامل قوتها؛ كي تحفظ مصيرها من التلاشي، أو لنقل؛ كي تُطيل زمن بقاءها وتُؤجل أي نهاية لدورها السياسي.

لمعاينة مستقبل الأسرة عمومًا، علينا أن نتذكر فكرة أولية، هي بمثابة عبارة مفتاحية تُفسر مآلات الأسر.  الفكرة تقول: تكمن مشكلة الأسرة في أن صالح كان يجمع خيوط اللعبة كلها بيده. ولهذا فما تعتقد الأسرة أنه كان عامل قوة وحضور للمؤسس. صار عامل ضعف لهم. ذلك أنّ لا أحد من رموز هذه الأسرة، كان يملك شبكة حضوره الخاصة مجتمعيًا. أي أنهم لا يتمتعون بحرية واقعية ولم يجتهدوا لخلق روابطهم الواقعية بالمجتمع ورموزه وللدقة، بأتباعهم من الوجاهات المجتمعية والشخصيات المحرّكة للجماهير. أي أن رمزياتهم المصطنعة كانت مقتصرة على تقلّدهم لهذا المنصب أو ذاك، دونما قدرة شخصية على تكوين امتدادات خالدة تجعلهم قادرين على أن يلعبوا الدور مباشرة بهد رحيل مؤسس الأسرة" صالح"

فالبظر لطبيعة المجتمع اليمني، فلا يكفي أن تكون رئيسًا لقوة عسكرية أو مديرًا لمؤسسة أمنية أو تتقلد منصب سياسي رفيع، لا يكفي هذا؛ كي تحظى بنفوذ مستديم وتنجح باستثمار موقعك القيادي بما يهبك حظوة ومكانة تتجاوز حدود المنصب. لا بد أن تكون شخصيتك تتمتع بفائض قوة وحضور معنوي، قادر على أن يحشد الأخرين جواره ويقنعهم بامتلاكه رؤية مسيطرة على المستقبل؛ حتى حين تفقد منصبك. هذه الميزة الخطيرة، كانت شبه منعدمة في أسرة صالح، ولربما كانوا حاملين ليقين راسخ بأن السلطة لن تفارقهم وعليه فليسوا بحاجة لأي نشاط مجتمعي حقيقي، يضمن لهم الولاء في ظل أي تحولات تطرأ على شؤون السلطة.

ما سبق، يستدعي فكرة مهمة، وهو أن أسرة صالح، كانت وما تزال تفتقد لأي وعي سياسي تاريخي بطبيعة الحكم وحياة الدول وتقلباتها. وعليه فلا بد أن الوعي ذاته ما يزال المتحكم فيهم، ذلك أنه من المستبعد أن يكتسبوا فطنة سياسية كهذه، ما لم تكن متوفرة لديهم منذ البداية. إن حدود قدراتهم لا تتجاوز نشاط إداري محدود، وليس هناك أي وقائع تاريخية أو راهنة تؤكد أهليتهم لدور وطني خلاق ومؤثر في صياغة اللوحة الكلية للوطن اليمني الكبير.

 

ثالثًا: حزب المؤتمر.. قيادة مفككة وجماهيرية تائهة:

يُلاحظ المراقب لمصائر الأحزاب العربية التي حكمت دول كثيرة في زمن ما قبل ثورات الربيع العربي. أن مصائرها تنوعت ما بين تلاشي سريع ومعاودة لتكتلها تحت مظلات جديدة. غير أن مصير حزب المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم في اليمن طوال العقود الماضية يبدو مصيره مشوش وعالق في خطاطيف كثيرة. سياسيًا وجغرافيًا، يتجلى بوضوح حالة التفكك الواسع في بنية الحزب ومواقفه لدرجة يصعب حصرها.

في المركز السياسي التقليدي للجمهورية اليمنية، لو جاز لنا التعبير، سنقول: هناك فصيل تبقّى في صنعاء، ولئن كان يبدو أن بقايا الحزب في صنعاء، يفتقد للحضور الحيوي والتنظيم الفعال، إلا أن حالة التكتلات الأخرى من الحزب ليست بأكثر تعافي من الفصيل المتبقي في صنعاء. في الفترة الراهنة يكتفي الفصيل الذي يتمسك ببقاءه في صنعاء بممارسة دوره هناك في حدود ضيقة. مبدئيًا هو ضدّ التحالف؛ لكنه ليس متماهيًا كليًا مع السلطة الحاكمة في صنعاء ويحاول مؤخرًا ممايزة نفسه ككتلة لها تصور مفارق قليلًا لسلطة الأمر الواقع متمثلة في جماعة أنصار الله.

هناك فصيل أخر شكّل نفسه بعد مقتل زعيم الحزب، ويُقدِّم نفسه باعتباره الوارث الأول لحزب المؤتمر. وبالطبع يمضي هذا الفصيل، دون إعلان رسمي أو حديث مباشر للتعريف بنفسه كحامل جديد لأدبيات الحزب. بل يحاول تقديم نفسه تحت لافتات جديدة، عسكرية وسياسية. هذا الفصيل يتزعمه ابن عم الرئيس الراحل صالح. والحديث هنا عن طارق عفاش. عضو المجلس الرئاسي وقائد ما يُسمّى " قوات الجمهورية" ورئيس مكتب المقاومة. وهذا المنصب الأخير هو اللافتة السياسية التي أراد منها هذا الفصيل أن تكون نواة يرث بواسطته

 

رابعًا: غياب البطل:

في العلوم السياسية تفيد النظريات الخاصة بتكوين الأحزاب، أن الأحزاب هي مؤسسات مدنية تتشكّل وفقًا لتصورات وقواعد وبنى تنظيمية وإدارية ما يجعل منها هيئات عابرة للأشخاص مهما بلغ تأثيرهم. غير أن الأمر الواقعي في البلدان العربية يختلف عن تلك الفكرة النظرية المثالية. فهذه المنطقة يبدو أنها مصابة بلعنة البطل الملهم والقائد الفرد والمخلِّص الأبدي. وفي حالة حزب المؤتمر الشعبي العام. كان صالح بمثابة القلعة الأساسية للحزب. الدينامو المحرك والشفرة السرية التي تجمع كل المفاتيح في صندوقها.

ترتكب القيادات المؤسسة للأحزاب خطيئة كبرى بحق البلدان قبل ما تكن خطيئة بحق القوى التي أسستها. ذلك أن من بداهة القول أن لا أحد خالد للأبد وأن العمل المرتبط بشخصية بعينها مصيره التلاشي وفي أقل الحالات سوءًا الشتات وفقدان الرؤية وهذه بالطبع مشكلة تفضي نحو مصير مشابه الإضمحلال البطئ للكيان السياسي الفاقد للبنية المؤسسية والمرتبط بكاريزما القائد البطل. وحزب المؤتمر الشعبي العام، نموذجًا ساطعًا لهذه الحالة البائسة والمآل المجهول.

 

رابعًا: استعادة فاشلة لمزايا الماضي:

المتتبع لخطابات التكتلات التي تتخذ من صالح نقطة إنطلاق لتأثيث وجودها السياسي. يُدرك غياب أي نباهة سياسية في مجمل أدبياتهم. لكأنهم لم يتبق لهم من عامل إثبات لجدارتهم السياسية سوى استحضار ما يعتقدون أنّه انجازات المؤسس في زمن منصرم. وهم بذلك لا يستعيدونه بشكل يخدم واقعهم السياسي، أي أنهم لا يكتفون بوضعه كخلفية عمومية تمنحهم ثقل ومشروعية في الحاضر. بل يكادون يتشبثون بالماضي بطريقة تضاعف غرقهم الواقعي وتجعل منهم مجموعة ورثة، عاثرو حظ، يرددون بكائيات عن "الزمن الجميل" وليس في ذلك أي تلويحة قادرة على غواية الحشود للتحلّق حولهم؛ بل يكشفون بذلك عن عجز ذاتي وواقعي؛ يوحي بإقرارهم اللاواعي عن عدم قدرتهم على أن يقدموا وعودًا مستقبلية للناس أو يبشرونهم بغد أكثر براعة من الأمس.

إن أي أسرة سياسية أو تيار حزبي، يكشف عن جدارته بما يعد به الناس في الغد، وليس بما يستحضره ما ماضي تفكك وصار بحكم العدم. عند هذه النقطة، يظهر بوضوح، افتقاد وارثوا أسرة صالح لحصافة سياسية، تصيغ لهم التصورات الكبرى لنشاطهم وتمنحهم تعريفات ضابطة تنجو من إرهاق الماضي، وتهبهم خفة للتصرف تجاه المستقبل. ويزداد التيه جلاءً، حين يتخذون من انهيار حكم "صالح" كمبدأ خطابي، يعتقدون بموجبه، أنّ على الناس الندم إزاء مصير المؤسس. كما لو أن تفكك سلطتهم، جريمة على الناس التوبة مما لحق بنظامهم. وفي هذا المبدأ، انحراف خطير لأدبيات أي جماعة سياسية، ذلك أنّه لا يليق بجهة أو حزب أو كتلة سياسية أن تلوم الناس على ما حصل بها، أو تستلذ بتقريعهم وترغب بأن تنتزع منهم إدانة لأنفسهم؛ كي تكسب بذلك براءة من الفشل. فشلها في صيانة نظام كان قد وصل لنهايته. حيث لم يكن "انهيار الأسرة" سوى نتيجة عارضة لتفكك دولة لم تؤسس على شيء؛ باستثناء صورة الزعيم ومجده الخاص.

 

المحور الثاني: بورترية عن الأفراد البارزين من أسرة " صالح":

أولًا : أحمد علي.. لماذا فشل النجل الأكبر لصالح في لعب الدور وسدّ الفراغ..؟

ما إن شعر الرئيس الراحل صالح أنه أحكم قبضته على السلطة، وتمكّن من تحييد الأخطار الكبرى المحدقة بنظام حكمه. وتحديدًا منذ ما بعد حرب الإنفصال (1994) وظهوره كبطل شعبي ورسمي، نجح في تثبيت اليمن الجمهوري الواحد. تدريجيًا بدأت تساوره أحلام ورؤى تتعلق بضرورة تأمين مستقبل عائلته سياسيًا. وبديهي أن تكون البداية من النجل الأكبر. شرع صالح بتأثيث نموذجه السياسي على غرار نظرائه في دول عربية عديدة. نظام حسني مبارك في مصر، وتصدّر أبناءه علاء وجمال للفضاء السياسي. وملك ملوك أفريقيا، وبروز نجليه في الواجهة ولعب أدوار سياسية. وقبل هذا وذاك نجاح نموذج التوريث في الجمهورية العربية السورية وتمكُّن بشار الأسد من وراثة كرسي الحكم بعد وفاة والده.

منذ ما قبل تأسيس ما يُسمى " الحرس الجمهوري" ومنحه الجزء الأكبر من الإنفاق العسكري. كان صالح وأجهزة سلطته، قد بدأت في تأثيث حضور نجله الأكبر " أحمد علي " وتسويقه إعلاميًا وشعبيًا وصولًا لتعينيه قائدًا يقف على رأس أكبر مؤسسة عسكرية في البلد. من المشروع أن يستنتج الجميع أن ما حدث لم تكن خطوة طبيعية تمامًا، وأن الرئيس صالح لم يأتي بنجله أحمد لقيادة الحرس الجمهوري، كمهمة وطنية متجردة ولا تحتمل أي دلالات سياسية موازية.

ظلّ أحمد علي يترأس قيادة " الحرس الجمهوري " حتى بعد أن سلّم والده السلطة لنائبة، في فبراير من العام 2012. كخطوة أساسية لترتيب نقل السلطة وفقًا لما نصّت عليه " المبادرة الخليجية " باعتبارها الراعي الأساسي لحل المشكلة اليمنية واحتواء ثورة فبراير. لم تمر سوى فترة قصيرة من تسلُّم الرئيس عبده ربه منصور هادي للسلطة. إلا وكانت إحدى خطواته الكبرى، هو إصدار قرارات مركزية تضمّنت إقالات واسعة في قيادات الجيش وعلى رأس تلك القرارات: إقالة نجل الرئيس الراحل صالح. " أحمد علي" من قيادة الحرس الجمهوري وتعيينه في منصب سفير فوق العادة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

ثانيًا: طارق عفاش في الواجة. قراءة في شخصية الرجل وموقعه:

في معركة 2 ديسمبر 2017 بين جماعة أنصار الله( الحوثيون) وشريكهم حينها الرئيس السابق علي عبدالله صالح. كان طارق محمد عبدالله صالح. هو الرجل البارز من بين أسرة صالح والذي بدأ كما لو أنّه يتزعم المعركة عسكريًا للدفاع عن عمه. قُتل صالح في ظرف يومين، ونجا قائد معركته وتلك حادثة، رأى فيها الكثير مفارقة غريبة. إذ كيف يُقتل الشخص المُدَافع عنه وينجو المُدافع. ما دفع الكثيرون للنظر لطارق كما لو كان مصدر خذلان للرئيس. وبصرف النظر عن ملابسات ما حدث فتلك أمور متروكة للتاريخ.

ما إن مرت فترة قصيرة على خروجه من صنعاء، بدأ طارق عفاش بتشكيل وجوده العسكري في الساحل الغربي بالمخأ. وظل يمثِّل نقطة استقطاب لأنصار الرئيس الراحل، سياسيًا وعسكريًا. بدأ الرجل بتكوين تشكيلته العسكرية، دونما أي أرضية واضحة يقف عليها ولا مرجعية قانونية يستند لها. مثّل نشاطه بتلك الطريقة المنقطعة عن أي روابط بالسلطة الشرعية حينها، استفهام كبير عن الدور الموكل للرجل وعن الغاية من نشاطه.

وبصرف النظر عن ما يعلنه الرجل من آراء وتوجهات بخصوص مناهضته للحوثي، واعتبار هذا الهدف هو الغاية الأساسية من تشكيله العسكري، إلا أنها تظل أفكارا نظرية وليس ثمة ما يؤكدها ولا ما ينفي وجود وظيفة موازية لما يُعلنه. وبالمجمل، يظل السؤال حول حقيقة الكتلة العسكرية التي تشكلت تحت قيادته، مشروعًا لكل الباحثين.

يُريد طارق عفاش تصدير نفسه كما لو كان الحامل الأصلي والوريث الأول لأسرة صالح عسكريًا وسياسيًا. غير أنّه لم يتمكن عمليًا من إظهار هذه الجدارة وظل وجوده العسكري والسياسي مقتصرًا على مجموعة من أنصار الرئيس السابق دون أن ينجح في استقطاب الطيف الأبرز من عائلة عمه لا على المستوى السياسي ولا العسكري. ما يعني سقوط الصفة التي يراد تسويقها بأنّه المؤهل لوراثة مجد الأسرة المفككة.

بالمجمل، هناك مبرر كاف للقول: إن الأهداف النهائية للكتلة العسكرية التابعة لطارق عفاش، ليست هي ذاتها ما يعلنه الرجل من مواقف. أحد هذه المؤشرات على وجود غموض فيما يخص أهداف وغايات النشاط العسكري والسياسي الذي يتزعمه الرجل، هو السبب الكامن وراء اختياره لمنطقة الساحل الغربي كمنطلق لنشاطه. هذا المؤشر الجغرافي، يجعل من كل تشكيك بالدور الوظيفي للرجل، مبررًا. ذلك أن الأنظار تتجه نحو وجود أطماع خفية لحجز موقع في تلك المنطقة الحساسة، باعتبار المخا والساحل الغربي نقطة انطلاق لنفوذ بحري يقف خلفه طموح إقليمي وليس دور وطني كما يدعي الرجل.

من حق المراقب أن يطرح سؤالًا جذريًا ليستوضح الأمر أكثر. السؤال: هل منطقة المخا والساحل الغربي، هي المنطقة الجغرافية التي كانت تتطلبها معركة استعادة الجمهورية..؟ وللدقة هل اللحظة التي بدأت فيها قوات ما يُسمى" حرّاس الجمهورية" بالتشكل، كانت الخارطة العسكرية والسياسية تتطلب اتخاذ تلك الجغرافيا كمنطقة للمساهمة في المعركة الجمهورية..؟  بالطبع لا.

وما يؤكد صدقية هذه الخلاصة، هو أن تلك القوات منذ نشأتها لم تخض أي معركة حقيقية تثبت بها المزاعم النظرية وما تقول إنه الغاية من نشؤها. وعليه ننتهي لهذا الاستنتاج: نحن أمام كتلة عسكرية، تُعدّ بمثابة ذراع لدولة خارجية معروفة. هدفها من تكوين تلك القوة، هو أن يكون لها فصيل مسلح يضمن نفوذها في الخارطة السياسية والعسكرية لليمن شمالًا، تمامًا على غرار الفصيل الجنوبي الذي يمثل القطب الأخر لنفوذ خارجي، يهدف للتحكم بمصير اليمن جنوبًا وشمالًا. وإعاقة أي محاولة لنشوء دولة يمنية موحدة ومستقلة القرار. إذًا، لهذا السبب، فالدور الوظيفي الذي يلعبه طارق عفاش، هو على الضد مما يعلن. لقد أصبح الرجل بمثابة خنجر ممتد على طول الساحل الغربي، عامل مضاد للسيادة، وضابط حصار أكثر مما هو فاتح جمهوري كما يسوّق نفسه.

 

ثالثًا: عمار محمد صالح..رجل المخابرات العامل في الظلّ:

عمار صالح: هذا الإسم يعرفه اليمنيون باعتباره، "صندوق أسود " لفترة حكم أسرة صالح. لقد ارتبط اسمه بحوادث الاغتيالات السياسية والنشاطات السرية المضادة للخصوم السياسيين. إنه رجل التعذيب والسجون السرية خارج القانون. وتُثار ضده تهم كثيرة متعلقة بالاختفاء القسري لرموز كثيرة. وهو اليوم، يلعب دورًا مماثلًا محاولًا مواصلة نشاطه القديم باعتباره ضابط أمن قومي؛ لكنه مستعرضًا مهاراته على أبناء تهامة هذه المرة. حيث المجتمع ينتظر قوة تُحرره من سلطة الجوع والضياع وليس جهاز أمن قومي لمراقبة حياة بشر مسحوقة حدّ الموت.

 

رابعًا: يحي محمد صالح.. نموذج ساخر لأبناء العائلة الحاكمة:

لعل أحد رموز السخرية التي يتخذ منها الشعب دليلًا على هزلية الرغبات الأسرية بالسيطرة على مصائر الشعوب. هو هذا الرجل. يحي محمد عبدالله صالح، قائد الأمن المركزي إبان فترة صالح. لا يكاد يفهم الناس كيف كان رجل كهذا يتربع على رأس جهاز أمني حساس. فمآلات الرجل ومصيره الهزلي، أصبح شهادة على فشل مشروع التوريث وهو شهادة ثانية على أن هذه الأسرة السياسية غير جديرة بالحفاظ على دورها كمركز سياسي حاملًا لإرث نظام تفكك وصار بحكم الماضي.

ولا حاجة للإسهاب بشرح مآلات الرجل، فهي أمور تتعلق بحياته الخاصة. غير أن ترميزه في الذهن الشعبي، كعنوان لمسخرة الأسرة وابتذال شخصية الرجل. هو أمر ذو دلالة، فمن غير المعقول أن يكون هذا الرجل ذو النشاطات النسائية الساخرة اليوم، هو نفسه بالأمس المتربع على رأس جهاز أمني وأحد أهم مفاصل السلطة الأسرية المنحلة.

 

خامسًا: الصندوق المالي لأسرة صالح:

لعلّ ما يثبت قصور الرؤية لدى هذه الأسرة السياسية، هو أنّها حرصت إبان تقلُدها لشؤون السلطة في اليمن. على إسناد، كثير من المناصب المهمة للأبناء وأبناء العمومة وحتى الأحفاد. سواء كانوا مؤهلين للمهمة أم لا. كانت تعتقد أن إجراء كهذا، يضمن إمساكها بمفاصل الحكم ويجعلها في مأمن من أي تقلبات للزمن وشؤون الحكم. فيما كان الأصل أن يسندوا كثير من المناصب لشخوص من خارج العائلة؛ كي ينجحوا من تأسيس شبكة سياسية تستعصي على التفكيك بسهولة، نظرا لوجود شبكة حكم متنوعة وتمتاز بامتدادات خارج حدود العلاقات الأسرية. ومثال بسيط ومحدود هو هذا الابن الأصغر لصالح.

العقيد “خالد علي عبدالله صالح” الذي كانت قد  أوصت لجنة العقوبات الخاصة باليمن، إضافته إلى قائمة العقوبات في يوليو, 2017م. وقال التقرير حينها إنه واصل إجراء تحقيقاتـه في الشبكات المالية المكونة مـن أفراد محددين، ووجد أن خالد علي عبدالله صالح يضطلع بـدور مهـم في إدارة الأصول المالية بالنيابـة عـن شخصـين أدرجا في قائمة العقوبات، وهما والده وشقيقه أحمد وتبين للفريق إجراء تحويلات مشبوهة لمبالغ مالية ضخمة خلال الفتـرة 2014-2016 ضـالعة فيهـا سـت شـركات وخمسـة مصـارف في خمسـة بلـدان، وهـي تحـويلات تنـدرج حتمـا خـارج الممارسات العادية لإدارة الأمـوال الـتي يقـوم بها الأشـخاص الـذين يمتلكـون ثـروات طائلـة.

ما هو مهم هنا، فيما يتعلق بشخصية "خالد" هو كيف أن الرجل كان سهل الانكشاف. الأمر الذي مكّن جهات دولية وحتى داخلية من تعقّب نشاطه والحد من قدرته على الاستمرار بإدارة الجانب المالي للأسرة. وهو ما يؤكد عدم امتلاك الأسرة، لسياسة تدبيرية ذكية، تجعل من نشاطاتها في مأمن من أي اختراقات تحد من قدرتهم على الصمود ولملمة مستقبلهم الغامض.

يقيم خالد علي عبدالله صالح في العاصمة العمانية مسقط مع بقية اخوانه وأصهاره وبقي منكفى على ذاته ليس له حضور سياسي سوى حضور هامشي لبعض الفعاليات المتعلقة بحزب المؤتمر الشعبي العام. وقد تحصل مركز هنا عدن للدراسات الإستراتيجية على تأكيدات  أن العميد طارق صالح عرض على العقيد خالد علي عبدالله منصباً عسكرياً في الساحل الغربي ولكنه رفض دون معرفة تبريرات الرفض وأسبابها.

 

الخلاصة:

يبدو المستقبل السياسي لأسرة صالح، غامضًا ويصعب التكهن بإمكانية استعادة دور مركزي لهذه الأسرة وعليه فالاحتمالات الممكنة ستكون كما يلي:

1/ بقاء تكتلات سياسية مشتتة تفتقد لرؤية وطنية موحدة وبغياب أي كاريزما تحظى بإجماع شعبي وتأييد حزبي مؤسسي، فالنتيجة تلاشي أي محاولات للحفاظ على إرث الحزب الحاكم سابقًا" المؤتمر الشعبي العام".

2/ تورط الرموز السياسية والعسكرية التابعة لبقايا الحزب في أداء أدوار وظيفية مشبوهة وتضر بالصالح العام. من ظمنها، تحالفاتهم العابرة للحدود الوطنية لصالح جهات لها أطماع توسعية ولديها مواقف عدائية تجاه الدولة اليمنية الموحدة.

3/ عجز الأطراف الحزبية المتجاذبة داخل فضاء المؤتمر الشعبي العام، عن توحيد رؤى التنظيم وهو ما يؤشر لتلاشي تدريجي لقوة الحزب وذوبان شعبيته ما بين أطراف متعددة شمالًا وجنوبًا.