الرئيسية - تقارير - العدالة المفقودة..غدير الشرعبي "اشتي ادفن ابي"..صراخ في وجه صمت السلطة المريب

العدالة المفقودة..غدير الشرعبي "اشتي ادفن ابي"..صراخ في وجه صمت السلطة المريب

الساعة 02:24 صباحاً (هنا عدن/ خاص )

العدالة المفقودة: صراخ في وجه صمت السلطة

منذ خمسة أيام، والصحفية غدير الشرعبي  تُنادِي في الفضاء الخالي من الصدى، تطالب الحكومة بالقبض على القاتل الذي غادر بعد أن ترك وراءه جرحًا عميقًا في القلب، جرحًا لا يلتئم إلا بالعدالة. لكنها لا تجد من يجيبها، وكأن نداءها قد ضاع في بحر من الصمت. العدالة، التي من المفترض أن تكون فطرة الحكومة وأساس وجودها، أضحت مسألة مشروطة، تدار وفق حسابات زمنية لا علاقة لها بحياة البشر. وكأن الدولة أصبحت غارقة في سباتٍ عميق، لا توقظها سوى صرخات المواطنين، لا تنبض إلا بحركة من تحت وطأة الاحتجاجات.



إلى متى يستمر هذا؟ هل أصبح من الواجب علينا أن نخرج إلى الشوارع في كل مرة يحدث فيها ظلم؟ هل صار الصراخ هو اللغة الوحيدة التي تفهمها الدولة؟ لماذا تظل القضايا العادلة تُصنع من خلال حلقات من الصراع، الاحتجاجات، والتجمعات، وكأن العدالة ليست حقًا وإنما ترفًا يُمنح بعد المعاناة؟ لماذا لا تتعامل الحكومة مع القضايا بمسؤولية تلقائية، وتُظهر الحزم في تحقيق العدالة؟ لماذا نحتاج إلى المناشدة، ونحن من المفترض أن نعيش في دولة تحترم حقوق الإنسان وتحمي الأرواح؟

السلطة التي نصبت نفسها حامية للحقوق أضحت غارقة في سبات عميق، لا تفيق إلا عندما تضج أصواتنا. هل كانت العدالة يومًا مجرد ظلال نلاحقها؟ هل أصبحت السلطة تتعامل مع الحياة والموت كألعاب على رقعة شطرنج، تُحسب بعناية شديدة، لا تُنزع إلا بعد ضغطٍ طويل، وكأن المواطن ليس أكثر من قطعة على الطاولة تُحرك بيد السلطة فقط عند الحاجة؟ هل حان الوقت لتسأل الدولة نفسها: ما هي مسؤولياتها الأساسية؟ هل أصبحت العدالة مجرّد ترف يُسَوَّق للمواطنين على أنه شيء مُنَحَ بعد أن يثبتوا أهليتهم لها بالصراخ المستمر؟

وفي هذا المشهد الحالك، يبدأ السؤال الجوهري في التبلور: ما معنى وجود الدولة إذا كانت لا تتحرك إلا تحت ضغط الشارع؟ إذا كانت لا تشعر بالمسؤولية إلا حينما يعلو الصراخ، فهل تستحق السلطة حتى اسم "دولة"؟ كيف يمكن أن نثق بنظام لا يرى في العدالة واجبًا بديهيا، بل شيئًا مؤجلًا حتى نصل إلى حد الانفجار؟ هل أصبح المواطن مجرد أداة للإعلام، يُستخدم عند الحاجة فقط ليكمل اللعبة السياسية؟

لن تكون العدالة هبة تُمنح عند الرغبة، ولن تكون قضية حياة أو موت مجرد مسألة إدارة ضغوطات. العدالة ليست شيء يُستحق عبر المعارك المتواصلة في الشوارع، ولا يمكن أن تتحول إلى سلعة تُقاس بمقدار الفوضى في الشارع. لقد أضحت السلطة تخلط بين الحق والمساومة، بين الواجب والامتياز. في هذا العطب الاجتماعي، تُصبح السلطة خصمًا للمواطن بدلًا من أن تكون المدافع الأول عن حقوقه. فما الذي يبقى من النظام إذا كانت العدالة تتأخر كلما كانت الحياة أكثر حاجة إليها؟

وفي هذا الواقع الأليم، نفقد شيئًا عميقًا: الإيمان بقدرة الدولة على الحفاظ على إنسانية الإنسان. هل يعقل أن تصبح حياتنا رهينة لتقلبات السياسة والسلطة؟ هل يمكننا حقًا العيش في مجتمع تُنزع فيه العدالة كما تُسحب هدية؟ إذا كان واجب السلطة هو صيانة العدالة، فلماذا تُعامل تلك العدالة كأنها سلعة تُمنح عن طريق صفقة سياسية؟ أليس من المفترض أن تكون العدالة واجبًا أصيلًا يُفرض دون الحاجة إلى صرخات، دون حاجة إلى الانتظار طويلًا، ودون أن نحتاج إلى الخروج للشوارع لنُذكرها بوجودها؟

هذه ليست دولة، بل هي مجرد كيان هلامي، يُدار بمفهوم "الربح والخسارة"، حيث تظل الأرواح والعملات السياسية هي الثمن. فهل يمكن للسلطة أن تتنبه في يومٍ ما؟ وهل يمكن للمواطن أن يعيش بكرامة، بدون أن يتحول إلى محاربٍ دائم يطالب بما هو حقه الطبيعي؟ العدالة ليست جائزة تُعطى للمتشددين في المطالبة، بل هي حق، حقٌ لا يتوقف عند المساومات السياسية، حق لا يحتاج إلى صرخات مدوية ليتحقق.

صهيب المياحي

 

#اشتي_ادفن_ابي
#القصاص_للعم_سيف