هنا عدن | متابعات
بعد منع قوات الاحتلال سفرها إلى مصر لاستقبال زوجها المبعد، عادت إيمان نافع من معبر الكرامة على الحدود مع الجانب الأردني، وهي تحمل معها 3 حبات الكلمنتينا (اليوسفي) كانت تتحضر لتقديمها لزوجها الأسير المحرر نائل البرغوثي، والذي أفرج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل اليوم الخميس، بعد أن قضى ما مجموعه 45 عاما في السجن.
" اقدم اسير في العالم"
بين صفقتين: وفاء الأحرار واتفاق الدوحة، وحركتين: فتح وحماس، ولقبين: "أبو لهب" و"أبو النور"، كانت حياة الأسير نائل البرغوثي، الذي قضى أطول مدة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية، ويعتبر أقدم السجناء في العالم وعميد الأسرى الفلسطينيين بامتياز.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي دخل عامه الـ45 معتقلًا داخل السجون الإسرائيلية، ما يُعتبر أطول مدة يقضيها معتقل في سجون الاحتلال والعالم أيضًا.
في صورتين له، تعود إحداهما إلى نهاية سبعينيات القرن الماضي، والثانية إلى سنوات قليلة ماضية، يتبدّى الفرق بين ذلك الشاب الذي بدأ كفاحه منذ صباه ضد الاحتلال الإسرائيلي على ما كان يفعل كثير من مجايليه، وذلك الشاب- الكهل الذي صاره، بشعر أبيض وتجاعيد تملأ الوجه واليدين، لكن التماعة العينين ظلت على حالها في الصورتين، وكذا الرغبة في تحرير البلاد.
نائل البرغوثي والحرية الناقصة
قضى نائل البرغوثي ثلثي عمره في سجون الاحتلال، والثلاثاء الماضي قالت زوجته إيمان إنه اتصل بها وأبلغها أنه تقرّر الإفراج عنه وإبعاده إلى خارج فلسطين، وإنه ظل حتى الاثنين الماضي 17 فبراير/شباط الجاري رافضًا الإبعاد قبل أن يوافق أخيرًا، لكن دون أن يعلم وجهته النهائية.
"نائل البرغوثي بين زمنين حيث قضى القليل من عمره خارج المعتقلات"
فمن هو نائل البرغوثي؟
بدأ البرغوثي نضاله ضد إسرائيل مبكرا وهو على مقاعد الدراسة-وسائل تواصل
بدأ البرغوثي نضاله ضد إسرائيل مبكرا وهو على مقاعد الدراسة الثانوية-وسائل تواصل
ولد البرغوثي عام 1957 في بلدة كوبر بمحافظة رام الله والبيرة، لعائلة من المناضلين ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومن قبله الانتداب البريطاني على فلسطين منذ عشرينيات القرن الماضي حتى عام 1948، فقد كان والده من ضمن معتقلي ثورة الفلسطينيين الكبرى ضد الانتداب عام 1936، كما أن شقيق والدته كان من شهدائها.
وبالإضافة إلى عائلته الصغيرة فإن عائلته الأكبر "البرغوثي" لعبت دورًا كبيرًا في تاريخ الفلسطينيين المعاصر، ثقافيًا ونضاليًا، ومن أبرز رموزها السياسيين مروان البرغوثي القيادي في حركة فتح، وعبد الله البرغوثي الذي يقضي حكمًا يعتبر من أعظم الأحكام في التاريخ بالسجن المؤبد 67 مرة، إضافة إلى الشاعر المعروف مريد البرغوثي، وسواهم عشرات.
الخلية النضالية الأولى
تقع بلدة كوبر الصغيرة والوادعة ضمن محافظة رام الله والبيرة في الضفة الغربية، ولم يكن سكانها يتجاوزون الألف وبضع مئات قليلة من السكان عندما احتلتها إسرائيل مثل بقية بلدات ومدن الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
وتروي الأسيرة المحرّرة حنان البرغوثي، وهي شقيقة نائل، أن الأخير كان في العاشرة من عمره عندما انطلق نداء في البلدة يحذّر من دخول القوات الإسرائيلية إلى بلدتهم في ذلك العام، ويدعو السكان إلى رفع الرايات البيضاء لتجنبيها تدميرًا محتملًا، فما كان من نائل وشقيقه الأكبر عمر وابن عمه فخري، إلا أن صعدوا إلى سطح بيت العائلة آنذاك، وقاموا بجمع الحجارة لمقاومة جنود الاحتلال في حال دخلوا بلدتهم، وهم يكبّرون ويهتفون ضد الاحتلال.
حرمان الاهالي من استقبال ذويهم الاسرى
وبعد صدور أمر المنع الإسرائيلي لإيمان وعدد آخر من أمهات وأقارب أسرى تقرر تحررهم يوم الخميس الماضي، حيث كان من المقرر تحرر البرغوثي السبت ٢٢ فبراير/شباط ، قبل أن تقرر إسرائيل تأجيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين حتى مساء أمس الأربعاء، التقطت إيمان صورة للثمار التي حملتها لزوجها من حديقة المنزل، وفكرت في إيجاد طريقة لإيصال الصورة له، بعد أن خبأتها معها في رحلة السفر التي لم تكتمل.
تقول إيمان عن زوجها "نائل متعلق بالأرض بشكل كبير، يحب الزراعة وتقليم الأشجار والاهتمام بشجرة الزيتون التي يعتبرها امتدادا طبيعيا لوجودنا في أراضينا، لقد أمضى أيامه السابقة خارج السجن في فلاحة الأرض والاعتناء بها، لذا هو يحب ثمار هذه الأرض ويحب قطفها وأكلها، وقد فكرت بأنه سيشعر بالسعادة حين يأكل من ثمر الشجر في أرضه.
عقاب نفسي
وقبل مغادرتها معبر الكرامة الذي انتظرت فيه قرابة 10 ساعات، التقت إيمان رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين قدورة فارس، والذي أعفي من منصبه بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أواخر الأسبوع الماضي، حيث كان يستعد للسفر لمصر لاستقبال أحد أقاربه الأسرى المقرر الإفراج عنهم اليوم السبت.
تقدمت إيمان نحوه وطلبت منه أن يحمل سلامها وتحياتها لنائل، وأن يخبره بمحاولاتها الوصول لمصر لرؤيته، ثم أعطته لوحا من الشوكولاتة وطلبت منه أن يقدمه له نيابةً عنها، وتقول "حبيت يوصله شيء مني، ليحس أني معه، حتى لو لم أستطع أن أكون هناك".
عادت إيمان لتتابع بقلق كبير وعلى الهواء مباشرة لحظات خروج زوجها من السجن وانتقاله للمرة الأخيرة عبر الحافلة إلى الجانب المصري، وتعلق على هذه اللحظات بقولها إنها كان يجب أن تكون هناك لترحب به وتراه وتعانقه، بعد 11 عاما من الفراق بينهما، وإعادة اعتقاله عام 2014.
وكانت إيمان قد أكدت في لقاءات صحفية سابقة، أن البرغوثي يرفض بشكل قاطع إبعاده إلى خارج فلسطين، لكنها تلقت اتصالاً منه يوم الثلاثاء، أبلغها فيه بالإفراج عنه وإبعاده، لكنها لم تعرف بعد إلى أي بلد، وتضيف "نائل وباقي الأسرى الذين حملوا نفس موقفه من الإبعاد حاولوا الحفاظ على الموقف العام، حتى تستمر الصفقة دون إعطاء الاحتلال مبررات لتعطيلها".
تقول الزوجة إن الاحتلال منعها من السفر عبر معبر الكرامة في مدينة أريحا مرتين متتاليتين، وتضيف "قالوا لي عليك مراجعة مركز بيت إيل قرب رام الله، هذه الحجة تُقال لكل أهالي الأسرى الممنوعين من السفر، وهو أسلوب ضغط نفسي تمارسه سلطات الاحتلال علينا وعلى الأسرى حتى آخر لحظة".
حاولت إيمان التواصل مع محامي يهتم بقضايا الأسرى الفلسطينيين لإلغاء منع السفر، وتحدثت مع أمين عام حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، الذي وعدها بإيصال قضيتها وباقي أهالي الأسرى الممنوعين من السفر لرؤية ذويهم المحررين لعدد من السياسيين والقناصل والدبلوماسيين الدوليين.
المصدر | وكالات عربية