هنا عدن | خاص
كتب | إبراهيم المدهون
محلل سياسي فلسطيني
تدخل المرحلة الثانية من المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي منعطفًا حاسمًا، مدفوعة بمتغيرات إقليمية وضغوط دولية متزايدة، بعد أن كان من المفترض انطلاقها في اليوم السادس عشر من المرحلة الأولى. إلا أن العقبات الداخلية الإسرائيلية، والانقسامات الحادة بين مكونات الحكومة اليمينية، أدت إلى تأجيلها مرارًا، في ظل غياب موقف إسرائيلي موحد.
ومع ذلك، فإن التطورات السياسية، لا سيما الحوار المباشر بين الولايات المتحدة وحركة حماس، شكّلت عنصر ضغط إضافي على الاحتلال، مما دفعه إلى إعادة النظر في موقفه والموافقة على العودة إلى طاولة التفاوض، تحت وطأة الضغط الأمريكي والرفض الإقليمي لتوسيع العدوان.
سيناريوهات التفاوض: ثلاثة مسارات محتملة
يمكن حصر مآلات المفاوضات الجارية في الدوحة، والتي يشارك فيها مبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
1. فشل المفاوضات
يظل هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا، نظرًا إلى التعنت الإسرائيلي وغياب أي استعداد فعلي لتقديم تنازلات حقيقية. فالتركيبة الداخلية المعقدة للحكومة الإسرائيلية، والانقسامات بين صقور اليمين، والتحديات التي يواجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تجعله غير قادر على اتخاذ قرارات جريئة دون ضغوط خارجية مباشرة.
إسرائيل كانت تفضل شن عدوان عسكري جديد على قطاع غزة، لكنها اصطدمت برفض أمريكي وإقليمي لهذا الخيار، ما دفعها إلى القبول بالمفاوضات كمرحلة اضطرارية، دون أن يعني ذلك وجود نوايا حقيقية لإنجاز اتفاق مستدام.
2. اتفاق جزئي محدود
قد تُسفر المفاوضات عن اتفاق مرحلي يشمل صفقة تبادل جزئية، يتم بموجبها الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى الإسرائيليين. كما قد يتضمن هذا السيناريو انسحابات جزئية من القطاع، وفتح المعابر، وتحسين الظروف الإنسانية عبر تعزيز دخول الإمدادات الأساسية، إضافة إلى تنفيذ مشاريع حيوية تشمل الكهرباء والمياه وإعادة تأهيل البنية التحتية، وذلك تحت إشراف دولي.
3. اتفاق شامل ونهائي
يتطلب هذا السيناريو وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وانسحابًا إسرائيليًا كاملًا من قطاع غزة، ورفع الحصار بشكل نهائي، إضافة إلى ترتيبات سياسية تؤدي إلى إدارة فلسطينية توافقية. كما يشمل صفقة تبادل شاملة، يتم بموجبها الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة.
ورغم أن الاتفاق الجزئي والشامل يبدوان خيارين ممكنين، إلا أن احتمالية فشل المفاوضات تظل قائمة بسبب تصلب الموقف الإسرائيلي. ويبقى الموقف الأمريكي عنصرًا حاسمًا في تحديد اتجاه المسار التفاوضي، سواء نحو تحقيق تقدم جزئي، أو إبقاء المفاوضات في حالة جمود دون الوصول إلى انفراجة حقيقية.
موقف حماس من لجنة الإسناد المجتمعي: بين الثوابت والمرونة
منذ أن طرحت القاهرة مبادرة لجنة الإسناد المجتمعي، أبدت حركة حماس انفتاحًا عليها، وفوّضت القاهرة بعرضها خلال القمة العربية، بل وأكدت موقفها رسميًا من خلال رسالة إلى القادة العرب.
ومع ذلك، ظل موقف حماس مشروطًا بضرورة الحفاظ على حقوق الجهاز الإداري الذي يدير مؤسسات قطاع غزة، والذي يشمل المعلمين والأطباء والعاملين في قطاعات الخدمات والأمن. فهؤلاء الأفراد يشكلون العمود الفقري للحياة اليومية، ولا يمكن تجاوز حقوقهم أو إقصاؤهم من المعادلة السياسية المستقبلية.
الموقف الأمريكي: تحوّل استراتيجي أم مناورة دبلوماسية؟
لطالما اشترطت الولايات المتحدة انخراطها في أي حوار مع حماس بضرورة اعتراف الأخيرة بإسرائيل، وهو شرط ظل ثابتًا في السياسة الأمريكية لعقود. غير أن الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر، وما أظهرته حماس من قدرة على الصمود والمناورة السياسية، دفعت واشنطن إلى إعادة تقييم استراتيجيتها تجاه المشهد الفلسطيني.
انخراط الولايات المتحدة في حوار مباشر مع حماس، ولو كان في إطار ملفات إنسانية محددة مثل الأسرى، يُشكّل تحوّلًا مهمًا في التعاطي الأمريكي مع الحركة. ورغم أن هذا المسار يبدو منفصلًا عن جهود الوساطة التي تقودها قطر ومصر، إلا أنه يساهم في خلق بيئة تفاوضية جديدة قد تؤثر على مخرجات التفاوض الأساسي بشأن وقف إطلاق النار والمستقبل السياسي لقطاع غزة.
انعكاسات الحوار الأمريكي-الحمساوي
يكشف المسار الموازي الذي اتخذته الولايات المتحدة عبر التفاوض بشأن الأسرى الإسرائيليين من حملة الجنسية الأمريكية عن إدراك واشنطن أن تجاوز حماس كفاعل أساسي في المشهد الفلسطيني لم يعد ممكنًا. ورغم أن هذا الإدراك لا يعني بالضرورة تحولًا استراتيجيًا في الموقف الأمريكي، إلا أنه يفتح الباب أمام مقاربات جديدة للتعامل مع الواقع القائم.