الرئيسية - تقارير - واشنطن بين الاعتراف بالعجز والاستمرار في المغامرة الفاشلة في البحر الأحمر

واشنطن بين الاعتراف بالعجز والاستمرار في المغامرة الفاشلة في البحر الأحمر

الساعة 08:35 صباحاً (هنا عدن : متابعات )

لم يكن التقرير الذي نشرته صحيفة “التلغراف” البريطانية والذي أعده الضابط في البحرية البريطانية توم شارب،حول المواجهة الأمريكية-اليمنية في البحر الأحمر مجرد تحليل عابر، بل كان بمثابة اعتراف ضمني بفشل استراتيجية واشنطن في احتواء القوة العسكرية اليمنية، وإقرار بالعجز المتزايد الذي تعاني منه البحرية الأمريكية أمام عمليات صنعاء.

التقرير الذي رصده وترجمه “المساء برس”، يكشف بوضوح أن الولايات المتحدة، رغم كل ما تمتلكه من إمكانيات عسكرية ضخمة، لم تستطع منع استمرار الهجمات اليمنية، ولم تنجح في تأمين حركة السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية خلال العام 2024، مما أجبر أكثر من 90% من الشحنات عالية القيمة على تجنب البحر الأحمر تمامًا، واللجوء إلى طرق بديلة عبر رأس الرجاء الصالح، مع ما يترتب على ذلك من تكاليف اقتصادية هائلة.



فشل أمريكي متكرر رغم التصعيد العسكري

عادت إدارة ترامب إلى التصعيد في اليمن، رغم أن كل المحاولات العسكرية السابقة في عهد بايدن وقبلها في ولاية ترامب الأولى وقبله أوباما في إطار التحالف العسكري السعودي الإماراتي ضد اليمن لم تؤدِّ إلى أي نتيجة تُذكر، فالتقرير يعترف بأن الحملات الأمريكية السابقة، والتي شملت هجمات جوية وضربات صاروخية منذ عام 2015، لم تفلح في إضعاف القدرات اليمنية، بل على العكس، أصبحت صنعاء أكثر قوة وأشد قدرة على فرض قواعد اشتباك جديدة في المنطقة.

المثير في التقرير الذي أعده الضابط بالبحرية البريطانية (شارب) هو إبرازه للتناقض الصارخ في تصريحات المسؤولين الأمريكيين، فبينما يدّعي البيت الأبيض أن العمليات العسكرية تهدف إلى “حماية الملاحة الدولية”، تؤكد التلغراف أن المصالح الأمريكية ليست مهددة بشكل مباشر، حيث لم تعبر أي سفينة أمريكية البحر الأحمر منذ يناير 2024. هذا يعني أن الحملة الأمريكية ليست سوى استعراض للقوة في غير موضعه، بينما تظل الخسائر الاقتصادية الناتجة عنها تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي.

استراتيجية يمنية ترهق واشنطن وتكشف نقاط ضعفها

وسلط التقرير البريطاني الضوء على التكتيكات العسكرية اليمنية التي جعلت من عمليات واشنطن في البحر الأحمر مجرد ردود فعل عشوائية لا تحقق أي نتائج ملموسة. فمن جهة، تعتمد القوات اليمنية على شبكة واسعة من القواعد الصاروخية والطائرات المسيّرة المنتشرة في أماكن يصعب تحديدها، ومن جهة أخرى، تتحرك منصات الإطلاق بشكل سريع وذكي، مما يُعقّد عمليات الرصد والاستهداف الأمريكية.

وما يزيد من تعقيد الموقف الأمريكي، هو أن تكلفة اعتراض الصواريخ والطائرات اليمنية تفوق بأضعاف تكلفة تصنيعها وإطلاقها، حيث تنفق البحرية الأمريكية ملايين الدولارات يوميًا على صواريخ دفاعية تُستخدم ضد طائرات مسيّرة لا تتجاوز تكلفتها ألفي دولار، وهو ما يخلق معادلة استنزاف مرهقة للولايات المتحدة وحلفائها.

إدارة ترامب أمام مأزق عسكري وسياسي

ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات أكثر خطورة، مثل الدفع بقوات برية إلى اليمن، وهو ما يعتبره كثير من الخبراء العسكريين من بينهم ضابط البحرية البريطانية، كاتب التقرير، خطوة محفوفة بالمخاطر، فالمعارك في التضاريس الوعرة لليمن أثبتت على مدى العقود الماضية أنها بمثابة مستنقع لا يمكن لأي قوة عسكرية غربية أن تخرج منه دون خسائر كارثية.

وفي ظل العجز العسكري الأمريكي، باتت واشنطن تُروّج لفكرة أن التصعيد في اليمن هو جزء من “استراتيجية أوسع لمواجهة إيران”، وفقًا للتقرير. لكن هذه السردية تتجاهل حقيقة أن صنعاء اتخذت قراراتها بشكل مستقل، استنادًا إلى موقفها السياسي الواضح في دعم غزة، وهو ما تأكد خلال فترة الهدنة التي التزمت بها صنعاء بالكامل بين يناير ومارس 2025، قبل أن تعود لاستئناف قرار حظرها الملاحة الإسرائيلية على خلفية إعلان الاحتلال الإسرائيلي إعادة فرض الحصار على غزة.

معادلة البحر الأحمر: اليمن يحدد قواعد اللعبة

وعلى الرغم من محاولات واشنطن فرض معادلتها العسكرية، فإن الواقع يشير إلى أن اليمن هو الذي يتحكم في مسار الأحداث، حيث أصبحت البحرية الأمريكية في موقف دفاعي دائم، واضطرت إلى تخصيص موارد هائلة لحماية سفنها الحربية، بدلاً من تنفيذ عمليات هجومية مؤثرة.

وخلص التقرير البريطاني إلى أن التصعيد الأمريكي في البحر الأحمر قد يكون مجرد خطوة يائسة، لن تؤدي إلى أي نتائج استراتيجية مهمة، خاصة في ظل قدرة القوات اليمنية على الاستمرار في توجيه ضربات موجعة، معتمدة على تكتيكات مرنة تجعل من المستحيل على واشنطن تحقيق “نصر سريع” كما تتمنى.

وفي النهاية، يبدو أن الولايات المتحدة دخلت في معركة استنزاف طويلة الأمد، فرضتها صنعاء بشروطها، بينما تظل السفن الإسرائيلية محاصرة، والملاحة الدولية تعاني، والأسئلة تتزايد داخل واشنطن حول جدوى هذه الحرب، التي لم تكن أمريكا تتوقع أنها ستطول بهذا الشكل، أو أن تكون كلفتها بهذا الحجم، وأن التصعيد الأمريكي سيقابل بقوة يمنية قادرة على الصمود فوق مستوى واعتقاد ترامب وأعضاء إدارته.