هنا عدن | مقالات
شيرين عرفة
كاتبة وصحفية مصرية|
حكت لي صديقة لي مصرية، تعيش هي وعائلتها في تركيا منذ 11 عاما ، يملكون جنسية هذا البلد، ويجيدون تماما التحدث بلغتها،حكت لي قصة، حدثت معها في انتخابات الرئاسة الماضية، أردت أن أرويها لكم لعلها تشرح قليلا عن خلفيات الأحداث التي تمر بها تركيا الآن.
تخبرني صديقتي:
بأن زوجها الذي يعمل في مؤسسة تركية، ودائرة أصدقائه جميعها من الأتراك تحدث إليه أحد زملاء العمل طالبا منه أن يذهب معه بسيارته لدائرة لانتخابات، كي يعطي صوته لحزب (الشعب الجمهوري) المعارض، بالرغم من أن صديقه التركي قد بدأ كلامه بالقول أعلم أنك عربي وانك تحب أردوغان، لكن هذه المرة، فالمعركة ساخنة، ونحتاج لأن يفوز حزب الشعب الجمهوري بأي شكل، أريد منك تصويتك للحزب المعارض، واطمئنك، بأنه لن تصيبك أية أضرار، فأنت حاصل على الجنسية التركية، ولن يضيرك بالطبع سياسات الحزب تجاه المهاجرين ، أجابه زوج صديقتي، بأن سبب عدم رغبته في إعطاء صوته للحزب الجمهوري، ليس سياساته تجاه المهاجرين، وإنما فشله في إدارة ولاية أسطنبول، ثم حاول أن يلفت نظره لأحوال الولاية الأكبر والأهم في تركيا (والتي يعيش بها خُمس الشعب التركي تقريبا) فقال: يا عزيزي، هل أنت راض عن أحوال مدينتنا؟.
أنا أعيش في تلك المدينة الرائعة منذ عام 2013، حين كانت يحكمها أعضاء حزب العدالة والتنمية، وشهدت بنفسي، كيف كانت أجمل وأروع مدن تركيا على الإطلاق، وواحدة من أجمل مدن أوروبا، مدينة نظيفة وبراقة، تحصل فيها على أعلى الخدمات وبأقل الأسعار ،حتى حكم "أكرم إمام أوغلو" الولاية في عام 2019، فانقلب كل شيء رأسا على عقب:
رأينا القمامة في الشوارع، والأمطار باتت تُغرق الطرقات، والثلج حينما يهطل يوقف كل أنشطة الحياة، والخدمات أصبحت سيئة، وبأسعار عالية، تزيد من عبء النفقات، بينما التغيير الوحيد الذي نراه:
هو الإعلانات التي تعُج بها المدينة، للترويج للسيد (أكرم إمام) إعلانات في الطرق والميادين، وفوق واجهة العمارات، وداخل المترو والحافلات، وعلى شاشات الفضائيات، لقد أهمل المدينة الجميلة وأنفق جُل ميزانيتها على إعلانات تمجد في ذاته!!.
حينها قاطعه الزميل التركي بغضب قائلا:
حتى وإن حَوَّل المدينة لقطعة من الجحيم، لن أتوقف عن إعطائه صوتي، الأمر لا علاقة له بكل ما تقول..
ثم ابتعد عنه قائلا:
سأذهب وحدي غدا للتصويت، لكن كن على يقين... بأنه سينجح حزب (الشعب الجمهوري) وسينتهي للأبد أردوغان، مهما كان رأيك أو تصويتك، هذا الموقف قصته عليّ صديقتي، حينما رأتني في حيرة شديدة واستغراب من نجاح الحزب العلماني في الانتخابات البلدية السابقة رغم فشلهم الذريع في إدارة كثير من الولايات التي حكموها.
علِمت أن كل شيء في السياسة داخل تركيا، يغلفه "التعصب" الأيدولوجي، ويحكمه المذهب السياسي للمواطنين الأتراك،، الشعب منقسم إلى نصفين، قسم يؤيد العلمانية تأييدا مطلقا، وقسم يؤيد الأسلاميين وتصويتهم في الانتخابات،يحكمه ذلك التمذهب العجيب، لذا، فعلى الرغم من كون الرئيس أردوغان، هو المُشيد الحقيقي لنهضة تركيا، والصانع لمعجزة تطورها ووصولها لمصاف الدول الكبرى، وهو المؤسس الثاني للدولة التركية، والتي ستؤلف عنه الكتب -حتما- بعد وفاته، تتغنى بعظمة ما حققه..
إلا أنه.. لن تجده أبدا يحقق نجاحا بأكثر من 55% من أصوات هذا الشعب، فهناك النصف الذي كان سيصوت له على كل حال، و5% فقط ممن استطاع أن يقنعهم بأنه يتركوا جانبا انتمائهم الأيدولوجي، وفي الأحداث الأخيرة، التي تشهدها تركيا، ستجد الأكثرية يعلمون مسبقا بفساد الحزب الجمهوري المعارض داخل أسطنبول ورأى بعينيه صورة هذا الفساد، لكن تعصب البعض للعلمانية وكراهيتهم لـلإسلاميين ،ستجعلهم يغضون الطرف عن تلك الحقيقة، ويعلنون دعمهم لـ "الحزب المعارض"، وينتقدون ما فعله أردوغان،لذلك أنا أتفهم، أن يغضب بعض الأتراك لحبس "أكرم إمام اوغلو" ومساعديه في قضايا فساد.
بل وأتفهم أيضا أن يخرج الإعلام المصري الداعر، متناسيا كوارث السيسي وطامات الانقلاب، ويحدثنا عن استبداد أردوغان، أو أن يواصل الإعلام الإماراتي المتصهين أكاذيبه، لمحاولة تزييف الواقع وتشويه أردوغان، أو أن تنتهز الفرصة دول منافسة لتركيا، مثل ألمانيا وبعض دول أوروبا، وربما أمريكا،في استغلال الحدث، لقلب الحقائق، وتأجيج الأوضاع، لخشيتها من العملاق التركي الناشيء، الذي يرتدي عباءة الإسلام، بينما كانت بلاده مركزا لآخر خلافة إسلامية حكمت مناطق شاسعة في هذا العالم وتركت بصمة وآثار..
لكن أن يكتب مواطن عربي لا يعيش في تركيا، ولم يزُرها من قبل، ولا يعرف عنها شيئا، ولم يقرأ كلمة عن تفاصيل القضايا التي حُبس بسببها أعضاء الحزب التركي المعارض، مُنتقدا ما يحدث، ويكيل التهم لأردوغان، ثم يشارك منشورات زائفة، بفيديوهات قديمة (لمظاهرات في الهند وصربيا) لكي يزعُم بأنها احتجاجات الشعب التركي ... فهذا ما لا أفهمه على الإطلاق ، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هؤلاء عقلاء؟!!!.
من ضمن قضايا الفساد المتورط فيها أعضاء الحزب الجمهوري في اسطنبول، هو ما كشفت عنه تقارير إعلامية، حيث أفادت:
عن تورط "إرتان يلديز" المقرب من رئيس بلدية إسطنبول "أكرم إمام أوغلو"، في قضية رشوة، حيث طلب 5 ملايين ليرة من مول Capacity AVM مقابل عدم اتخاذ إجراءات ضد المركز التجاري ، وبحسب الادعاءات، فإن رفضهم لدفع المبلغ أدى إلى فرض غرامة بقيمة 197 مليون ليرة على المركز التجاري.
وقد قدم أصحاب المركز التجاري شكاوى قانونية، مما دفع النيابة العامة في إسطنبول إلى مصادرة أصول "يلديز" وفتح تحقيق في القضية.
كما أفادت مصادر صحفية بأن رئيس بلدية "بيليك دوزو" المعتقل (وهي إحدى أحياء أسطنبول) قد يصبح شاهدا رئيسيا في التحقيقات الجارية حيث كشفت تقارير أنه طلب المساعدة قبل أشهر في أنقرة، معترفا بأنه ارتكب مخالفات بمشاركة رئيس بلدية إسطنبول "أكرم إمام أوغلو" وبتوجيه مباشر منه، ووفقا للمعلومات المتداولة،قامت جهات داخل بلدية إسطنبول الكبرى بتسليم وثائق مهمة للسلطات،
مما أدى إلى تنفيذ عملية استهدفت رئيس بلدية بشيكتاش (احد أحياء أسطنبول)، والذي يُقال أنه قرر التعاون مع الجهات المختصة وكشف عن ملفات حساسة تتعلق بـ "إمام أوغلو" وأدت للقبض عليه.
وتشير التقارير إلى أن رئيس بلدية "بشكيتاش" كتب اعترافات تفصيلية وصلت إلى 40 صفحة، تتضمن معلومات دقيقة عن المخالفات الداخلية في (حزب الشعب الجمهوري) أثناء إدارته لـ ولاية إسطنبول
والقضية الآن ينظرها القضاء.