يوم 21 فبراير في اليمن هو يوم استثنائي بامتياز، وهذه الاستثنائية تتجلى في معالم شتى يمكن تلخيصها في ارتباط هذا التاريخ بانتخاب رئيس الجمهورية التوافقي في العام 2012م وما تلاها من جدل وصل إلى درجة أنه وبمناسبة مرور سنة عليها وجه محافظ عدن قواته الأمنية بقتل وجرح العشرات من الذين اعتصموا رفضا للاحتفال بهذه المناسبة، باعتبار الجنوب لم يشارك في تلك الانتخابات، كما يقول أنصار الحراك السلمي وأهالي ضحايا 21 فبراير 2013م، ويمكننا بهذه المناسبة للعام 2014م الحديث عن المشاهد المتباينة التالية:
* في صنعا خرجت مسيرة جماهيرية شبابية كبيرة أعادت إلى الأذهان ذكريات العام 2011 عندما كان شارع الستين يكتظ بما يقارب المليون متظاهر في إطار تصعيد الثورة السلمية التي مثلت أبهى مظاهر الأصالة والعزيمة والنقاء لهذا الشعب المكافح الصبور التواق للحرية والكرامة، وفي هذه المسيرة يختلط الشعارات المطالبة بمواصلة الثورة والمؤكدة دعم الحكومة ورئيس الجمهورية والمطالبة بتنفيذ نتائج مؤتمر الحوار الوطني.
* في صنعاء ـ أيضاـ وفي ساحة التغيير تقوم فعالية ثورية تطالب بإسقاط الحكومة ومحاربة الفساد وتنطلق هذه الفعالية أو القائمين عليها من تنامي الفساد وعدم نجاح الحكومة في تحقيق مطالب الثورة، وعدم قدرتها على القيام بالمهمات الخدمية والأمنية والتنفيذية المناطة بها.
* مثلما في صنعا سارت الأمور في الحديدة وتعز وإب ومناطق أخرى من اليمن، تفاوتت في أطروحاتها وشعاراتها ومطالبها عبرت عن استمرار النفس الثوري والتمسك بزخم ثورة 2011م وأهدافها.
* في عدن المشهد مختلف كليا اللجنة الأمنية تصدر بيانا تحذر فيه من أي فعالية في مديرية خور مكسر (في خور مكسر فقط) والحجة أن خور مكسر بها مرافق مهمة وقنصليات ومؤسسات حكومية، أي أن المرافق التي في خور مكسر أهم من رئاسة الجمهورية ومنزل الرئيس ووزارة الدفاع وإذاعة وتلفيزيون وجامعة صنعا ومجلس الوزراء وغيرها من المرافق السيادية في العاصمة، والحجة الأخرى هي احتمال حصول عمليات إرهابية ـ أي أن العمليات الإرهابية ستستهدف ساحة العروض في عدن‘ . . وعندما تخرج فعالية جماهيرية للحراك السلمي ترفض مخرجات مؤتمر الحوار الوطني فإن السلطات الأمنية والعسكرية تحشد لها الدبابات والمدرعات والأطقم العسكرية وتعد الفيالق وتستدعي المعسكرات وتواجه هذه الفعالية بالرصاص الحي وبالغازات والقنابل المسيلة للدموع وتقتل من تقتل وتجرح من تجرح، والحجة الحفاظ على المرافق الحيوية وتجنب العمليات الإرهابية التي لا وجود لها إلا في مخيلة جلالة محافظ عدن وقادة أجهزة أمنه.
إن الحديث عن الفعاليات الثورية في صنعا وتعز والحديدة وغيرها ليس استنكارا لهذه الفعاليات بل إنها تحية إكبار واعتزاز للشباب المتمسكين بمطالب الثورة والمصممين على مواصلة مسيرتها إلى نهايتها، لكن ماذا يعني هذا النهج المتناقض والمتضارب مع الفعاليات الجماهيرية الاحتجاجية، لماذا في عدن تواجه الفعاليات السلمية بالرصاص الحي وبالقنابال الدخانية والغازات الخانقة؟ كيف يكون الإرهاب في عدن، والتفجيرات في صنعاء؟ كيف يكون التخريب في خور مكسر وقصف الأبراج وأنابيب النفط في مأرب؟ كيف تكون الأغراض الدنيئة في عدن ومحافظات الجنوب والهجوم على السجن المركزي ووزراة الدفاع في قلب العاصمة؟ وكيف تكون الأعمال التخريبية في خور مكسر وقتل الدبلوماسيين وخطف السواح في صنعاء؟ أفيدونا أفادكم الله وهداكم إلى سواء السبيل.
ملخص المشهد إن اليمن تتعامل بمعيارين متناقضين في التعاطي مع الفعاليات السلمية الاحتجاجية، وأن عدن التي قيل أنها خط أحمر صارت خطا أحمر على أبنائها أما اللصوص والناهبين والقتلة والمجرمين فإنهم يحظون بالعناية والرعاية والحماية، وعندما يدخلون عدن لا يدخلون إلا دخول الفاتحين وأبطال العمليات الخارقة والاستثنائية.
يعتقد صاحب الجلالة وحيد رشيد وأنصاره بأنهم بقمعهم للفعاليات السلمية سيخرصون أصوات الشعب الرافضة للسياسات العرجاء التي تدار بها عدن ومحافظات الجنوب، ومن أغرب مشاهد الحياة أن يضحي رئيس الجمهورية بشعب كامل وبوعوده الجميلة في سبيل الحفاظ على مسئولين كل ما لديهم من مؤهلات هي الفشل في تنفيذ المهامات المناطة بهم وتغييب الأمن وتكميم أفواه المعارضة وقتل المواطنين العزل من السلاح، دون أن يكلف رئيس الجمهورية نفسه توجيه رسالة عتاب (عتاب وليس اتخاذ عقاب) تجاه من يرتكبون هذه الجرائم وبعد هذا يعدون الناس بالنعيم والفردوس القادم من خلال هذا النمط من المسئولين المتفاخرين بفشلهم.
استمرار القمع في التعامل مع الفعاليات السلمية الجنوبية يؤكد إصرار من يقودون البلاد على مواصلة نهج أسلافهم ولكن بوسائل أكثر دموية وأشد قسوة وبغباء سافرة وفشل أكثر فجاجة في تقديم الخدمات وتوفير الأمن، وهو ما يعني أن الجنوب الذي أصروا على تقسيمه قادم على أيام أكثر قتامة وأشد مواجهة بين أصحاب الحقوق المصادرة ومصادري هذه الحقوق بين أصحاب الرأي الحر وبين أعداء الحرية والكرامة.
* * * *
تتعالى الأصوات المطالبة بإقالة حكومة الوفاق، . . .وكان كاتب هذه السطور قد كتب ذات يوم مطالبا بتشكيل حكومة كفاءات وطنية سيكون من المستحسن أن تكون غير حزبية، تتولى ما تبقى من مهمات المرحلة الانتقالية.
سنغض النظر عمن يقولون أن حكومة الوفاق فشلت في عملها، لكن المنطقي أنه لا يمكن الرهان على حكومة نصفها يعمل بأجندة معينة والآخر يعمل بأجندة مضادة للأولى، والتعثر الذي صاحب ويصاحب حكومة الوفاق كان علينا أن نتوقعه منذ أول يوم لتشكيلها . . . اليوم رئيس المؤتمر الشعبي العام يتهم حكومة الوفاق بالفشل، رغم أن حزبه مشارك بنصف الحكومة، وبعض أحزاب المشترك تتهم وزراء المؤتمر وحدهم بالتقصير والفشل، هذه اللوحة العجائبية نخشى أن يصدق عليها قول البعض أن الجماعة متفقون على استمرار النهب والعبث والفساد، ومتفقون على أن يتهم كل منهم الآخر بالفشل حتى يرفعون العتب عن بعضهم، . . .لذلك سيكون من المنطقي حل هذه الحكومة وإعفاء وزرائها، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية (غير حزبية) ممن لم يتورطوا بأي فساد أو جرائم أو مولاة سياسية لأي من أطراف الصراع السياسي خصوصا وأن حكومة الوفاق قد اقترن تشكيلها بمرحلة انتقالية يفترض أنها انتهت بانتهاء السنتين اللتين تلتا انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي.
هذا الرأي لا يمثل موقفا شخصيا من كاتبه تجاه رئيس وأعضاء الحكومة الين تربط كاتب هذه السطور علاقة احترام وزمالة بمعظمهم‘ لكنها نصيحة لهم جميعا لإفساح المجال لسواهم للعمل بحرية أكثر وقبل هذا وبعده الاستجابة لمطالب الثوار الذين قد يتصاعد رفضهم لكم (أيها الزملاء) وبدلا من خروجكم الآمن سيكون خروجكم غير آمن (كي لا أستخدم تعبير أكثرا حدة قد يغضبكم أن تعلموا أن الناس يقولونه في العلن وكثيرا في السر).
برقيات:
* بعد تعميم وزراة الخارجية القاضي بمنع السفراء من إجراء المقابلات أو الإدلاء بتصريحات أو كتابة مقالات لم يتبق على وزير الخارجية، وفوقه رئيس الجمهورية إلا أن يرصدوا بندا ماليا "للمسلات والخيوط" ويكلفوا خياطا في كل سفارة مهمته أن يخيط فم السفير ويفتح له عند الحاجة إلى الأكل والشرب فقط. . . إنها المهزلة ، وهل هناك سخف ومهزلة أكثر من هذا؟؟
* استمرار الاعتداء على جرحى الثورة من قبل قوات الأمن وبلطجيتها عار على حكومة الوفاق بجناحيها، . . .هل عجزت موازنة الحكومة، التي تنفق ما يقارب ????ر?ن ونصف على سفريات وزرائها أن تنفق 10% من هذا المبلغ على عشرات الجرحى ممن كانوا سببا في وصول الوزراء إلى مواقعهم، والأدهي هل تكافئهم الحكومة بالهراوات لأنهم أوصلوا وزراءها إلى كراسيهم؟
* الشاعر والأديب والناقد والقاص والمفكر الأستاذ عبد الله علوان يرقد في غرفة الإنعاش في مستشفى الثورة، بين الحياة والموت بعد أن عجز عن تدبير تكاليف العلاج لتجاوز حالته المرضية التي قد تهدد حياته، . . .عبد الله علوان أعطى اليمن كثيرا ولم يأخذ شيئا فهل آن أوان إنقاذه قبل أن يفوت الأوان؟ أسئلة موجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الثقافة، وطبعا وزير المالية، إنقذوا هذا المفكر فاليمن يمكن أن تستورد مستشارين وأطباء ومهندسين وحتى وزراء لكنها لن تستطيع أن تستورد أديبا ومبدعا واحدا بمقام عبد الله علوان.
* قال الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي:
مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَـغَاني بمَـــنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ
وَلَكِنّ الفَـــــتى الـــــــــعَرَبيّ فِيهَا غرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ
وَمَنْ بالشِّـــعْبِ أحْوَجُ مِنْ حَمامٍ إذا غَـــــنّى وَنَاحَ إلى البَيَانِ
وَقَدْ يَــــــتَقَارَبُ الوَصــْفانِ جِدّاً وَمَوْصُــــــــوفَاهُمَا مُتَبَاعِدانِ