عندما يكرر الخلف أخطاء السلف

2014/02/27 الساعة 01:25 صباحاً

مرة أخرى تتعرض الفعاليات الاحتجاجية السلمية في محافظات الجنوب للقمع الذي يؤدي إلى قتلى وجرحى من الناشطين المدنيين، الرافضين للسياسات الرسمية بما فيها إقرار تقسيم الجنوب إلى إقليمين، وكأن الأمس لم يمض وكأن اليمن ما تزال عند العام 2007م أو بالأحرى عند العام 1994م.

كان علي عبد الله صالح وممثلوه في عدن وبقية محافظات الجنوب، طه غانم وأحمد الكحلاني وطريق وقيران وغيرهم من المحافظين ومدراء الأمن يقتلون الناشطين المدنيين الجنوبيين بحجة أنهم يهددون "الوحدة اليمنية" ويرفعون شعارات "انفصالية"، . . يقولون ذلك رغم أنهم هم من مارس أبشع صور السلوك الانفصالي من إقصاء واستبعاد الجنوب والجنوبيين من كل الشأن اليمني إلى تسخير الجنوب وتحويله إلى غنيمة يتمتعون بها هم وشركاؤهم في حربهم الاحتلالية على الجنوب، وانتهاء بتدمير الخدمات الأساسية وتعميم الفساد ومسخ الهوية وتزوير التاريخ وادعاء الطهارة والتبرؤ من كل ما تحمله وجداناتهم وقلوبهم وتفكيرهم من أوبئة وأمراض سياسية قاتلة أوصلت اليمن إلى أسوأ المستويات التنموية والخدمية والمعيشية والأمنية والقيمية في العالم.

اليوم يواصل عبدربه منصور هادي  ومندوبوه في الجنوب وعلى رأسهم وحيد رشيد وناصر منصور وبقية مدراء الأمن ونظراؤهم في الضالع وحضرموت وشبوة وغيرها، يواصلون نفس نهج أسلافهم، ولكن بمبررات أكثر غباء وأشد حماقة وأكثر استخفافا بمشاعر وعقول الجنوبيين واليمنيين عموما، . . . حجتهم هذه المرة محاربة الإرهاب، والتصدي للتمرد على قرارات مؤتمر الحوار الوطني، الذي لم يشارك فيه الجنوبيون إلا بممثلي الأحزاب السياسية التي أقر معظمها بأنهم لا يدعون تمثيل الجنوب.

تكرار الخلف لأخطاء السلف تبين أن الذين يقودون البلاد اليوم لم يتعلموا من أخطاء أسلافهم وإنهم لم يتعظوا من وجودهم في الصف الثاني خلف المستبدين ورعاة الفساد والطغيان طوال عقدين مريرين من القمع والظلم والتنكيل والفشل،  . . إنهم يمارسون نفس الحماقة ونفس الاستخفاف بدماء وأرواح وعقول اليمنيين في الجنوب، وأن ادعاءهم بالانتماء إلى تيار التغيير هو ادعاء زائف وأنهم لا علاقة لهم لا بالتغيير ولا بالثورة ولا حتى بالتفكير العملي الذي يقدمهم للشعب اليمني وللعالم على أنهم مختلفون عن أسلافهم، فإذا كان القتل هو نفس القتل والفساد هو نفس الفساد والتسيب هو نفس التسيب والقمع هو نفس القمع والنفاق هو نفس النفاق والضحايا هم نفس الضحايا فإن الأخيرين (الضحايا) لا يهمهم شكل القاتل ونوع الفاسد والانتماء الحزبي لمن يدير كل هذه العمليات طالما بقي الضحايا في موقع المستهدف من تلك السياسات الدموية والنزعات القمعية والأعمال التعسفية التي يرتكبها الأخلاف كما كان يرتكبها الأسلاف.

إن الثوار في الجنوب والشمال على السواء عندما ثاروا لم يخرجوا ليطالبوا باستبدال القاتل بقاتل آخر والمجرم بمجرم جديد واللص بلص مختلف، والمحابي بمحابي أكثر غباء من الأول، لقد ثاروا من أجل مزيد من الحرية والكرامة والحق والعدل والأمن والخبز والدواء والتعليم والمواطنة المتساوية وهو ما فشل فيه حكام اليوم مثلما فشل فيه حكام الأمس.

برقيات

*   كان البعض من أصحاب النوايا الحسنة، ومنهم كاتب هذه السطور يعتبرون قول الرئيس هادي، في خطاب تنصيبه، بأنه لن ينسى ما تعلمه من علي عبد الله صالح، نوعا من الحديث البروتوكولي لمجاملة السلف، لكن بعد كل هذه الممارسات والجرائم التي ترتكب تحت رعاية فخامته يبدو أنه كان صادقا مع نفسه ومع سلفه.

*   قيام محافظ عدن بإيقاف صحيفة "عدن الغد" يؤكد أن هذا الذي قيل أن الثورة أتت به، إنما جاء ليمارس نفس ما كان يفعله أسلافه، . . .الضيق بالآخر علامة مرضية لا يصلح معها علاج بل استصال العضو المريض، والعضو المريض في هذه الحالة هو محافظ ظل عشرين عاما خلف كل الفاسدين الذين قادوا عدن يشاركهم موبقاتهم، ثم جاء ليدعي أنه من أنصار الثورة.

*   يتساءل المواطنون الجنوبين ومعهم كل الخيرين في اليمن: من الذي يقتل أبناء الضالع من النساء والرجال والأطفال في الطرقات ومجالس العزاء ويقصف المنازل ويقطع الطرقات ويحول الضالع (المدينة والمحافظة) إلى غزة ثانية؟ أهو فعلا المدعو ضبعان؟ أم الرئيس عبد ربه منصور هادي؟

*   إذا كان الرئيس هادي بريئا حقا مما يجرى في الضالع فلماذا لم يتخذ ما يمليه عليه موقعه كرئيس جمهورية تجاه هذا الضبعان، ثم لماذا يفصل آخر من تبقى في وزارة الخارجية (وربما في كل الحكومة) من أبناء الضالع (السفير علي مثنى ـ نائب وزير الخارجية) (ومعه مديرا أمن الضالع ولحج) رغم وهمية وهامشية المواقع التي يشغلونها؟

*   يقول الشاعر اليمني عبد الله عبد الوهاب نعمان:

مَالَهَا  الدُّنْــيَا أَتَانِي  نَصْرُهَا          كَاشِرَالـــــــــــسَّوْءَةِ   كَالخَصْمِ  اللَّدُوْدِ

خَائِبَاً يَــسْرَحُ  مَفْتُوْنَاً  بِمُنْـــ          ــحَدِرٍ مُنْــــطَفِىءُ النَّـــــــــــــفْسِ  بَلِيْدِ

يَصْطَفِي  لِلْنَّاسِ  مَنْ  يَبْدُوْنَ         فِيْ  شَرَفِ  النَّاسِ  كَصَفْعٍ فِيْ  الخُدُوْدِ

مُمْسِكَاً مِنْهُمْ  صُكُوْكَاً مَابِهَا          طُـــــــهْرُ مَكْــــــتُوْبٍ ولا صِدْقُ شُهُوْدِ

 

وَيَرَى كُلَّ المُضـِيْئِيْنَ زُنَـــــ         ــــاةً وَفُـــــــــــــسَّاقَاً عَلَى  كُلِّ  صَعِيْدِ