يؤيد مجلس الامن وبشدة استكمال عملية الانتقال السياسي في اليمن ؛ إذ أكد دعمه المبدئي لهذا الانتقال الذي ستكون مرتكزاته الاساسية القادمة خمسة مسائل جوهرية اولاها صياغة دستور جديد للدولة الجديدة وتاليها تنفيذ الاصلاح الانتخابي بما يشمل صياغة واعتماد قانون انتخابي يتفق مع الدستور الجديد .
فيما ثالثها اجراء استفتاء على مشروع الدستور والتعريف به بالشكل المناسب ، ورابعا اصلاح بنية الدولة لإعداد اليمن للانتقال من دولة وحدوية الى دولة اتحادية . إما خامسها فتمثل بأجراء الانتخابات العامة في الوقت المناسب على ان تنتهي بعدها ولاية الرئيس هادي الحالية عقب تنصيب الرئيس المنتخب بموجب الدستور الجديد .
قرار المجلس - وهذا هو المهم - مثَّل استجابة لحالة وطنية وداخلية وسياسية يستلزمها مساعدة الهيئة الاممية . ففي ظرفية حرجة كهذه التي باتت فيها الدولة اليمنية ونظامها السياسي ومؤسساتها وسلطانها المحدود مهددة جميعها بالانهيار والسقوط والتفكك ؛ فإن الحديث عن تفريط بالسيادة وعن وصاية وارتهان للخارج وعن مؤامرة دولية لا أظنه سوى كلاما عبثيا وسفسطائيا لا قيمة له او نفع إزاء واقع مختل لا تستطيع الدولة فيه من بسط نفوذها وسيادتها كاملة على عاصمتها صنعاء من دون مساعدة الخارج لها .
فكيف إذا ما قلنا بان هذه الدولة مازالت غائبة فاقدة القدرة والاداة وكذا الارادة السياسية المجسدة لهذه الدولة الاتحادية الديمقراطية التي توافقت النخب عليها نظريا فيما تطبيقها في الواقع العملي يواجه بتصلب واستماته القوى التقليدية المهيمنة تاريخا على مقدرات الدولة وقوتها ونفوذها واقتصادها واعلامها وخزينتها .
ليس لدينا دولة كي يمكن استساغة اختراق السيادة ! ليس هنالك سلطة وقوة ومؤسسة ونظام بمقدوره التعبير عن ذاته ووجوده المنحازين لخيار الدولة الوطنية المسؤولة كليا عن مجتمعها ومساحتها . ومع سوءة الحالة وترديها تقرأ وتسمع من يشطح ويقفز في قلقه وفزعه على اليمنيين ودولتهم من هذه الوصاية الدولية وتبعاتها الوخيمة ولكأن الاثنين الدولة والشعب ينعمان بكل سبل الرفاهية والامان والنظام والسيادة .
اليمن ومعاناتها الاقتصادية والامنية والانسانية هي من أقحم المنظومة الدولية ومعها دول الخليج كي تتدخل في ازمتها السياسية الناجمة عن عقود بل قولوا قرونا من الهيمنة المستأثرة المبددة لكل مقدرات وخيرات البلد .
ما يقلقني بحق هو تدخلات دول الاقليم وعلى وجه الدقة تدخلات الشقيقة الكبرى التي اعدها اخطر بكثير من تدخلات دول اوروبا وامريكا ، فعلى أقل تقدير الغرب وامريكا إذا ما خيرا الاثنين بين الدولة والنظام والمؤسسة والتنظيم الحزبي وبين القبيلة والطائفة والفوضى فبكل تأكيد سيكون انحيازهما للدولة والنظام لا للقبيلة والفوضى .
نعم ثار اليمنيون على النظام العائلي القبلي العسكري ،لكنهم وبعيد ثورتهم الشعبية العارمة تجلت لهم الحقيقة أكبر واشمل من مجرد اسقاط نظام واحلال نظام ؛ إذ كانت الايام والاشهر التالية لانتفاضتهم قد عرت وكشفت ما غفلوه وظنوه دولة ونظام ومؤسسة وقوة وإذا بثورتهم هذه على النظام لم تكن سوى مستهل لثورة مبتغاها أكبر واهم ويتعلق بإقامة الدولة ومؤسساتها وسيادتها ، ولهذا السبب الموضوعي والمنطقي كان ولابد من طلب مساعدة دول والاقليم والعالم .
فحين تتعلق المسألة بالدولة ومؤسساتها ونفوذها ونظامها وحتى اعرافها وتقاليدها الغائبة المفقودة يصير الكلام في مثل هذه الحالة عن السيادة والشرعية والمشروعية والوصاية والتبعية وغيرها من المفاهيم المتعارف عليها وطنيا ودوليا وقانونيا وسياسيا ليست إلا مغالطات مضللة مربكة مضاعفة للازمة أكثر من اعتبارها حلا ناجعا وواقعيا للمعضلة المزمنة التي هي نتاج غياب للدولة الجامعة المسؤولة عن كامل المجتمع والجغرافيا .
في اول رد فعل للرئيس صالح وصف قرار مجلس الامن بانه عودة باليمن الى عهود الظلام والاحتلال " كأن اليمن في عهده الميمون بلغت ذرى الحداثة والقوة والرفاهية ! هوسه ونرجسيته افقدته بصيرة التمييز ما بين ان تكون معارضا للقرار وبين ان تكون رئيسا سابقا مسؤولا عن هذه الوضعية الرخوة المضطربة الناتجة في الاصل عن حكمه الذي امتد لثلث قرن توافرت فيه فرصا وامكانية لم تتاح لسواه من الحكام ، لكنه ومع كل ما تم ذكره لم يكن همه وفعله اقامة دولة حقيقية كي يطل على اليمنيين كرئيس غيور وقلق على وطنه وشعبه المنتهكين بفظاظة ومن جهة اعلى سلطة دولية .
الخارج ليس شرا او خيرا مطلقا ، فضلا ان هذا الخارج بات متغلغلا ومؤثرا في ادق تفاصيل الحياة اليومية للإفراد والمجتمعات . تدخل الخارج في حالة اليمن كان ضرورة حتمية فرضتها معطيات وطنية ودولية كما واليمنيون وساستهم ونخبهم هم من اقحم مجلس الامن كي يتحمل مسؤوليته الاخلاقية والقانونية والانسانية حيال بلدهم الذي يخشى عليه من السقوط والانهيار الوشيك بحيث يترك لقمة للتناحر الاهلي .
ففي حال ترك أمره ومصيره للقوى الداخلية ذاتها التي نراها الآن مستنفرة لكل قواها وامكانياتها المحاربة للغرب واطماعه وانتهاكه سيكون من شأن هذا إعادة البلاد والعباد الى كنف القوى المسيطرة المقوضة لثورات الماضي ولفرصه التغييرية التي كان لتصادمها مع مصالح هذه القوى القبلية الاوليغارية المستحكمة بكامل مقدرات الدولة الناشئة وبزمام قرارها سببا كافيا لإخفاق القوى الثائرة المؤمنة بقيم ومبادئ الدولة العادلة .
هذه القوى المستميتة حاليا في جبهة ظاهرها الغرب وامريكا فيما باطنها الفزع والخوف والرفض للدولة ونظامها واستقرارها اعتبر مناهضتها لتدخل الخارج امرا اعتياديا ومقبولا فلا اتوقع منها غير الاستماتة كي يبقى الخارج بعيدا عن الداخل .
فبرغم ان عزلهما عن بعضهما يعد مسألة مستحيلة التحقق خاصة في زمن مثل الذي صارت فيه مصالح دول العالم اقرب الى بعضها من أي حقبة مضت إلا ان المؤسف هنا كامن بمواقف بعض النخب المغردة في فضاء مخاوفها من الخارج فيما الواقع يؤكد بان جمهورياتنا وثوراتنا وديمقراطيتنا وسيادتنا وحدودنا واقتصادنا ودستورنا واعلامنا وحتى أدميتنا المهانة في اوطاننا ما هي سوى مفاهيم وافدة ولولا هذا الخارج لما نجحت ثورة او قامت نهضة او احترمت آدمية
قلت في مناسبات عدة بأنه لا خشية على اليمن واهلها من الخارج ، فهذه البلاد غارقة في أتون ازمات داخلية اقتصادية وسياسية ومجتمعية وبنيوية لا يخاف عليها أكثر من اهمال الخارج لها وأكثر من ترك مجتمعها الفقير المنهك المتخلف الممزق لقوى الداخل كي تعبث به وكي يبقي هذا الشعب رهنا لصراعات ونزوات واستئثار اقلية فاسدة مهيمنة لا ترى في مساعدة الخارج للداخل سوى انه هدما ونسفا لتاريخ طويل من العبث والفوضى والاضطهاد والنهب والسلب والقهر والخوف وسواها من مفاهيم ما قبل الدولة والمواطنة والنظام