هذا الرجل الثمانيني الذي لم يبارح حوش الأشراف /تعز منذ أن كان شاباً .. قضى حياته في هذا البيت والحي والشارع والرصيف متنقلاً بين مسجدي : الكويت ، وشعرة والسوق المركزي عندما كان صحيح الرُكب .
هذا الرجل الثمانيني ظل وأسرته لأكثر من نصف شهر تحت القصف والموت من دبابات الموت لمليشيا الرب التي تصول وتجول تحت نوافذ بيته ، ومن فندق شمسان الضاج بمضادات الطيران ..
عبده عثمان المُدكن ، يهجر اليوم ويغلق دكانه المتواضع الذي كان يفتتحه بعد صلاة الفجر ، ولا يغلقه إلا عند الساعة العاشرة مساءً .. هذا الرجل الثمانيني الذي تصطف على صبوحه الكثير من الأفواه ومع القهوة يتونس مع أصدقاء العمر " قلك ،بلك ".
المُدكن بن عثمان الذي لم يشاهد طول عمره أي مشهد للعنف يرى اليوم من نوافذ منزله عشرات الجثث تتناثر في الجولة والحوض والشماسي والحوبان عندما هرب وأسرته وأحفاده الصغار تحت القصف ، وهو يصيح : يا غارتاه .. يا غوثاه ، ما الذي يجري ، لماذا يقتلون ، لماذا نقتل ؟ أين نسير .. أيش المخرج يااااااالله ؟
ضاعت يا بن عثمان عُش الأصدقاء ، ورائحة الريحان والزيتون لنساء صبر ، ضاعت عرعرات بن عثمان ونكاته الصاخبة في الحوض ، ضاع مصفوفة "شوالات : البر ، والدقيق ، والوزف ، والبهارات ..الخ .
لُجم الرجل الثمانينين من هول الفاجعة ، في آخر عمره إلا من : يا غارتاه ، حسبنا الله ونعم الوكيل ..
هاجر الرجل الثمانيني إلى قريته المنسية " هُجري" التي كان قد نساها .. هاجر الرجل المتعب من قلبه المدمى ، وأورام أقدامه وهو يشق طريقه للقرية الجبلية يقطع مسافات الجبال والتلال فلا طريق في هجري – أعروق ..
عبده عثمان .. حتى الآن تتواصل أسئلته : لماذا نقتل ، ونهجر ، وينقطع الماء والكهرباء ، واللقمه ، والآدمية في الألفية الثالثة .. لكنه يثيح من سطح البيت العتيق في القرية : ليتني مت قبل أن أرى الحرب والدمار ، والجثث المرمية في طريق الحوض ، أحواض تعز ، وعدن ، وو..الخ .
تذكرت اليوم أبي وأنا أفتح عيناي كل صباح ومساء وهو يسكب عرعراته الساخنة على صالح منذ أن كان قائداً في لواء تعو ، ولعسكر يصنعهم صالح ..
سيقول أبي : يا .... عارك وعار أمك .. كيف كذبت عليَ وأنت ترددي على مسامعي الحروب الستة في صعدة لملك الموت : صالح ، وعن أهالي صعدة ، وعن يهود آل سالم ، وعن الأسواق ، طيبة أبناء صعدة .. لم أكذب يا أبي هم كذلك .. لكن سيقول لي : كيف يقتلهم عفاش ، ويتحالفون معهم لقتلنا وقتل اليمن وتدميره ..
سأرد عليه : عندما أفهم يا أبي سأخبرك .. !! وخرافة الحق الإلهي لمُلك البطنيين إحداها