مرة أخرى توجه واشنطن طعنة أخرى لجسد اليمن المنهك، مرة أخرى توجه إيذاء آخر للشعب اليمني بوأد طموحاته المشروعة، من خلال إسناد عدوه وسارق دولته، ومُسعر الصراع الطائفي في وطنه: مليشيا الحوثي وحليفها المخلوع صالح.
مرة أخرى ترمي واشنطن لهذا الحلف الطائفي الجهوي الدموي البشع طوق نجاة، وتريد أن تمكنه من حصد المكاسب السياسية جراء مغامراته وانغماسه في حرب أهلية مدمرة قتلت المئات من اليمنيين وهدمت منازلهم وشردت الملايين، وتسببت كذلك في تدمير البنى التحتية للبلاد.
أليس مستغربا أن تتحرك الأمم المتحدة التي لم تستطع حتى اللحظة تطبيق قرارها رقم (2216) الصادر تحت الفصل السابع، هذا التحرك اللافت، مقترحة مؤتمرا للأطراف السياسية في جنيف، بدون أية مرجعية أو “شروط مسبقة”، تفعل ذلك بُعيد انعقاد مؤتمر الرياض الجامع الذي كان قد حدد خارطة طريق لا تخرج أبدا عن المسار الذي رسمه قرار مجلس الأمن السالف الذكر.
ما من سبب يمكن أن يفسر هذا الحماس الأممي سوى الدور الذي تنهض به واشنطن خلف ستار الأمم المتحدة. فهي لم تكتف بحفز الدور الأممي الخامل أصلا ومنحه دفعة قوية، بل ذهبت وفتحت مسارا موازيا للمسار الذي يمضي به مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وذلك برعاية محادثات سرية في مسقط تُذكرنا بمحادثات أوسلو، بغية التوصل إلى تفاهمات يمكن اعتمادها في مؤتمر جنيف.
حتى اللحظة لم يحدد موعدٌ لمؤتمر جنيف، وقد لا يرى النور قريبا، والسبب أن هذا المؤتمر ليس موجها ضد الشعب اليمني فقط، وإنما أيضا ضد التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، صاحبة الثقل الكبير في المنطقة والعالم. هذا التحالف الذي بوسعه حسم الموضوع في اليمن بالوسائل السياسية والعسكرية معا، وإخراج البلد من فخ الاحتراب الأهلي الذي انزلق إليه.
هذا ما أكدته الوقائع، فبمجرد تحرك طائرات التحالف، بدأت المعادلة تتغير على الأرض، وبدأ اليمنيون يشعرون بجدوي المضي في مسار الثورة والتغيير بروح التسوية السياسية وعلى أساس المرجعيات الأساسية لهذه التسوية بعد أن فقدوا الأمل، إثر العودة الثقيلة للمخلوع صالح وإمساكه بالمؤسستين العسكرية والأمنية وقيادته حرب داخلية على اليمنيين، من الواضح أنه غرق فيها ولم يعد بوسعه حسمها، بسبب تدخل التحالف العربي دون غيره من الأسباب.
مؤتمر جنيف موجه أصلا للدور السعودي في اليمن، ولكل طرف من الأطراف أسبابه في التحرك باتجاه جنيف، فالحلف الانقلابي، يريد التملص من المرجعيات الأساسية للتسوية السياسية، التي تحرمه من ممارسة النفوذ الذي يتطلع إليه، ويريد أيضا التخلص من شرعية الرئيس بغية إظهار التدخل السعودي “عدوانا سافرا” على اليمن.
أما القوى الكبرى فلا تريد للمنطقة أن تمتلك مرجعياتها السياسية وأدواتها العسكرية والأمنية في مواجهات التحديات الداخلية والخارجية، وإيران تريد ورقة تلعب بها في سياق المواجهة وصراع المصالح القائمة على البعد الطائفي.
لا أحد يتمنى أن يتحول اليمن إلى ساحة مواجهة إقليمية ودولية، ففي داخل اليمن قوى عندها ما يكفي من نزعة الشر لإغراق البلاد في دوامة عنف لا نهاية لها، وما يقوم به التحالف العربي، هو نوع من تسييح الكتلة الصلبة ذات الطابع الجهوي والمذهبي، ممثلة في جيش المخلوع ومليشيا الحوثي، بهدف استعادة التوازن الاستراتيجي داخل الساحة اليمنية بما يؤمن مواصلة عملية الانتقال السياسي بين أطراف سياسية متكافئة.
يبدو أن هذه المهمة النبيلة من جانب التحالف تواجه عملا سيئا آخر من جانب واشنطن وبقية الدول الكبرى وانتهازية مفضوحة من جانب هذه القوى التي لا يروق لها أن تبقى منطقتنا محصنة من الصراعات والعنف.
المؤامرة الأمريكية في سياق الأزمة اليمنية، خطيرة جدا والمطلوب من التحالف العربي وفي المقدمة المملكة العربية السعودية ان يعملوا بأقصى سرعة ممكنة من أجل استثمار الإمكانيات المتاحة الهائلة في الداخل اليمني، عليهم أن يسرِّعوا في بناء كتلة صلبة مؤيدة للتغيير ومناهضة للانقلاب، وإعدادها للقيام بالدور الأهم في سياق معركة متعددة الأبعاد الهدف منها هو استعادة الدولة اليمنية وترشيد النفوذ الإيراني، وتعزيز المنظومة العربية وتحصينها من الاختراق عبر استيعاب اليمن في المنظومة الخليجية