بلا داعش.. بلا لعب عيال ضايعين

2015/07/20 الساعة 03:23 صباحاً
< منذ أكثر من 11 عاماً يحاول التنظيم الإرهابي، الذي يطلق على نفسه «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أن يظهر على أنه دولة، وعلى رغم مرور كل هذه الأعوام الطويلة وفق رؤية العصر الحالي، لم يثبت على أرض الواقع أنه دولة مثل بقية الدول الناشئة، لها حدود ومقومات وعناصر بناء الدولة، فهو يتخذ من الدين غطاء لأعماله الإرهابية، ولا تتوافر له أية مقومات حياة أو تنمية المجتمع، وبناء بلد يعتمد على سواعد أبنائه، فبناء الدولة الحديثة يتطلب كثيراً من المعطيات، لعل من أهمها الأمن للشعب وتحقيق الرفاهية وتمكينهم من كسب الرزق والعيش بسلام، فضلاً على توافر الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية، والخدمات المرافقة لمواطني الدولة، من مستشفيات وأجهزة أمن ومرافق خدمات ومؤسسات تعليمية وشركات قطاع خاص، كما يحتاج بناء دولة حديثة إلى أن تكون لها علاقات بين دول مجاورة وأخرى صديقة وإلى تبادل منافع، وبالدرجة الأولى تحتاج إلى مغريات وتسهيلات وأنظمة وقوانين لجذب مواطنين أو مهاجرين إليها أو مستثمرين وشركات عالمية، فبالله عليكم أخبروني ما هي المقومات والعروض التي تقدمها المزعومة «داعش» لبناء وطن؟ أليس هذا كذباً وافتراء وخداعاً؟ حتى الآن، معظم من التحق وهاجر وذهب إلى هذه الفئة مجرمون وقتلة وأصحاب سوابق، إما هاربين وإما مطلوبين، تجدهم يتنقلون بخفاء وسرية، مرة بلباس امرأة، ومرة يضطر إلى تغيير ملامحه بعملية تجميلية كي لا ينكشف أمره. بعضهم ترك عمله وأهله وأطفاله، ومنهم من قتل أسرته وأقاربه لأجل أن يلتحق بهذه الجماعة، لا يمكن أن تصدق كل هذا الاندفاع من هؤلاء الشباب والنساء إلى مصير مجهول ومستقبل غير آمن، سوى الجهل، أو أنهم أصيبوا بشعوذة ودجل في عقولهم. إذا افترضنا جدلاً أن «داعش» في العراق والشام أقام دولته، فهذا يعني أنه من المهم أن تحصل على اعتراف دولي من الأمم المتحدة، وهذه المنظمة لا تمنح اعترافاً مزوراً، بل شروطاً ومتطلبات يجب استيفاؤها؛ مثل المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات الدولية، وإسهام الشعب في اتخاذ القرارات السياسية، ولديها القدرة على توزيع الخدمات على أفراد الشعب كافة، ومنح المواطن حقَّه في تحقيق حريته بأقل ما يمكن، والأهم جعل التنمية شاملة ومتوازنة. «داعش» اعتمد في بناء سمعته الدموية على أبواق المشايخ، الذين يستخدمون أصواتهم وتخويفهم بالنار وإغراءهم بالجنة والحور العين وتكفير الآخرين وأحلام الحور العين، لم يتحدث في أي من خطاباته عن المقومات الاقتصادية والطبيعية والبشرية، فالموارد الاقتصادية تلعب اليوم دوراً مهماً لتحقيق مكانة مهمة في العالم، وهي قوة يستخدمها كثير من الدول للتأثير في مواقفها السياسية. من خلال استعراض معظم الجماعات والمنظمات الإرهابية في العالم، يظهر جلياً أنها لم تفلح ولم تحقق أهدافها، هي مثل عود الكبريت تشتعل، إلا أنها تنطفئ بفعل الهواء، وهكذا «داعش» ربما يستمر أشهراً عدة، ثم يعود ليختفي ويمسح أثره، لأنه لا يستطيع أن يصمد أمام المواجهة الشاملة، وسقوط أفراده وهربهم وانتهاؤه نهاية محتومة، والسبب الرئيس أن أفراده غير مقتنعين أصلاً، وليس لديهم ثقة بأنفسهم، ولا يستطيعون المناظرة لإقناع حجتهم وفكرتهم. فمن المضحك أن الهيكل التنظيمي لـ«داعش» المزعوم جميعه هياكل عسكرية وتشريد وقتل. فلديهم مجلس شورى، وهيئة شرعية، وأهل الحل والعقد؛ ويضم القادة العسكريين والمجلس الأمني، وهو يعنى بالشؤون الاستخباراتية، ومجلس عسكري وهيئة إعلامية، وبيت مال؛ ويعنى بالمقاتلين، إذا استعرضنا هذه المجالس والإدارات، وجدنا أن المواطن البسيط والمرأة والرجل المسن والمريض مغيبين تماماً وليس لهم أي اهتمام، فهل يرضى أي شخص أن يذهب أو ينضم إلى دولة لا توفر له الحماية الاجتماعية ولا أبسط حقوق الحياة والكسب والعيش، إلا إذا كان في غير وعيه، أو أنه يسير تحت تأثير مخدر عالي الخطورة. لعلي أتساءل بخبث هنا في اجتماعهم الأسبوعي لـ«داعش»، كيف سيتحدث وزير التخطيط عن بلاده؟ وعمّ سيتحدث؟ هل سيتحدث عن انعكاسات القتال وأثرها في بناء التنمية؟ ووزير العمل في الدولة الإسلامية، هل يستطيع أن يخبرهم بغياب وتراجع سوق العمل، نتيجة أن معظم الشعب يقتلون في الحروب؟ أما وزير الخارجية في الدولة الإسلامية فهل سيتحدث عن رحلاته الفاشلة إلى الدول لفتح سفارات أو توقيع اتفاقات، ولم يحقق حتى الموافقة على هبوط طائرته في أي من الدول؟! أحياناً أتساءل: كيف سيسافر مواطنو «داعش» للسياحة والسفر إلى الخارج؟ فلن ترضى بهم أية دولة! وهل سيقبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعملتهم؟ الحديث عن دولة «داعش» ليس إلا مزحة ثقيلة وسمجة بنتها جهات عدة، وتريد أن تقنع السذج بأنها تبني دولة، بينما هي في الحقيقة تبني بيتا على الرمال، تجرفه أمواج البحر أو رياح عاتية، فلا يبقي له أثر، إنما المؤسف أن كثيراً من الدول صدقته واستغلت هذا الاسم؛ لتحقيق مآربها وأهدافها للنيل من أمن واستقرار المجتمعات الآمنة واستغلال الشباب وجهلهم، كما نفعل مع الأطفال لكسب محبتهم فنعطيهم بعض الحلوى. «داعش» ليس إلا مكاناً لتجمع العصابات للنهب والسرقة والقتل، وغرس الخوف واستخدام وسائل التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي للإيقاع والترويج لأوهامهم. «يا عمي قم بلا «داعش» بلا لعب عيال ضايعين». * صحافي وكاتب اقتصادي.