تعيش عدن اليوم مرحلة انتقالية جديدة وذلك بعد انكسار المد الانقلابي وهزيمة مجاميع المتمردين على شرعية الدولة ودخول المدينة في فراغ كبير بسبب الاجتياح العسكري للمدينة والذي أدى الى نتائج كارثية لم تعشها المدينة مطلقا منذ عقود خلت على الرغم من ان هذه المدينة مرت بها مراحل انتقالية عنيفة لا تقل قسوة عما نعيشه اليوم وربما كبارنا لايزالون يتذكرون تلك الأيام الصعبة بين عامي ٦٦- ٦٧ قبل الاستقلال الوطني والحرب الأهلية الاولى والثانية بين التنظيمات المسلحة وقتهاعندما وجه الإخوة السلاح الى وجوه بعضهم البعض وغرقت المدينة في فوضى مسلحة لازالت ذكرياتها الاليمة الى اليوم تعصف بِنَا .
وفرح الناس بإعلان الاستقلال الوطني ورحيل المستعمر في نوفمبر ١٩٦٧، ولكن مالبثت الأمور - بعد ذلك الإنجاز التاريخي الكبير - ان اتجهت بين عامي ٦٧-٦٩ الى صراع مفتوح بين اجنحة الجبهة القومية استخدمت فيه القوة المسلحة مما أدى في النهاية الى بروز المتطرفين اليساريين والأضرار بالمدينة ووظيفتها الاقتصادية العالمية وانتهاج سياسات عنيفة اضرت بالمدينة والمنطقة من حولها .
وكان طبيعيا ان تنتج تلك السياسات مزيدا من عدم الاستقرار ومزيد من الأضرار بهذه المدينة وكنا مع موعد اخر
بين عامي ٧٧-٧٨ اثر مقتل الرئيس الحمدي في الشمال وانعكس ذلك في صراع دموي أدى الى إعدام الرئيس سالم ربيع علي في يونيو ٧٨ ، لندخل بعدها في مرحلة انتقالية جديدة بأسماء جديدة وشعارات خداعة تغذي مرحلة صراع جديدة كانت اكثر تطرفا عقب أعلان تأسيس الحزب الاشتراكي أكتوبر ٧٨ واندلاع الصراع المسلح بين شطري الوطن ولم يهدأ الصراع الا بازاحة عبد الفتاح اسماعيل من دفة السلطة في عام ٨٠ ودخول عدن ولأول مرة منذ الاستقلال الوطني في هدوء نسبي بعد محاولات كبيرة بذلت لتخفيف التوتر مع دول الاقليم ولكن حتى هذا الهدوء النسبي كانت تنتظره فاتورة مرحلة انتقالية جديدة ، كانت اكثر المراحل الانتقالية دموية وأدت الى مجازر ٨٦ واشتداد التصدع في جنوب اليمن .
وتوالت المراحل الانتقالية في تاريخ هذه المدينة خلال الخمسين السنة الماضية ولم تستطع القوى المنتصرة في احداث يناير ٨٦ من التمكن من إدارة ملف السلطة ودخلنا في مرحلة جديدة من التخبط والتيه نبحث عن إقامة علاقات حسن جوار وأخوة مع دول الإقليم ونحن نطارد ابناءنا ونقتل رجالنا ونقمع مخالفينا واستمر الصراع لمرحلة انتقالية جديدة
بين الأعوام ٨٦-٨٩ وكان الهروب الكبير نحو المجهول والتنكر المرير لكل اواصر الارض والنسب والقربى وظلت رائحة الدم هي التي تحكم المشهد وخسر الوطن كثيرا بسبب سياسات الاقصاء والجهل والمناطقية والتطرف .
وكانت مرحلة انتقالية اخرى تواكبت مع اعلان نوفمبر ٨٩ والذي توج بإعلان الوحدة في مايو٩٠ وفرح الناس مرة اخرى كما فرحوا يوم الاستقلال بل وأكثر ، وحلموا ان تتوازن حياتهم مرة اخرى وان تعطى لهذه المدينة حقوقها وكان اعلان عدن عاصمة اقتصادية وتجارية قد هز نفوس الناس في البلد وخارجها ولكن ادت الاحتقانات التي نتجت عن تراكمات ماقبل اعلان الوحدة وأصرار شركاء الوحدة ان يحتكروا هذا المنجز لمصالحهم الضيقة وركونهم ان اعلان الوحدة يكفي الناس ، اما حقوق الناس وحرياتهم ومطالبهم وخدماتهم فالجولة ليست لها ، وانما الهاجس الذي كان يسيطر عليهم وقتها كييف يمددواالفترة الانتقالية والتي انتهت بانتخابات عام ٩٣
ورغم الإنجاز النسبي الذي تم من خلال انتخابات ٩٣ وبدأ التحول نحو مسار تعددي الا ان قوى التسلط شرعت مباشرة الى الصراع المسلح المفتوح لاستمرا احتكار السلطة مما أفضى الى احداث عام ٩٤ .
واستمرت المراحل الانتقالية في حياة المدينة وكانت مرحلة جديدة تواكبت مع ظهور المطالبات في الجنوب بالحقوق عام ٢٠٠٧ وتوجت بالثورة الشبابية عام ٢٠١١ ومن ثم بتوقيع الاتفاقية الخليجية ٢٠١١
ولقد كانت اقسى المراحل الانتقالية في حياة المدينة عدن هي مرحلة انقلاب صنعاء سبتمبر ٢٠١٤ وسقوط العاصمة في يد الانقلابيين وشرورعهم منذ يوم ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ بإجتياح مناطق اليمن منطقة منطقة وكانت عيونهم منذ اللحظة الاولى على هذه المدينة والتي تم اجتياحها بشكل عنيف لن تنساه الأجيال في ٢٥ مارس ٢٠١٥
هذه مراحل معظمها مرة مؤلمة عاشتها هذه المدينة واكتوت بمصائبها رغم ان المصائب تلك لم تكن قدرا ولكن نتيجة طبيعية للأخطاء الفادحة التي ارتكبت ولقد كان بالإمكان ان يعقب الاستقلال الوطني عام ١٩٦٧ فترة هدوء واستقرار في هذه المدينة نظرا للمزايا الجمة التي امتلكتها المدينة في ذلك الوقت ولكن الأخطاء الفادحة احالت نعم هذه المدينة الى نقم عانى منها الناس ، وكان يمكن بعد عام ٨٠ وبدء الانفتاح على الإقليم ان يستمر لولا الصراعات المناطقية الضيقة التي اصرت على تصفية حساباتها على حساب هذه المدينة ، وكان يمكن للوحدة بعد عام ٩٠ ان تجعل من هذه المدينة درة المدن في الإقليم وتطور خدماتها وتخلق للناس فيها ومن حولها فرص نجاح كبيرة ولكنها الرعونة والأنا السياسية الضيقة الي أوصلتنا الى جحيم اليوم .
وعلى الجميع ان يدرك ان مسؤوليتنا اليوم جميعا كبيرة كبيرة كبيرة وإمامنا فرصة عظيمة لإنقاذ المدينة مما هي فيه ، وما تعيشه عدن اليوم ليس قدرا إنما هي أخطاؤنا ، علينا ان نتعلم من دروس الماضي ، علينا ان ننضج ، علينا ان نصحو ، خاصة وان يد العالم والاشقاء لاتزال ممدودة لنا وعلينا ان نتعاون ونتكامل مع محيطنا ، مع دول الإقليم وأول هذا التكاملات ان ننبذ العنف ، فالعنف يضيع الحقوق وعلينا ان لاننسى ان صاحب الحق قوي ولكن صاحب العنف ضعيف ، واول مظهر للعنف يجب ان ننبذه جميعا استخدام السلاح في المدينة .
ثاني التكاملات علينا جميعا ان نتحد حول حماية خدماتنا وأول خدماتنا التعليم والمدرسة فمن لايحمي حق الصغار لن يحمي حق الكبار .
ثالثا حماية الادارة والسماح لها ان تكون حكما بيننا في خدماتنا ونتحمل الأخطاء حتى يشتد عود الادارة ونتدرج في مراقبتها ومحاسبتها
رابعا حماية الموارد ليصل حقها للجميع
خامسا لاننسى أبدا اننا نعيش في مدينة ومعها لاننسى ان المدينة للجميع
هذه قيم ان حرصنا عليها ستتجاوز عدن هذه المرحلة الانتقالية الصعبة والمؤلمة بنجاح وسنفوت على المتربصين مكرهم وشرورهم وسنكون فعلا نحن من حمينا مدينتنا بوعيناوايجابيتنا كما حميناها قبل أشهر بأرواحنا وأجسادنا , وسنذكر بعدها ان عدن مدينة الناجحين وليس احد سواهم .
مهندس / وحيد علي رشيد