قبل شهور همس الشعب التركي في أذن رجب أردوغان.. وقال له : نريدك سلطانا مُجِددا ولكن لا مجال ان تكون سلطانا جديدا من سلاطين زمان ..وتعذر تشكيل حكومة تركية .. عاد الأتراك إليه الان ليقولوا له : تركيا تحتاجك .. تركيا تريد سلطانا بالفعل، قائدا قويا يحشد الطاقات والقوى ويلم الشمل ويحل المعضلات الأمنية والإقتصادية والسياسية، يعني زعيما مثل أتاتورك وسليمان القانوني ومحمد الفاتح وسليم، لكن بشروط العصر وقوانين الشعب : تصغي إلينا .. ولا مجال لتراكم الأخطاء دون تصحيح أو تنبيه ولا نقبل بتركيا مريضه حتى بعد ألف عام..
قبل أيام ذهب السيد أردوغان وزوجته للسلام على حفيدة السلطان عبد الحميد في منزلها بأنقره .. لولا السلاطين العظام لما كانت أمجاد الأمبراطورية العثمانية التي استمرت أكثر من ستمائة عام ولا بد أنها لا تزال ملهمة لقادة مثل أردوغان .. ولولا تراكم الأخطاء الكبيرة دون مراجعة وتصحيح لما انهارت تلك الإمبرطورية الضخمة .. ثم لولا زعامة أردوغان لما استطاعت بلاده تحقيق نجاحات اقتصادية غير مسبوقة في عقد من الزمان لفتت نظر العالم الى تركيا الجديدة وكانت تلك النجاحات حديث الأمم .. لكن لولا مصطفى كمال اتاتورك لما كانت تركيا الحديثة.. كان مقررا لها ان تتلاشى كأمة ودولة ضمن مشروع تقسيم تركة الرجل المريض بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى...
قائد صلب مثل أتاتورك، وبالتأكيد معه رجاله وفريقه، حمل روحه على كفه واستنفر القومية الطورانية التركية وواجه مخاطر لا حدود لها وحارب في الجهات الأربع، وكانت تركيا الحديثة ..
مثل كل الكبار ، لأردوغان وأتاتورك أخطاؤهما التي قد تكون كبيرة ... لكن تركيا كانت ولا تزال تحتاج مثل أولئك القادة الكبار وحماسهم وقوتهم وعزائمهم، وربما أخطاءهم التي يمكن مراجعتها والتعلم منها..!
مصطفى كمال محارب وطني متشدد ورجل دولة علماني ، واردوغان سياسي إسلامي تجديدي ورجل دولة حازم بالتأكيد، ويمكن اعتباره علمانيا أيضاً .. قد تختلف قناعاتهما وسياساتهما لكن مقاصد الأثنين اردوغان واتاتورك، وغايتهما واحدة: تركيا عصرية وقوية ومزدهرة ومؤثرة ..
منذ أكثر من قرن تتوق مجمل بلاد العرب الى قادة استثنائييين يقودونها الى بر الأمان ،لكنها لا تزال تتوق وتنتظر ..
في اليمن تسلط اللصوص والحمقى والعجزة على مقدرات البلد مدة طويلة وها هي الان البلد تترنح وتتشتت وتجني النتائج ..
وهاهم الان أدعياء الحق الألهي والوصية والولاية استنادا الى النسب يعيدونها الى الخلف الف عام وقد شرعوا منذ سنين في الهدم والتقويض والخراب العظيم.. وكان اجتياح العاصمة القشة القاصمة..
قال أحد الأصدقاء : اليمن تحتاح الان إلى قائد يجمع بين وطنية اتاتورك وتصميم اردوغان وهمة ديجول...
هناك كثيرون لا يعحبهم "رجب" ..! وذلك حقهم.. وهناك المعجبون به كثيرا في منطقتا العربية، وذلك مفهوم أيضاً ، فنحن العرب لا نزال محرومين من القادة الناجحين ومن النجاحات الحقيقية .. ولا باس ان يحتفي البعض في منطقتنا بنجاح أردوغان .. لكن كم هم القادرون في بلاد العرب على التعلم من نجاحات حزب العدالة والتنمية او غيره في هذا العالم ، سواء كانوا من المعجبين برجب أو الذين لا يطيقونه..
عندما نتحدث عن نجاحات القادة والأمم فأن الغرض الأساسي هو عسى أن نتعلم..
زار أردوغان مصر ونصح الإسلاميين هناك بتطبيق نظام علماني في مصر، فردوا : لا حاجة لنا بنصح من هذا القبيل...! فغادر السيد أردوغان دون وداع يليق...
هل أن قطرا عربيا مثل مصر كان يحتاح الى صدمة قوية قبل ثمانين عاما مثلما حدث في تركيا ليستوعب أسلاميوه نصيحة أردوغان..؟ ربما انطلق أردوغان في نصيحته من كون مصر أحوج الى العلمانية أكثر من تركيا بالنظر الى نسبة المسيحين في مصر مقارنة بتركيا ...وربما يرى وهو الأسلامي التجديدي أن العلمانية أصلح لإدراة شئون الحكم في أي دولة في هذا العصر وفي المستقبل..
بالتأكيد يحتاج العالم إلى مقاصد وقيم الإسلام على مر العصور لكن لا حاجة لأحد الى دولة دينية أو ما يشبه ، تنطلق من نظرة ضيقة إزاء الآخر وتتبنى فتاوى ومواقف معيقة للحياة والتعايش الإنساني.. وفي الحقيقة لا مستقبل للدولة الدينية لا شيعية ولا سنية ولا غير ذلك ...
هناك الان صدمة ظلامية في شكل موجه عاتية خطيرة تجتاح منطقتنا وتمضي في الإتجاه المعاكس الخطأ ، وهناك الاستبداد والفساد، وهناك تنظيمات دينية عنيفة وطائفية ، ومشاريع انفصالية تفكيكية غبية، وانكشاف خارجي مهول. فهل كل هذه المخاطر والسوء كافية لتحفيز استجابة حضارية بناءة تتمثل في اصلاح ديني حقيقي شامل وعميق ، ونظم سياسية مصدر شرعيتها القانون، ومشاريع توحيدية كبرى....
وفقا لمنطق العقل وقوانين الطبيعة وروح الامم العظيمة.. هناك دائماً لكل فعل رد فعل ...
ولن نكون استثتاء عن بني البشر ..