بإعلان الرؤية السعودية 2030 التي عرضها الأمير محمد بن سلمان تضع المملكة العربية السعودية، أولى خطواتها في طريق السعودية الجديدة.. تُعبِّر الرؤية عن تطوير وتغيير وتحديث تلزم بلدا مهما عُرف بالمحافظة في ميادين شتى، ويلزمه قدر ملائم من الإنفتاح والتحديث والإصلاح ليس فقط في مجال الإقتصاد وضروراته ، ولكن في مجالات أخرى عدة، مثل حقوق النساء( سياقة السيارات مثلا) وترشيد دور المؤسسة الدينية، وإتاحة مجالات الترفيه البريء وتشجيع السياحية النظيفة ، وتطوير العلاقة بالوافدين ومنحهم حقوق أفضل مقابل فوائد يحققونها للإقتصاد الوطني السعودي .. ويحفز الرؤية السعودية الجديدة، دوافع هي خليط من الإختيار والإضطرار.. الإختيار ، بمعنى أهمية مواكبة هذه الدولة العربية الكبيرة للعصر و مقتضياته ، بل وضرورة استشراف المتغيرات والتحديات القادمة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وأمنيا، بحيث تكون السعودية على أهبة الإستعداد للتعاطي مع كل ذلك.. ودافع الإضطرار هو ما يمكن وصفه بحالة من الشعور بالقلق السوي بأنه ما لم يتم تبني جهود وبرامج وخطط ورؤية جديدة تتضمن إصلاحات عميقة وواسعة وشاملة فقد تتعرض البلد لتقلبات تؤثر على أمنها واستقرارها ورفاهية مواطنيها، يؤكد هذا ما ورد في موقع بلمبورغ على لسان محمد ال الشيخ، مستشار الأمير محمد بن سلمان، حيث قال : "لو سُئلت هذا السؤال قبل سنة، فقد أصاب بإنهيار عصبي" جراء توقعات المؤسسات المالية الدولية بالصعوبات المالية التي قد تصل لحالة إعسار، في 2017.. في جانب الإقتصاد، لا تزال السعودية تعتمد على مصدر واحد هو النفط لمدة تربو على السبعين عاما، وأشار الأمير محمد بن سلمان إلى حالة إدمان النفط من جهة، وذكَّر كيف أن بلاده قامت في الأساس وصمدت بدون نفط أصلا.. وفي مواجهة التهديدات الخارجية الوجودية الكبيرة اعتمدت السعودية غالبا على تحالفات دفاعية مع دول غربية وخاصة أمريكا.. وتحدث الأمير عن مستوى الإنفاق العسكري السعودي الذي يأتي في المرتبة الثالثة عالميا والتقييم الذي يحل في المرتبة العشرين وما دون ذلك.. وفيما يخص الأمن العربي كانت السعودية تشارك بفاعلية، مثلما حدث في حرب 1973، بقطع أمدادات النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، لكن غالبا ما تُركت المقدمة لمصر في مواجهة إسرائيل بشكل رئيسي ، وللعراق في مواجهة إيران، بحكم الجوار الجغرافي للدولتين والقدرة العسكرية النسبية للبلدين العربيين .. جراء تحديات الهيمنة الإيرانية المباشرة في العراق والشام، وخطر الإرهاب، فضلا عن الوضع في اليمن، صارت لزاما على السعودية الآن قيادة تحالفات للتصدي للهيمنة الإيرانية التي تتغلغل في كل بلد عربي ، ولمحاربة الإرهاب الذي تفاقمت أخطاره بظهور داعش .. كثيرا ما كانت علاقات اليمن بالسعودية، متأرجحة لأكثر من سبب، لكن تداعيات الإنقلاب الحوثي وخطر التدخل الإيراني في اليمن جعل من مواجهة لحظة الحقيقة أمرا لا مناص منه لدى السعوديين واليمنيين ، وتمخض عن ذلك قيادة السعودية للتحالف العربي على النحو الذي نعرفه الان، وبناء على دعوة الشرعية في اليمن.. وعلى الأرجح، وعندما يجنح الحوثيين للسلام بصدق وحق، ستكون مساهمة السعودية كبيرة وفاعلة في تحقيق السلام والوئام في البلد الجار المهم ، اليمن، وبالتأكيد في أعادة بناءه .. ومهما يكن من شأن التطورات الحالية ، فالمتوقع بأن تراعي علاقة اليمن بالسعودية في المستقبل حاجات الأمن الثنائي والإقليمي وما يتطلبه من تحالف وتآزر، وما تقتضيه التزامات المصير الواحد ودواعي الخطر المشترك التي تؤكده الأحداث والمستجدات الماثلة أكثر من أي وقت مضى .. لم تتطرق المقابلة التلفزيونية لموضوع اليمن مباشرة ، حيث كان الحديث في مجمله عن الإقتصاد ، لكن الأمير محمد بن سلمان تحدث عن حقائق ومحددات منها الجغرافيا، وواضح أهمية حقايق الجغرافيا والتاريخ والإجتماع في موضوع علاقة اليمن بالسعودية، خاصة السعودية الجديدة ذات المسؤليات المتعاظمة والتي تتطلب تحالفات واسعة مستدامة وعمقا استراتيجيا قريبا ، وبما يخدم حفظ الأمن والأستقرار الإقليمي الشامل الذي يبدو أنه سيكون من مسؤلية دول المنطقة وأولها السعودية من الآن فصاعدا.. وواضحة المستجدات والمتغيرات في هذ الصدد ، خاصة في ضوء السياسة الأمريكية الجديدة وتخليها المتدرج وابتعادها عن المنطقة والتزامات أمنها .. في ظل المتغيرات والتحديات العديدة الجديدة ، لا مناص، من إحتواء اليمن إيجابيا وإدماجه في مجلس التعاون ونظام الجزيرة العربية الذي هو في حقيقته، وقبل أن يكون نظاما سياسيا واقتصاديا وأمنيا ، نظام طبيعبي يصعب تجاوزه وتجاهله بصفة دائمة.. وتحتم الحاجة تطوير هياكل مجلس التعاون ومؤسساته ليتحول الى اتحاد متماسك في وجه أخطار وتحديات وجودية ماثلة غير مسبوقة وبما يكفل تحقيق مصالح مشروعة لشعوب المنطقة.. ويبدو أن استبعاد اليمن واللامبالاة بظروفه فيما مضى، سبب رئيسي فيما يجري في اليمن الآن .. مثلما أن تأسيس الدولة السعودية كان يعتمد على إرادة وتصميم قائد عربي فذ هو الملك عبد العزيز ، فإن الدفعات الإصلاحية الكبرى وتخطي المخاطر الجسام تستلزم إيضا مثل تلك الإرادة والتصميم.. وفي تاريخ السعودية ، واجهت مثل تلك التحديات الإستثنائية الكبرى الملوك عبد العزيز وفيصل، والآن سلمان .. وليس من قبيل المبالغة أو التقليل من أقدار آخرين، القول : إن القادة الثلاثة، كانوا على قدر التحديات الإستثنائية .. ويبدو الآن أن الوضع العربي أشبه بحال ما كانت عليه الأوضاع في البلاد العربية حال تأسيس السعودية، قبل مائة عام.. بل هناك من يرى أن حال التدهور والأخطار والإنهيارات التي تشهدها المنطقة العربية اليوم أشبه بحالها قبل ثمانمائة سنة، عشية الغزو المغولي وسقوط بغداد.. مسالة فراغ القيادة في الوضع العربي، يحتم على السعودية الإضطلاع بدور القيادة ، غير أن القيادة في حقيقتها التزامات وأعباء ومسؤوليات وتبعات ، وهناك من يتحاشا القيادة لهذه العوامل والأسباب، وما يمكن اعتباره "وجع رأس"..! لكن نظرا للحالة العربية الراهنة والمخاطر المحدقة، فدور القيادة لم يعد طُموحا أو إختيارا وإنما ما هو أقرب إلى حالة دفاع عن النفس، ومسؤلية تاريخية والتزام قريب من القدر الحتمي ، أو ما يشبه .. ولأن القيادة نموذج ومثال يؤثر ويُحتذى ويجذب، فيلزم أن تطور السعودية نموذجا إصلاحيا داخليا متوازنا في مجالات عدة منها ما هو سياسي وقانوني واقتصادي وثقافي ، وقد تضمنت مؤشرات وتوجهات مجمل ذلك الرؤية الجديدة 2030.. وبمتابعة مقابلات الأمير محمد بن سلمان مع وكالة بلومبورغ وقناة العربية مع ما تضمنته رؤية 2030 سيدرك المتابع أن السعودية الجديدة سيكون لديها جديد تقدمه ومشاريع تجديد وتطوير تجدر بهذا البلد العربي المهم وتخدم استقراره وتعزز دوره وتفعل مسؤلياته..