جمال خاشقجي كاتب وإعلامي سعودي
يمرّ اليمن بحالة غير مسبوقة منذ انقلاب الحوثيين وصالح، والمقاومة التي أعقبته، فقد دخل الخميس الماضي بهدنة وافق عليها الحوثيون، والتحالف الذي تقوده السعودية، الذي تدخّل في اليمن بموجب طلب رسمي من الحكومة الشرعية، ولكن الحكومة هذه المرة ليست شريكا في الهدنة، ولم تُسْتَشَرْ فيها، ولا ترى نفسها ملزمة بها كما صرّح بذلك وزير خارجيتها عبدالملك المخلافي، بل حتى صعّدت عسكريا، خصوصا في جبهة تعز، التي أثارت الحيرة في تأخر الحسم فيها، على رغم أنها البوابة الطبيعية لصنعاء، فحققت انتصارات غير مسبوقة، مع وعد بانتصارات مماثلة في جبهة نهم المطلة على العاصمة من جهة الشمال، فما الذي يجرى؟ وهل تستطيع الحكومة الشرعية المقاومة منفردة من دون دعم التحالف الملتزم بوقف إطلاق النار بشرط التزام الحوثيين به؟ أم أن هدنة الخميس كغيرها من الهدن السابقة التي سرعان ما انهارت؟ على رغم أنها تميزت بأن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والراحل قريبا، قام من أجلها بآخر زيارة له للمنطقة، وضغط من أجلها، وأتى بالحوثيين من صنعاء إلى مسقط للتوقيع عليها، لعله يكتب في مذكراته أنه «أعاد السلام لليمن».
بدأت تداعيات هدنة الخميس قبل ذلك بأسبوعين، عندما أعلن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ خريطة طريق، تفضي إلى خروج الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ونائبه اللواء علي محسن من المشهد السياسي، مقابل قبول الحوثيين وصالح، الفريق الانقلابي، بالانسحاب من صنعاء، وتشكيل حكومة وطنية يشاركون فيها بالثلثين مقابل الثلث لما تبقى من الشرعية، هذا إن تبقى منها شيء، خريطة طريق صادمة ولكن الجميع وافق عليها، باستثناء أصحاب القضية، اليمنيين.
التقيت حينها، وبعد إعلان الخريطة بيومين قادة الشرعية اليمنية الثلاثة، الرئيس ونائبه اللواء علي محسن، ورئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، كلا على حدة، وجدتهم غاضبين، قلقين، ولكن مزاجهم «مقاوم»، ورافضين تماما لخريطة ولد الشيخ.
أتوقع أنني لو التقيتهم الآن، فسأجدهم أكثر غضبا، بعد إعلان الهدنة، وقبلها خطة كيري التي لم يستشاروا فيها، وخرج بحلّ لا يتفق مع المنطق، ولا مع المرجعيات الأممية المتفق عليها، ولن يعيد السلام لليمن، وإنما سيولِّد مزيدا من الحروب فيها. كما قال لي الرئيس هادي، وفصَّله رئيس الوزراء ابن دغر، إذ قال: «لكل يمني سبب لرفض حكم الحوثيين»، ثم توقف قائلا: «لاحظ أني قلت حكم الحوثيين وليس الحوثيين الذين هم فصيل يمني ومن حقهم الشراكة معنا في الوطن، ولكننا نرفض حكمهم وهيمنتهم، الوطني اليمني المؤمن بالجمهورية يرفضهم، لأنهم يمثلون الحكم السلالي (مصطلح يمني المقصود منه هيمنة وتفضيل الهاشميين في الحكم والوظائف)، والإصلاحي يرفضهم لأنهم يمثلون مشروعا طائفيا مذهبيا يتعارض مع مشروعه، والشافعي لأنهم متعصبون لمذهبهم، وأبناء المناطق الأخرى لأنهم جاؤوا باستعلاء مناطقي، وهكذا، إنهم مشروع مقسّم لليمن، لم نرد يوما أن يقسّم اليمن طائفيا ولا مناطقيا، ولكنهم برعونة ضخوا هذه المفاهيم في بلادنا»، ثم استرسل: «لذلك أي حلّ يقوم على أن تكون لهم الكلمة الفاصلة سيُرْفض، وسيُفتح باب للمقاومة خارج الشرعية، ما يعني حروبا صغيرة لا تنتهي».