يجهد مروّجو الأقلمة الشطرية أنفسهم في إقناع الشعب اليمني بضرورة الدولة الاتحادية المكوّنة من إقليمين على أساس أن صيغة الدولة الاتحادية كفيلة بالحفاظ على الوحدة اليمنية وتحقيق طموحات الشعب في اللا مركزية والمشاركة الشعبية والتنمية.
غير أنهم في الاتجاه الآخر يستميتون في المجادلة على ضرورة وجود إقليم جنوبي واحد بالحدود الشطرية لما قبل الوحدة اليمنية بمبرّر الحفاظ على وحدة الجنوب وعدم التفريط «بوحدته» وخوفاً من أن يعود إلى ماضي السلطنات.
هنا في «الجنوب» يقرُّ تجار الأوطان أن الفيدرالية والاتحادية تجزئة وتشطير وتفتيت، وهناك في «اليمن» البعيد عن وطنيتهم الميّتة يروّجون أن الاتحادية والفيدرالية هي الحل الوحيد الذي لا يأتيه الباطل.
يقولون: ليبق الجنوب إقليماً واحداً؛ وإذا شاء الشمال أن يكون عدة أقاليم فليفعل، المقارنة هنا لا تكون بين جنوب وشمال كما يحاول عضايات الانفصال أن يرسّخوها؛ ويجاريهم في غيّهم قصيرو النظر وعديمو النظرة، المقارنة هنا بين اليمن بمجمله الذي يستبسل الساسة المشبوهون في تقسيمه؛ والجنوب كجزء من اليمن، فما يصح على اليمن ككل يصح على الجنوب كجزء، وما لا يصح على اليمن ككل لا يصح أن يسري على الجنوب.
فإذا كانت الفيدرالية والاتحادية والأقلمة حلاً لليمن بمعايير التخلُّص من المركزية وتحقيق التنمية والمشاركة وتفجير الطاقات الإبداعية؛ فلتكن على كل اليمن وبالمعايير الموضوعية، وإذا كانت الأقلمة والاتحادية والفيدرالية تمثّل تجزئة وتفتيتاً ومساساً بالوحدة؛ فليجنّبوا اليمن كلها شرورها ومخاطرها الفادحة؛ ذلك أن الحيثيات التي يتم سردها لرفض الأقاليم في الجنوب موجودة وبنفس العناوين وبحجم مضاعف على مستوى اليمن.
القول: إن الجنوب مؤهّل للحرب الأهلية والتفكُّك قائم وبحيثيات مضاعفة على مستوى البلد ككل، اليمن عموماً تمر بمرحلة ضعف الدولة، والاختلالات الأمنية، وتخريب البنية الخدمية للكهرباء والنفط، وانتشار الاغتيالات والتقطعات وغيرها، وقد ترك ضعف الحكومة فراغاً ملأته القوى المتضرّرة من التغيير بالتخريب والعرقلة وإشاعة الفوضى بكافة صورها؛ إلا إذا كان هدفهم التشطير بأي طريقة؛ متوهّمين أن الحل الوحيد لهيمنتهم هو النجاة بـ«الجنوب» والسيطرة على موارده، وهنا المسألة مختلفة.
أي أن الساسة المندرجين في «موفمبيك» باعتبارهم باحثين عن حل لنقل السلطة والانتقال السلمي للمجتمع من وضع إلى وضع آخر “العدالة الانتقالية» وإعادة صياغة الدولة انسجاماً مع الإرادة الشعبية وأهداف الثورة وتحت سقف وحدة اليمن وأمنه واستقراره يكذبون؛ وأنهم دخلوا الحوار الوطني وتحت آباطهم نوايا وأجندات مختلفة.
التيار الحراكي والتيار الحوثي المشاركان في الحوار لم يخرجا من إطارهما قبل الثورة والحوار كحركات خارج إطار النظام السياسي وتعارض وجود الكيان اليمني كوطن موحّد لكل أبنائه؛ ذلك أن تمسُّك تيار الحراك المشارك بالحوار بالمعيار الشطري لا معنى له سوى أن هذا التيار لم يستوعب أن مخرجات الثورة الشعبية قد فتحت الباب لإمكانية وجود حل للقضية الجنوبية في إطار حل القضية الوطنية بشكل عام.
وإذ يزايد حراك محمد علي أحمد على بقية مكوّنات الحراك الجنوبي في إطار الصراع القديم - الجديد في الساحة الجنوبية؛ فإنه حاول أن يلوي ذراع كل المكوّنات المتواجدة معه في «موفمبيك» الفندق الذي شهد انبثاق تياره الحراكي كطرف أساس في الحوار الوطني ومنافس لبقية مكوّنات الحراك التي تتواجد على الساحة الجنوبية وترتبط بأجندات إقليمية بين طهران وبيروت وغيرها.
الإذعان لابتزاز خطاب التشطير؛ سيضع اليمن في مسار التجزئة والحرب الأهلية، والمخرج الوحيد هو إنتاج الصيغة الوطنية ضمن سقف الوحدة اليمنية.
ومن يبحث عن انفصال آمن فعليه أن يكف عن الوهم؛ وأن يذهب إلى الساحة الشعبية الجنوبية التي رفضته منذ ست سنوات، فلو كان الشارع الجنوبي مؤيّداً لدعوات «فك الارتباط» لكان الوضع قد اختلف منذ 2009 وفي 2011م، والآن.
قبل الثورة عجزت المكوّنات المتطرّفة عن إخراج مظاهرة واحدة أثناء تنظيم كأس الخليج في أواخر 2010م، وأثناء الثورة الشبابية في 2011م رفض الشارع الجنوبي جنون الدعوات الانفصالية لإسقاط المحافظات والمديريات؛ مع أن الدولة كانت شبه مشلولة، والخيار ممكناً، وفشل لأن أغلبية الجنوبيين ليسوا مع الانفصال، وسوف يخذل الشارع الجنوبي كل الدعوات المتطرّفة لأن الرهان على حل القضية الجنوبية في إطار حل القضية الوطنية اليمنية أصبح ممكناً ومتاحاً