لا يزال محمد الدعري يشعر بخيبة أمل كونه لم يتمكن من قتل الصحفي عبدالرقيب الهدياني.
وكمتعهد قتل فشل في إنجاز مهمته يقول بدم بارد "عبدالرقيب الهدياني زحفنا من البحث عليه وقد رحنا الى بيته ودخلنا الى البيت ندوره".
تسرد النيابة اعترفات المتهمين في محاضر التحقيق بالاشتراك في واحدة من خلايا الاغتيالات التي نشطت في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية خلال السنوات الماضية ومن كلمات الدعري يظهر مدى الحنق من صحفي لأنه تمكن من التخفي وأفلت من يد القتلة يستطرد الدعري "عبد الرقيب الهدياني ماشي معلومات مضبوطة عليه، والا الله لندخل له الى البيت" يمتد حنقه على مشغليه الزعماء السريين وموجهي الاغتيالات الذين يسميهم "طحاطيح" يقول "معنا كمن طحطوح لكن ماشي يقولوا أين الأماكن اللي يوجد بها" ويقصد الهدياني.
قد لا يكون عضو خلية الاغتيالات "الدعري" ورفاقه يعرفون عبدالرقيب شخصياً لكن مشغليه أخبروه أنه هذا الشخص خطر على "الجنوب" ما جعله يتحول إلى كتلة من الحقد على من يصفهم بـ"أصحاب علي محسن الذي خربوا البلاد"، من تتبع الاعترافات التي يبدو فيها قدر كبير من السذاجة تتسلل إلى القارئ مشاعر التعاطف مع "القاتل" كونه أحد الضحايا الذين وقعوا في يد "الطحاطيح" كما يشير إليهم، ويشغلون شباناً فقراء كقتلة تحت مظلة "قالوا لنا إن احنا ضمن قوات مكافحة الإرهاب" حسب إفادته التي وردت في محضر النيابة.
عبدالرقيب الهدياني صحفي يمني بارز، وُلد في 29 يونيو 1973 في قرية جبل المعفاري، جحاف، محافظة الضالع، وعمل خلال مسيرته المهنية في عدة وسائل إعلامية، وكان آخر موقع شغله هو نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة "14 أكتوبر" للصحافة والنشر، وهي أكبر صحيفة حكومية يومية في عدن، قبل أن تتوقف عن الصدور بسبب الحرب.
من حديث المتهم الدعري ورفاقه يبدو أنه لا تهمة للصحفي الهدياني يستحق عليها القتل سوى أنه ينتمي لحزب الإصلاح وتلك بنظرهم جريمة كافية لأن ينال صاحبها عقوبة القتل.
بلهجة مماثلة لتصريحات أدلى بها عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الإنتقالي المنادي بانفصال جنوب اليمن، مؤخراً على هامش حضوره منتدى دافوس الدولي، قال الدعري إنه متخصص في اصطياد المنتمين لحزب الإصلاح والقاعدة وهو يفصح عن ذات الفكرة التي عبر عنها الزبيدي الذي صار عضواً في مجلس القيادة الرئاسي وهو يلصق تهمة الإرهاب بالإصلاح مشيراً إليهم بوصفهم "الإخوان المسلمين" وهي التسمية المجرمة لدى نظام الإمارات الداعم له، والذين قال إنهم "إرهابيين بالفطرة"، قبل أن يعود ويقول في جملة لاحقة إنهم معاً، يقصد الإنتقالي والإصلاح، شركاء في الحكومة والرئاسة.
يعود الدعري متوعداً الصحفي الهدياني: "الهدياني لو انا داري اينوه والله اني ادخل له للبيت، وجلست جمب بيته بسمع عليه إذا هو موجود ….".
كان الصحفي زكي السقلدي الذي عمل مراسلاً لموقع المصدر أونلاين قد وقع بسهولة في فخ القتلة، برصاص شخص آخر من أفراد خلية الاغيتالات يدعى "عنتر كردوم" حسب اعترافات الخلية في تحقيقات النيابة واصطادوه برصاصاتهم التي كانت تواظب بانتظام في إطفاء قلوب الضحايا المدرجين على قوائمها وهم في الغالب نشطاء وتربويون ودعاة ويصنفهم معد القائمة إنهم ينتمون لحزب الإصلاح أو للقاعدة ويكرر المتهمون في اعترافاتهم أمام النيابة والموثقة بالصوت والصورة أن "الإصلاح والقاعدة سوا".
لكن الهدياني، الصحفي الذي ظل صوتاً قوياً مناهضاً للمجلس الإنتقالي والعبث الذي تمارسه الإمارات عبر مليشياتها المسلحة في جنوب البلاد، كان أكثر حذرًا مما توقع القتلة، إذ لم يترك أثرًا سهل التتبع، وهو ما جعل القتلة يفشلون في رصده وتنفيذ عملية اغتياله. وفيما غادر مئات الصحفيين إلى المنافي اختار الهدياني البقاء داخل البلد لكنه وجد نفسه مجبراً على التخفي إذ لا يزال مختفياً حتى اللحظة.
مضت الاعترافات التي عرضتها النيابة في تسجيل مصور يمتد لـ "16 دقيقة" في سرد وقائع الاغتيالات التي فتكت بالحياة في عدن وما حولها وكانت تحدث بشكل شبه يومي خلال السنوات الممتدة بين 2015 – 2021 إلا أن محامي المتهمين يبدي ملاحظات فنية على مقاطع التسجيل ويطالب المحكمة بإسقاطها، وفي ذلك مؤشر لإمكانية إفلات المتهمين من العقاب في حال شعر المشغلون الرئيسيون أن يد العدالة قد تصل إليهم أيضاً.
وضمن اعترافاته، كشف الدعري عن تفاصيل جريمة اغتيال التربوي علي الدعوسي، الذي كان يشغل منصب مدير مدرسة في منطقة التقنية، مشيرًا إلى أن الضحية تم استهدافه لارتباطه بحزب الإصلاح.
وقال الدعري: "تم اغتيال علي الدعوسي من قبل شايف علي شايف وأشرف محمد رشيد، وكان عبد العزيز فضل غالب هو الراصد، وأنا وأبو كاظم ووجيه كنا مراقبين ومرافقين لتنفيذ العملية، وتم تنفيذ الاغتيال حوالي الساعة العاشرة مساءً."
ومع ذلك، لم يقتصر استهداف الخلية على الشخصيات التعليمية والسياسية، بل امتد إلى رموز دينية بارزة مثل الشيخ صالح حليس، حيث اعترف الدعري قائلًا: "تم اغتيال الشيخ صالح حليس أمام المعهد المهني قرب مسجد الرضا، ونفذ العملية أشرف محمد رشيد وشايف علي شايف، بينما كان أبو كاظم داخل سيارة في موقع قريب، وأنا كنت أحد المرافقين للعملية."
وجاء هذا الاغتيال في هذا الموقع ليضيف بعدًا مرعبًا إلى جرائم الخلية، حيث استغل المنفذون أماكن عامة ودور عبادة لتنفيذ عملياتهم، ما يكشف عن استهانتهم التامة بحرمة هذه المواقع.
وفي خطوة تكشف عن مدى خطورة هذه الخلية، تضمنت اعترافات الدعري تفاصيل عن محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق أحمد الميسري باستخدام عبوة ناسفة.
حيث أكد قائلًا: "تم تجهيز العبوة من قبل غسان أحمد شايف، وتم نقلها من منزل أبو كاظم في مدينة الشعب إلى مستشفى البريهي، وكان المخطط أن يتم استهداف الميسري أثناء مروره المعتاد من منزله باتجاه المستشفى، لكن العملية فشلت بسبب تعطل جهاز التحكم بالعبوة، وبعدها تم تفكيكها وإعادتها إلى منزل أبو كاظم"، وأبو كاظم هنا هو الكنية التي كان يختفي خلفها "سامح النورجي" وهو شقيق سميح النورجي لأحد زعماء المجموعات المسلحة النافذين في عدن وتردد اسمه كثيراً مؤخراً كمتهم في جريمة إخفاء المقدم علي عشال الجعدني الذي لا يزال مصيره مجهولاً وقضيته مشتعلة.
ولم يكن الناشط عادل الجعدي أقل حظًا من غيره من المستهدفين، لكنه نجح في النجاة من محاولة اغتيال خططت لها الخلية، حيث أوضح الدعري كيف تم زرع عبوة ناسفة أسفل سيارته قائلا "تم وضع العبوة تحت سيارة الجعدي من قبل عنتر كردوم، عبد العزيز فضل غالب، وأشرف محمد رشيد. كانت السيارة من نوع تاكسي أجرة، وانفجرت العبوة بالفعل، مما أدى إلى احتراقها بالكامل، لكنه نجا من الحادث".