الجرعة القادمة وحقائق الهجمة الاستعمارية على اليمن

2014/04/04 الساعة 05:19 مساءً

أفرز مؤتمر الحوار مخرجات يحتاج تنفيذها إلى ميزانية مضاعفة، ومع ذلك نجد تشجيعاً ‏وإلزاماً أجنبياً بتنفيذها، دون أية مراعاة للجانب الاقتصادي على الأقل، وليس الجانب ‏الاستراتيجي أو السياسي والمخاطر التي تهدد كيان الدولة والنسيج الاجتماعي للبلاد. ‏

وفي السياق، تمارس الجهات الأجنبية ضغوطاً شديدة على الحكومة اليمنية من أجل ‏الجرع السعرية ورفع الدعم عن المشتقات، وكأنها حرب مقصودة على الشعب اليمني ‏ولنحسب بالأرقام والحقائق هذه القضايا:‏

وأقرت الحكومة ميزانية بنحو 13.4 مليار دولار للعام 2014 بواقع عجز أكثر من 3.1 ‏مليار دولار، ويقدر الدعم المقدم للمشتقات النفطية من الحكومة 1.5 مليار دولار (نحو  331 ‏مليار ريال). ‏

أي أنه في حال رفع الدعم كلياً عن المشتقات النفطية، فإن ذلك لن يغطي سوى نصف عجز ‏الحكومة، مقابل الأزمة التي من المتوقع ان تحدث نتيجة رفع الأسعار ونهب المواطنين ‏البسطاء، في حين راتب الموظف في الدولة لا يوفر أدنى حياة كريمة. وبالتالي يمكن أن تكون ‏هذه الخطوة مدخلاً لمزيد من الفساد والخراب!‏

‏**‏

من جهة أخرى، يمكن رفع الدعم عن المشتقات لو كان ذلك ضمن برنامج حكومي وطني ‏سيؤتي ثماره بما يخدم الدولة ويمنع التهريب. لكن عندما يأتي نتيجة الضغوط الخارجية بدرجة ‏أساسية، فيجب أن نضع حوله مئات الدوائر، خصوصاً أن هذا الخارج يعمل بكل وسائل ‏ضغطه بالدفع بالبلد إلى المجهول. وأدواته في هذا الصدد المؤسسات الاستعمارية، البنك ‏الدولي، صندوق النقد الدولي... ما يسمى "المانحين" إلى ما وراء ذلك من مسميات هي أقرب ‏ما يكون إلى أدوات من بين أساليب وأدوات أخرى تمثل بمجملها حرباً مستعرة لإفشال ‏اليمنيين. ‏

ويبلغ حجم ما تسدده الحكومة كفوائد ربوية على القروض للبنوك "أذون الخزانة" ملياري ‏دولار (419 مليار ريال) تدفع لـ6 بنوك محلية (حسب الزميل محمد عبده العبسي). أي أنها أكثر ‏من دعم الحكومة للمشتقات النفطية، وإذا فرضنا الحرص الدولي على توفير الدعم للحكومة، ‏فإن يمكن أن تقدم الدول الضاغطة تسديد القروض، فتوفر المبلغ دون أن تضطر لإلقاء الأزمة ‏على كاهل المواطن. ‏

ومن جهة ثانية، تخسر الدولة من مليار إلى ملياري دولار، جراء الهجمات التخريبية التي ‏تستهدف أنبوب تصدير النفط والغاز، في حين أن مصارحة الشعب بالجهات التي تقف وراء ‏هذه الهجمات والقيام بإجراءات لحمايتها، عمل أسهل مما يمكن أن يحدث جراء اللجوء إلى ‏نهب المواطن الذي لا سلاح له ليحارب الدولة ويحصل على امتيازات كما يفعل المتمردون ولا أحزاب مسؤولة تدافع ‏عن حقه. ‏

ليس فقط! تتجه البلاد في ظل وزير التجارة والصناعة الحالي سعد الدين بن طالب إلى ‏خسارة المزيد من المصادر، كقطاع الاتصالات الذي يدر دخلاً على الدولة بنحو 60 مليار ‏ريال، وذلك عن طريق الانضمام إلى المنظمة الاستعمارية الجديدة التي أصبحت على الأبواب، ‏وهي منظمة التجارة العالمية.. ليس فقط خسارة نتيجة الخصخصة.. وإنما سيكون اليمن ‏مجبراً على استيراد من أسواق أوروبية وأمريكية بأسعار باهظة، بما يزيد الأعباء على ‏المواطن. ‏

ومن ذلك نجد أن الحكومة تستطيع توفير مليارات الدولارات إذا ما اتجهت لضبط الأمن ‏وحصلت على دعم للتخلص من القروض الربوية، دون اللجوء لنهب المواطن في ظل غياب ‏أي ضمانات بأن مثل هذه الخطوة ستدر فائدة على البلاد.!. ‏

لنعد إلى الوراء ونبحث في الجهات التي ضغطت من أجل جميع الجرع السعرية التي أثقلت ‏كاهل المواطن سنجد أنها من كوارث صندوق النقد والبنك الدولي، ومثل هذه المنظمات ‏والمؤسسات الدولية الاستعمارية. ‏

**

لنصل إلى ما هو أهم:  ‏مخرجات مؤتمر الحوار التي اعتبرها عبدربه منصور هادي والسفراء خطاً أحمر، ويطبلون ‏لها ليلاً ونهاراً، هذه المخرجات تفرض على الحكومة المناصفة بالمساواة بين ‏‏"شمال" و"جنوب" في المناصب القيادية في الدولة. ويترتب على هذا التوظيف حسب الهوية ‏لا حسب الخبرة والحاجة والمؤهل، فساد كبير.. وهذا ليس إلا جانباً. ‏

الأمر الآخر، أن مؤتمر الحوار أقر تحويل اليمن من دولة "بسيطة" إلى دولة ‏‏"اتحادية مركبة". لا يختلف اثنان متخصصان أو خبيران على أن الميزانية في الدولة الاتحادية تكون ‏مضاعفة، لماذا؟ لأن الدولة البسيطة حكومة واحدة وبرلمان واحد وجهاز قضائي واحد، ‏وميزانية جميع المحافظات، كما هو مذكور في موازنة هذا العام تبلغ 504 مليار ريال (2.35 مليار دولار). في ‏حين تحتاج الأقاليم  قرابة  15 مليار دولار. ‏

يتطلب تنفيذ مخرجات الاتحادية حكومة وبرلمان على الأقل لكل إقليم 7 حكومات و7 ‏برلمانات. (أحد ‏الراضين مبدأيا عن الفدرالية والأقاليم، قدر الموازنة التي يحتاجها كل إقليم 2.5 مليار دولار، ‏وبالتالي ميزانية الأقاليم تساوي 15 مليار دولار، ولو وضعنا 10 مليار للدولة الاتحادية، تكون ‏الميزانية الأولية التي يتطلبها تنفيذ مخرجات الحوار 25 مليار دولار) . ‏

سيقول أحد البسطاء أو الخبثاء إن اليمن واعد بالثروات، كما يقول الرئيس عبدربه منصور ‏هادي في لقاءاته المادحة للأقاليم.. قولوا له أن ينزل كلامه علمياً وعملياً ويخرج الثروات ويفرض ‏الأمن لنصدق!‏

‏**‏

يقول بعض المبشرين.. إن الأقاليم ستقضي على الفساد، وبالتالي تتوفر الميزانية.. وليكم، اقضِ على الفساد؟ ما هي الضمانة أن ينتهي الفساد؟ هل تدخل 25 مليون يمني في معمل ‏تجربة مفروغ منها. ناقش ووضح وليس فقط تقفز بالبلاد إلى المجهول!. ‏

يكفي كذب على الشعب! كان تغيير علي عبدالله صالح أكبر محطة اختبار للشائعات والأوهام ‏وحتى الأزمات. لم يؤدِ تغييره إلى أي تقليص للفساد، بل ازداد! فإذا كانت خطوة كبيرة مثل ‏هذه، لم ينتج عنها إيقاف الفساد ولا إيقاف الُجرع، فالذي سوف يصدق أي كذبة أخرى دون أن ‏يمعن النظر. يتحمل المسؤولية. والذي يصدق أن النظام السابق يعرقل عليه فقط أن يتأكد ‏ويبحث وراء الحقيقة وبعيداً عن الشائعات والمكايدات، وهذا ليس تبرئة لأحد، بقدر ما هو ‏دعوة للبحث الجاد عن الحقيقة حتى لا تتسلق مصائب جديدة على عاتق الأوجاع بتلقين الشعب سموماً على أنها أدوية.

الشاهد.. مما سبق كله.. هل يعتقد البعض أن الدول الأجنبية التي تشجع الفدرالية وأصدرت ‏قراراً تحت "البند السابع" ساذجة؟ وأنها لا تعلم أن الدولة الاتحادية تحتاج إلى ميزانية ‏مضاعفة؟ هل هناك من يصدق أنها "ساذجة" وأنها لا تعلم أن مشكلة اليمن الأولى بالاقتصاد؟ ‏أليست دولاً لها تاريخها ولها إنجازاتها العلمية ويعرف أدنى باحث سياسية وفي تكوين دولة، ‏أن الدولة الاتحادية تحتاج نفقات كبيرة مقارنة بالدولة البسيطة؟!. ومن أراد أن يتأكد من هذه ‏المعلومة فليتأكد. ‏

حقيقة شروط المانحين

منذ العام 2006، وربما قبل ذلك، نسمع الحديث عن "المانحين" ولم يُمنح اليمن من ذلك اليوم ‏إلى اليوم، بقدر ما فرضت عليه سياسات تدميرية أدت إلى المزيد من التدهور الاقتصادي ‏والسياسي. من يصدق أن مقدار ما منحه المانحون لا يساوي ما يخسره اليمن سنوياً من تفجير ‏أنابيب النفط والغاز.. يتعذرون بفساد الحكومة وعدم التزامها بالشروط المقدمة من صندوق ‏النقد التي تجعلهم يوفون بوعودهم. والناس دائماً يميلون إلى اتهام الحكومة، دون أن يتمكنوا ‏من قراءة حقيقة هذه الشروط، ليعلموا أنها شروط مدمرة. ‏

 كانت أحزاب المعارضة تتهم حكومات نظام صالح بأن فسادها وعدم ‏التزامها بالشروط هو السبب في عدم تسلم دعم المانحين. جاءت حكومة من معارضي ‏صالح وحكومة تمنع ظهور صورته بالتلفزيون الرسمي، وفي ظل أزمة استثنائية خانقة، وهاهي ذي ‏الحكومة تعجز في استلام دعم المانحين رغم أنها قدمت تنازلات وفتحت مكاتب استعمارية في ‏العديد من المؤسسات الهامة. قولوا لحكومة وزير تخطيطها الدكتور محمد السعدي، من معارضي النظام السباق، أن تجلب دعم ‏المانحين، مهما فعلت ونفذت السياسات!!! ‏

لن يتم!. ولن يتم! حتى لو ذهبت حكومة المشترك وحكومة المؤتمر وجاءت حكومة عاجلة ‏من المريخ، لن تأتي أموال المانحين، لأنها تستخدم لشروط من شأنها هدم الدولة.. والذي ‏يدقق في اللعبة الاستراتيجية الدولية يوقن بذلك. ‏

ما هي شروط المانحين؟ ونحن لا نقصد الدول المانحة ممثلة بدول الخليج، وإنما الدول ‏الاستعمارية المشرفة على عملية المانحين وصندوق النقد وما إلى ذلك..؟ ما هي الشروط؟

الشروط، على رأسها، جرعة سعرية، بما ينتج عن ذلك من أزمة على المواطن يُتوقع أن ‏تكون خسارتها أكبر من فائدتها، وكما أوضحنا لن تغطي العجز. ‏

من الشروط الأخرى، تغيير بعض من لا يرقون للدوائر الأجنبية واستبدالهم بعناصر خارجة ‏من مخابزها.. تحت مسميات عديدة.. تأهيل. تلفيق تهم.. ‏

من الشروط الأكيدة الآن، والتي ستحل بقوة بعد الجرعة: تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار. ‏والتي يتطلب تنفيذها عشرات المليارات من الدولارات؟. ‏

خلاصة الأمر، إنها حرب مستعرة على الشعب اليمني، تهدف لتقويض الكيان اليمني وتقسيم ‏البلاد.. إنها حرب قذرة تستغل الخلافات الداخلية بين الأطراف. حتى لو جاءت أي حكومة فلن ‏يعطوا شيئاً يستحق الذكر. هؤلاء هم فرق ماكينة "الفوضى الهلاكة" و"فرق تسد" التي نكبت ‏الأمم والقارات والدول.. فليتوحد اليمنيون ما أمكن ويتعالى الجميع على الجراح وليسقطوا الخديعة التي ‏أدخلت إلى رؤوس الكثيرين بالعداء نحو الآخر المحلي، ولا مخرج غير ذلك. بلدنا اليمن ‏يتعرض لأشرس هجمة استعمارية مرت من دول عديدة.. وما على الجميع إلا النظر في التجارب الدولية الأخرى، ليرى أن السيناريو يتكرر.