تفاصيل ما يجري في مصر ودور الإمارات والسعودية.. وأمريكا

2013/07/11 الساعة 05:54 مساءً

على قدر النفوذ والقوة التي وصلت إليها الولايات المتحدة الأمريكية وسيطرتها على العالم بحراً وجواً وبراً، وعلى الفضاء الخارجي والإعلام والمال، جاءت حرفية العمل في المنطقة العربية والمؤامرة التي اتضحت أكثر في انقلاب مصر وإعادة الإسلاميين من أعلى هرم في السلطة إلى السجون.

الخطة الأمريكية في المنطقة العربية لا تستنثي الانقلابيين ولا داعمي الانقلاب من السعودية والإمارات، بل هم جميعاً، مصريون وخليجيون، مجرد أدوات تم استخدام حقدها وجهلها، وسوف يتم الاستغناء عنها عند وصول الوضع إلى مرحلة ماً، وسوف تدفع الإمارات والسعودية وغيرهما ممن تورطوا بدعم الانقلابات والفتن ثمناً باهضاً، ليس عن طريق الإخوان، ولكن عن طريق الحلفاء الغربيين الذين دفعوها إلى هذا الموقف وعملقوا مخاوفها وعن طريق الانقلابيين المحليين أدوات التنفيذ التي تسلمت المليارات لقمع إرادة شعب مغدور.
كيف ذلك؟

الإخوان
بدأت المصيدة باستدراج الإخوان المسلمين إلى هرم السلطة في مصر وكان القائم بإرسال التطمينات على قدرٍ عالٍ من الثقة بنفسه وقدرته على التعامل مع الأوضاع في أسوأ أحوالها، باعتباره يملك أبرز عوامل السيطرة، والتي هي: المال، الإعلام، القوة.

أما المال، فصناعة أزمة اقتصادية لمصر كفيلة بإخضاعها، لأن 100 مليون غير قادرين على تحمل أزمة أكبر، وعن طريقه يتم شراء الذمم، وغير ذلك لقلب الوضع..

أما، الإعلام، فمعلوم أن وسائل الإعلام العالمية الكبرى تحت نفوذ أمريكا، و60% على الأقل مما يبث في وسائل الإعلام صناعة أمريكية، ووسائل الإعلام العربية كلها تحت السيطرة، باعتبار الدول التي تبث منها تحت الوصاية الأمريكية. وتستطيع أن تستخدم نفوذها في الوقت المناسب وفي الظروف الحرجة، ولذلك بدأ الانقلاب على مرسي من قطر بانقلاب أبيض على حمد وتنصيب ابنه. وأيضاً الانترنت عبارة عن أنبوب يجمع المعلومات حول العالم وينقلها إلى وزارة الدفاع الأمريكية. يمكن تقرير مصيره بلمسة زر.

أما القوة، فهي متكاملة، بالنفوذ على الجيش المصري وعلى أغلب الأجهزة الأمنية والعسكرية العربية، غواصاتها وقواعدها وطائرتها وأقمارها في الجو والبر والبحر والفضاء الخارجي..

كل ذلك جعل أمريكا مستعدة للمواجهة في كل الحالات وعلى قدر كافٍ من الثقة. فهي كمن سمح بخروج الإسلاميين من السجن لمعرفة ماذا سيفعلون وكم نسبة تأييدهم في أوساط الشعوب، ولدى وصولهم إلى نقطة ما، يكتشفون أن هناك سوراً كبيراً يحكم القبضة حول السجن، وهو السيطرة الدولية التي هيمنت على الأنظمة السابقة وفرضت عليهم ملاحقة الإسلاميين وشجعتهم على التوريث.. وحينها يدرك (الخارجون من السجن) أن تسرعهم في الوصول إلى السلطة كان فخاً.

بعد الربيع
في ليبيا واليمن وسوريا لحق العامل الدولي السيطرة والتحكم بمسار الثورات سواء من خلال جعلها طريقاً إلى التقسيم أو من خلال بحور الدماء التي سالت وتسيل.. أما في مصر فقد وصل الإسلاميون إلى أعلى هرم في السلطة، وأصبحوا القوة الأبرز، لذلك لابد من خطة محكمة تعيدهم إلى السجون الأدنى وتحيل الربيع العربي خريفاً تتمزق فيه الدول وتنقرض وليس الأنظمة الديكتاتورية فقط.

ومن السذاجة استبعاد أن إسرائيل بدأت منذ اللحظات الأولى لسقوط مبارك وصعود الإسلاميين بتبني مخطط على قدر من الحرفية يتم فرضه قراراً على الإدارة الأمريكية المسيطرة على العالم، وهذا المخطط يجب أن يطبق في فترة المرحلة الانتقالية، بما فيها من انقسام ونفوذ للناقمين الخارجين من الحكم وفي ظل زحمة السباق إلى مقاعد السلطة وذهول الإسلاميين بالتحول المفاجئ والقفزة غير الطبيعية..

الوقيعة بينهم مع دول الخليج
عند فوز الرئيس محمد مرسي كان واضحاً أن هناك ترحيباً سعودياً ورسائل إخوانية مطمئنة لدول الخليج، وهناك الكثير من التصريحات والأحداث التي تثبت ذلك، لكن سرعان ما بدأت العلاقات تسوء بفضل أخطاء الإخوان الاستراتيجية ودسائس الطرف الذي لا يريد للتغيير النجاح. وبفضل أن الصوت المرتفع لأصحاب الحناجر على حساب أصحاب العقول بسبب حالة الديمقراطية والحرية المفاجئة.

جرت انقلابات داخل دول الخليج بإزاحة أمراء وقيادات وسطى وتصعيد آخرى، وفي المملكة العربية السعودية تم استغلال شيخوخة القرار ومرور المملكة بمرحلة غياب الاستراتيجية والسياسة الواحدة بين عهدين: العهد الذي شاخ، ولم يعد له من السيطرة والقرار والسياسات إلا اسمه، والعهد الذي يريد أن يكون من الجيل الثاني، وهو منقسم وغير واضح، فضلاً عن عدم وجود آلية واضحة للمستقبل.

تم استغلال مخاوف وجيهة وأخطاء استراتيجية لمرسي وجماعة الإخوان لتقديم تقارير مضللة إلى الدوائر السعودية تحذر من أنهم يستعدون لثورات في الخليج، وأنهم الخطر الأبرز على هذه الأنظمة في البلدان السنية وليس إيران، وما يعزز ذلك هو أنهم من أسقط مبارك وصالح وبن علي والقذافي، ثم كانوا هم البديل الأول. وكل ذلك لكي تقوم السعودية وأخواتها بتمويل الخطة الأمريكية الإسرائيلية والتي ستقذف بالإخوان وتجعل الجماهير العربية حذره من التفكير بالثورة مستقبلاً، جراء الكلفة الباهضة والفشل الذي منيت ثورات 2011. مع الإشارة إلى أن وضعاً خاصاً بالإمارات شكل مواقفها وسياساتها المتخبطة.

ابتلع الخليجيون الطعم وبدأت ملامح أزمتهم مع إخوان مصر وتحريضهم على الرئيس عليهم، وذهبت تطمينات الإخوان وتصريحات مرسي حول أمن الخليج أدراج الرياح، وتحركت خلايا الداخل وقوى النظام السابق التي تشكل أغلبية موظفي الدولة وقياداتها الإدارية وتسيطر على الأمن والجيش بإشارات من الخارج، وصولاً إلى انقلاب 30 يونيو الذي أعاد مصر إلى مرحلة ما قبل الثورة وأشد قمعا.

مصر ليست وحدها
من المهم ذكر أن ثورة التغيير في اليمن قد وقعت في شباك الخارج منذ وقت مبكرٍ، ليس فقط الثورة، بل البلاد كلها، فمطالب الشعب بإزاحة القوة المسيطرة الوحيدة تحققت، ولكن لتتحول البلاد إلى مراكز قوى ضعيفة تسيطر عليها قوة الخارج التي لم تكتفِ بالسيطرة بل ذهبت لتحويل الخلاف والانقسام من سلطة ومعارضة وثورة ونظام إلى أزمات على أساس شمال جنوب واستغلت انقسام قادة الجيش ومطالب الشعب بإزاحة رموز النظام السابق لتقوم هي بهيكلة الجيش وتفصيله بحسب أولويات الخارج وليس تحديات الداخل. إن لم يكن تفتيته. وهناك أمور غير ملموسة حالياً قد تفاجئ الجميع لاحقاً.

ويمكن أن يقود انقلاب مصر البلاد إلى وضع شبيه باليمن، خصوصاً مع سعي حثيث إلى توريط الجيش بمواجهة أبرز القوى في المجتمع والتي فازت بأغلبية في الانتخابات. وذلك لتفتيته وضرب الإسلاميين به.

فما الذي يُراد للمنطقة؟
الأحداث تعيد إلى الأذهان ما جرى في العام 1990 من أحداث كانت الخطوة الفاصلة لبداية التوغل الجديد وإعادة أساطيل الاستعمار الأجنبي ووصلت إلى إسقاط العراق وتدميره ثم تسليمه لإيران بأموال خليجية، ولابد أن الخليجين قد شعروا بالندم وأن سقوط العراق فتح الباب لإيران لتعبث طائفياً ومذهبياً خلال السنوات الماضية وإلى اليوم.

خطورة ما يحدث اليوم، تكمن في أنه يعيد صياغة الخارطة العربية، وينقل الطوائف والأقليات من مكونات داخل المجتمعات إلى دويلات.. فلن تأمن إسرائيل مصر وثقلها الحضاري والسكاني إلا بإقامة دولة في سيناء، ولن يأمن الآخرون صعود أنظمة وطنية في هذه المنطقة إلا إذ تم ضرب عوامل القوة الممكنة.

وقد أثبتت ثورات الربيع العربي أن الدول العربية لا تزال أمة واحدةا، فسرعان ما تكرر مشهد تونس في مصر وتكرر مشهد مصر في اليمن وسوريا وليبيا، وكانت المظاهرات والشعارات كأنها في مدينة واحدة. ما يعني أن هذه الشعوب لو حصلت على الفرصة فقد تتوحد خلال سنوات. ولابد من إعادة النظر في الخارطة التي رسمتها بريطانيا في السابق.

دول النفط
الولايات المتحدة الأمريكية تتجه للاستكفاء الذاتي من النفط، ولم تعد منطقة الخليج مهمة ويجب الحفاظ عليها، بل هي الهدف التالي بعد تقسيم اليمن وإغراق مصر في الفوضى والتقسيم.. وهذا الأمر يعززه الكثير مما يدور، ليس أقله تشجيع النعرات والأقليات المذهبية وتوريط هذه الدول بدعم الفوضى ومخططات التمزيق في البلدان المجاورة. وهي تعرف الكثير مما يعزز هذا الاتجاه.

مصر إلى أين؟
الهدف ليس الإخوان، التحدي الأعمق الذي يمنع مجيء مصر، بالإخوان وغير الإخوان، على المدى القريب والبعيد هو الهوية والشعب والدولة والعقيدة، فالجيش الذي يقوم اليوم بالانقلاب على الإخوان قد لا ينقلب مستقبلاً، والأخطاء التي وقع فيها الإخوان قد لا يقعوا أو يقع غيرهم فيها مستقبلاً. فما دام الشعب المصري كتلة واحدة والدولة مؤسسة واحدة، فمن الممكن أن يفيق بأية لحظة وبأي القوالب السياسية والقومية والإسلامية ليحرر مصر.

لذلك، حتى لو لم يرد الانقلابيون الانبطاح للخارج والتورط بمزيد من العنف، فإنهم سيجبرون على ذلك، بعد أن تم توريطهم بالانقلاب، فإما المزيد من الانجرار وراء المخطط الخارجي ومواجهة إرادة الأغلبية، وإلا سيتم إدانتهم بالانقلاب نفسه وعمل انقسامات في صفوفهم.

البصمة الأمريكية
المهم في ذلك، أن اللاعب الأمريكي الذي يسدد أهدافاً صهيونية لديه أوراق عديدة لتمزيق المنطقة وإدخالها في حلقات ضياع ودمار لا يمكن تخيل أسوأ سيناريوهاته.

لملاحظة الدور الأمريكي يمكن آخذ هذا التصريح أمس: "البيت الأبيض: واشنطن سوف تستغرق وقتاً لتحديد ما إذا كان ما حدث في مصر ضد مرسي انقلاباً أم أنه حفاظاً على سلامته". ويأتي هذا التصريح رغم تصريحات وزارة الدفاع باتصالاتها المستمرة مع قائد الانقلاب الفريق عبدالفتاح السياسي..

ويبدو أن الهدف من إبقاء الموقف في المنطقة الرمادية فيما يخص البيت الأبيض هو ممارسة الضغط على الانقلابيين الذين يحاولون التملص من بعض الإملاءات حرفياً. وإذا حاولوا التملص تهددهم بأنها سوف تعتبرتهم انقلابيين وتفتح قنواتها ضدهم. وهذه ورطة الخيانة التي تجر الانقلابيين إلى مزيد من الخيانة رغماً عنهم..فالانقلابيون على الديمقراطية وخيار الأعلبية لا يستطيعون إلا أن يكونوا استبداديين.. لأن هامش الحرية والمصالحة قد يتسبب في تعاظم السخط ضدهم. والخارج الذي ورطهم بدعم الانقلاب يهدد بالانقلاب عليهم إذا لم يسلكوا برنامج الخارج. ولأنهم قد انقلبوا على الأغلبية، فإنهم لا يملكون إلا التوكؤ بعصا الخارج وضرب الداخل.

ولكي تتعزز بصمة أمريكا الاحترافية الكبرى بما يحدث في مصر، فما علينا إلا أن نرى التوافق الناصري الاشتراكي الليبرالي الإيراني الخليجي العجيب ضد الديمقراطية وسكوتهم عن إسالة الدماء، ليس لأنهم عملاء، ولكن لأن الطرف الذي يدير اللعبة لديه قدرة فائقة وخيوط واسعة يستطيع عن طريقها جر التناقضات والقوى المختلفة إلى مربع واحد لا يخدم أحداً يريد الاستقرار والسلام بهذه المنطقة.

وسأختم بهذه النقاط السريعة:
اليمن يعيش على الحافة تحت الوصاية الدولية ويجري تقسيمه بواسطة الوصاة. ومؤتمر الحوار يتجه لإنهاء شبه الدولة واقتسامها بين الحركات الانفصالية بعد أن تم شدها في الأطراف ودعمها ميدانياً وسياسياً وجلبها بأغلبية للمشاركة في الحوار. ما لم تصحُ القوى الوطنية وتقوم بتفكيك هذه المؤامرة المهولة التي تهدد وحدة البلاد وليس صراعاً على السلطة فيها. فليت الوصاة اكتفوا بالسيطرة عن طريق الثقة التي منحها لهم اليمنيون، بل اتجهوا للتقسيم وإحياء النزعات والعصبيات وتهميش القوى الوطنية الحية.

السعودية هي الهدف التالي من تقسيم اليمن، ولديها عوامل ذاتية عديدة، وتجربة العراق تبين أن أمريكا تستخدم أموال الخليج لهدم دول عربية وتسليمها لإيران. وجماعة الحوثيين الموالية لطهران في اليمن بالطريق إلى إعلان دويلة إيرانية على الحدود مع السعودية بدعم أمريكي يعرف السعوديون كيف تتم إدارته.

مصر لن تنتهي أزمتها إلا بالتمزيق وإقامة دول أو دولة تفصلها عن إسرائيل، وهذا هدف أساسي وليس هناك من فرصة لتنفيذه سبقت، مثلما هو الحال .. مع تهور قادة الجيش في الانقلاب، الذي سيطيح بهم لاحقاً وتدخل مصر ما لا تحمد عقباه.. هذا إن لم تصحُ قيادات الجيش الوطنية ورجال التأثير لإبعاد قادة الانقلاب من الواجهة وعمل مصالحة وطنية حقيقية.
ويمكن القياس على ما سبق لتفسير الحالة السورية.

لا توجد جماعة تخريب في المنطقة العربية إلا والولايات المتحدة أقرب العارفين بكوامنها، أو المحركين لها، إيران نفسها مجرد أداة، ولا توجد استراتيجية عربية لأي نظام أو انقلاب سوف تحقق أهدافها.. الوقيعة أفظع من ذلك، والتصدي لها أسهل ما يكون إذا جنح العسكريون والطامحون للحكم في مصر إلى العقل وغلبوا مصلحة الوطن، وتراجعت جماعات التخريب والانفصال والنخب المخدوعة بالكلمات في بقية الدول عن السير في ذلك الطريق، ذلك أنها مجرد طريق وستكون حطباً للفوضى التي تعمل على خلقها