من الأبيات التي خدمت كثيرا العملية التعليمية في الوطن العربي في حينها، أببات مشهورة لشاعر النيل حافظ إبراهيم، ولاسيما قوله:
الأُم مـــدرســـةٌ إذا أعــددتــهــا أعـددت شـعباً طـيب الأعـراقِ
أظنه خدم قضية تعليم الفتيات اللاتي تعاطف معهن آبائهن أملاً في أن يصبحن أمهات صالحات، وهذه نباهة من حافظ، إذ لم يتعارض مع النسق العربي الذي يرى في الفتاة أُمّاً ليس إلا، وبطريقة مجازية زمانية، ترى الأنثى أمّاً من طفولتها على اعتبار ما سيكون.
حافظ، وشعره كان له صداه في النهضة العربية، وما يؤلمني أن مسؤولي وزارة التربية يطلقون هذه الأبيات بحماس كما لو أسرّهم بها حافظ الليلة الماضية.
في تقديري إن اللجوء إلى شعرية حافظ ما هو إلا حيلة دفاعية تجنبا الخوض في مشاكل التعليم الحقيقية ومشاكل الأمهات اللاتي ييتم إعدادهن في فصول مزدحمة أشبه بسجون المهاجرين غير الشرعيين، والتي من تفاصيلها الصغيرة أن نسبة كبيرة من الطلاب ينتقلون مراحل دراسية دون أن يتعرف عليهم معلموهم.
من يظهرون على قنوات الإعلام وفي الاحتفالات أو حتى الإذاعات المدرسية بالشعريات المصكوكة السالفة الذكر، ويتصورن حينها أنهم مثقفون وشخصيات خطيرة أشعر تجاههم بطريقة مثيرة للشفقة، وأقسم لكم أن «حافظ» لو كان حياً لانزعج من الذين يرددون أبياته وهم غارقون بمشاكل تعليمية لا أول لها ولا آخر.
ما أعنيه أن المرحلة الراهنة تتطلب حججاً معاصرة تقنع أهالي الفتيات بتعليمهن دون الخوض في كليات لم تعد مثيرة.. الجميع يوقن أن التعليم حاجة وضرورة وصارت مسالة مفروغ منها، لكن المسافات التي تقطعها الفتيات في الأرياف أو في المدن هي من تحول دون تعليم الفتيات.. حتى في المدن وفي وسائل التواصل العامة يجب تهيئة أجواء مشجعة لتعليم الفتيات، كأن تكون مركبات الطلاب حكومية ومجانية، وإن لم تستطع حكومتنا فما عليها إلا أن تضع قواعد ملزمة للمراكب العامة (الحافلات، الباصات) فتمنع الكراسي المصطنعة التي ترصف الركاب كما لو كا نوا بضائع من ذوات الاستهلاك اليومي (قناني ماء كوثر أو زبادي أو حتى أعلاف حيوانات).
ثقوا إن تهيئة الطرق الآمنة ووسائل المواصلات الآمنة للطالبات والطلاب ستكون أكثر نجاعة من بيت حافظ، فما يهم الأسرة وما يجب أن يحصل عليه الطلاب كحقوق هو أن تهيئ الدولة تعليماً آمناً بدءاً من وسائل المواصلات وانتهاءً بقاعات الدراسة والمناهج، وما تقدمه من مهارات ومعلومات عصرية تنعكس بشكل مباشر وسريع على سلوكيات الطلاب والطالبات.
لم يعد مثيراً للطلاب أن يقضوا أعواماً في مدرسة تروي أشياء لا تعنيهم وأفكاراً منقرضةً ومصطلحات متعالية، مع أنها موجودة من حولنا.
ما هو مثيرٌ ومشجعٌ أن يتعلم الطالب مهارات تقيه من أعداء مستقبله، ولاسيما الفقر والإرهاب، لكن للأسف الشديد يقضي الطالب طفولته وشبابه في المدارس، الجامعات، دون أن يتعلم مهارة واحدة تشعره بالأمان من الزمن ودوائره.
ولا أبالغ إذا ما قلت لكم أن معلم بناء- ألمنيوم- حديد ...إلخ، هو من يستحق التكريم بدلا من الرسل الذين يدورون في دوائر فارغة مع احترامي وتعاطفي الشديد مع كل معلمي اليمن، فقط، لأنه ليس ذنبهم ما هم عليه و/ أو فيه.
معلمو الحرف السالفة الذكر هم المعلمون الحقيقيون ويحترمون الزمن إذ يعدون أفراداً منتجين في فترة لا تزيد عن فصل دراسي واحد ،أما معلمو المدارس فهم يدورون في فراغ مخيف يشتكون أشباح الفقر والظلم والاستبداد؛ وليس أدل على ذلك من عودة كثير من المعلمين بالمفهوم التربوي إلى معلمي الحرف ليتعلموا مهارات عملية تساعدهم عل مواجهة العصر، ووزارة التربية تعرف قبل الطلاب والمواطنين الأعداد الهائلة للمعلمين الذين هجروا مدارسهم دون اكتراث ولا أسف وأصبحوا معلمين في حقول أخرى (مبزّغين – موزعي ماء- تجار- وأشياء أخرى).
أعود إلى «الأم المدرسة» التي تشقى بتعليمها في بيوت الزوجية لأنها ككثير من الشباب الذين اصطدموا مع الفراغ ووحش البطالة دون أن تمكنهم أدواتهم وأسلحتهم التعليمية من الثبات في عصر المهارات والإنتاج.
آسف يا حافظ، آسف يا طلابنا وطالباتنا، آسف يا معلمي اليمن.. عتبي فقط على من يرددون أبيات حافظ ويتركونا في شباك الشعرية التي تحول دون مناقشة قضايانا الكبرى والتي توجعنا طوال السنة وتغيب فجأة في و/ أو عن الاحتفالات.