" الثائر " آفة الثورة

2014/10/31 الساعة 09:39 مساءً

عادة ما تخرج الثورات تحت ضغط مشاكل هي في الأخير سوء إدارة , فالاستبداد و العبث والنهب والتعطيل والنفوذ و .. و .. كلها صور من صور سوء الإدارة بالمفهوم الواسع لسوء الإدارة في الدولة , ومن الطبيعي ان  يكون الحل للمشكلات التي خرجت الثورة ضدها هي إصلاح إدارة الدولة , وإصلاح الإدارة هي مهمة " الكفاءة " – والكفاءة مسمى يضم كافة الشروط المطلوبة من القدرة والنزاهة و التأهيل والخبرة والحياد ونحوه -  في المجالات المختلفة سياسيا واقتصاديا و إداريا و امنيا وعسكريا ورقابة وعدليا وغيره من الوظائف التي تتولاها الدولة .

لا تمثل صفة " ثائر " بأي حال من الأحوال صفة مرادفة  " للكفاءة ", وليس الثائر بصفته الثورية منفردة كفؤ للوظائف المختلفة ولابد له من ملازمة صفته الثورية بصفات أخرى هي التي بموجبها تصلح الإدارة اذا ما تولى الثوري مسئولية إدارة وضيفة ما ومن هذه الصفات الرديفة الأكاديمية والتخصص والخبرة ونحوه .

عادة ما تكون مشكلة الثورات بعد قيامها هم الثوار أنفسهم , وكل الثورات التي تفشل تفشل لأنها تقع في ما يمكننا تسميته  " بفخ الثورية " وهو الفخ الذي يتمثل في رفض الثوار تسليم الإدارة للكفاءة بحجه ثوريتهم او ان الأولوية للثوار  , وبذلك لا تحقق الثورة أهدافها و تفشل في فرض تطلعاتها و تهدر تضحياتها , وكل ما تفعله بوقوعها في هذا الفخ هو استبدال أسلوب إدارة سيئ بأسلوب إدارة أخر يكون سيئا أيضا , لأنه يعتمد على الثورية وليس على الكفاءة . وما لم يستوعب الثوار ان مهمتهم تتمثل في رفع يد الإدارة السيئة في الدولة و تسليم الإدارة ليد الكفاءة فأنهم حينها يحكمون على ثورتهم بالفشل وعلى جهودهم بالضياع .

هذا الكلام لا يعني انه يجب ان يقصي الثوار أنفسهم وإنما يجب ان يضعوا صفة الكفاءة نصب أعينهم باعتبارها وسيلتهم لتحقيق التغيير المنشود , وان لا يتعاملوا مع صفة الثورية كبديل لصفة الكفاءة لتولى الإدارة و القيام بوظائف الدولة , وواجبهم ان يرتبوا أولويتهم في تولى الإدارة في الدولة للكفاءة من الثوار  ثم للكفاءة من غير الثوار وقبل الثوار دون الكفاءة  .

إذا استوعب الثوار وعملوا لهذا الأسلوب في تولي إدارة الدولة فسيخلق تغيير حقيقي ولن يحرم من ثماره احد ثورا وغير ثوار  , بينما الاقتصار على صفة ثائر قد يمنح الثوار شي من الايجابيات لكنه لا يمنحها لأسلوب الإدارة وبالتالي للحياة ككل بحيث يلمسها الجميع , فلا يقوم تغيير جوهري في الواقع وتستمر عجلة المصاعب المترتبة على سوء الإدارة مستمرة في الدوران وباسم الثورة أيضا .

من الخطاء ان يتصور احد انه يمكن تحقيق تغيير ايجابي واسع شامل دائم بأي أسلوب كان غير أسلوب الاتجاه لإصلاح الإدارة في الدولة , والدولة كيان يتولى العنصر الإنساني فيه مهمة الإدارة , وما يجب هو التوجه فورا لتصحيح وضع المكون الإنساني في الدولة وفق مبدأ الكفاءة كمعيار أول .

أي أسلوب أخر غير فرض الكفاءة لتولي كل وظائف الدولة لن يحقق تطلعات الثوار على الإطلاق , وسواء بممارسة الثوار وظائف الدولة من خارجها او بإحلالهم في المكون الإنساني للدولة وفق لصفاتهم الثورية او التحول الى عمليات سياسية كتكوين مجالس او لجان او مؤتمرات او لقاءات ونحوه , فكل هذه الوسائل وغيرها – غير أسلوب تصحيح إدارة الدولة – لن تمكن الثورة من تحقيق التغيير الايجابي المنشود ولن تقود البلد الى الاستقرار ولن تخرجه مما هو فيه من المشكلات .

فقط طريق واحد هو اتجاه إجباري موصل للنتيجة المطلوبة والذي يجب ان يتوجه له ويفرضه الثوار وهو تسليم إدارة الدولة للكفاءة , وبالطبع أسلوب فرض ذلك هو حديث أخر لسنا بصدده ألان , ولكن يجب ان لا تغيب ألان هذه الحقيقة   لمن يريد ان يفرض تغييرا حقيقيا في البلد وان يصنع منجزا فعليا يلمسه الجميع ويستجيب له الجميع ويرضى به الجميع ويضع البلد في المسار الصحيح للتغيير المتنامي .