دأبت الثورة على اتهام الدولة بأنها لا تستجيب للمطالبات المتكررة لها للقيام بالتزاماتها و وظائفها , وتعتبر الثورة ان عدم قيام الدولة بالتزاماتها و وظائفها وعدم استجابتها لتلك المطالبات مبررا لها في الإبقاء والتوسعة لأوعيتها الثورية المختلفة بدأ من اللجان الشعبية ومرورا بلجان الرقابة الثورية وصولا الى المجلس الثوري واللجان الثورية واللجنة الشمالية الجنوبية .
في ذات الوقت دأبت الدولة على الحديث والمطالبة للثورة برفع وبالتوقف عن توسيع الأوعية الثورية التي تمارس بعض وظائف الدولة , و تعتبر ان هذا الأمر هو السبب في عدم قيام الدولة بمهامها ووظائفها كما تطالب به الثورة .
لسان حال الدولة هنا هو فخامة الرئيس هادي ولسان حال الثورة هو السيد عبدالملك الحوثي , وعلى خلفية هذه الأزمة الحاصلة بين الدولة والثورة منذ ثاني أسابيع ثورة 21سبتمبر و المستمرة حتى الان تسود حالة من تقاذف المسئولية بين الرئيس والسيد بدت جلية في أكثر من خطاب وفعالية . وبالطبع يتوقف الأمر عند هذا التقاذف مع استمرار كليهما بذات المنطق وفي ذات المسار في التعامل تجاه هذه الأزمة فالثورة تطالب الدولة والدولة تطالب الثورة , ثم يذهب كلا منهما في ترتيب خطوات جديدة مبنية على عدم تجاوب الطرف الأخر مع مطالبة وتزيد بذلك هذه الأزمة استفحالا في كل مرة .
لا يجب ان نتصور ان هناك رئيس دولة يتم التدخل في أداء وزارات دولته و يتم ممارسة بعض وظائفها بمعزل عنها و بعيدا عن قراره ويتم التلويح له بإسقاطه ويتم عقد لقاء لأدانه خطابه ويتم تكوين أوعية للتعاطي مع الشأن العام غير أوعية دولته وفي نفس الوقت يمكنه التعامل مع هذا الوضع كوضع طبيعي و يمارس مهامه ويدير دولته وكأن ليس هنالك شيء .
كما لا يجب ان نتصور ان هناك قائد ثورة تصدر ثورة خرجت ضد وضع الدولة المعطوب وما سببه ذلك من ويلات ومصاعب للبلد ولمواطنيه وفي ضل تحديات حقيقية يمكنها اذا وجدت المجال ان تطيح باستحقاقات تلك الثورة بل وتعرض البلد ومواطنة لأخطار إضافية فوق ما كان قبلها ويمكنه ان يتوقف ويلقي بزمام المبادرة من يده ولازال وضع الدولة كما هو بل ازداد سوء بفعل الأزمة الحاصلة بين الثورة والدولة .
ما يجب ان يراعيه الطرفان ان التوقف عند تقاذف المسئولية وتبادل " ركلات " المطالبة وكلا الطرفين يعلم ان ملابسات الاستجابة من الأخر لمطالبه ليست قائمة على الواقع ليس تصرفا صائبا , فلا الدولة قادرة على تلبية ما تُطالب به كون أجهزتها شبه معطوبة من قبل من جهة ولان أزمتها مع الثورة تضاعف هذا العطب من جهة أخرى , ولا الثورة يمكنها ان تلبي ما تُطالب به وكل ما بيدها هو اتفاق مكتوب على ورق بينما وضع أجهزة الدولة يراوح مكانه ولم يتم أصلاح أي قدر منه من جهة ولأن هذا الاتفاق المكتوب لازال يواجه مصاعب واضحة تعيق حتى الان التقدم المضطرد في تنفيذه من جهة ثانية .
ما على فخامة الرئيس هادي والسيد الحوثي ان يسلما به هو ان المعادلة التي ينطلق كلا منهما لمطالبة الأخر بموجبها هي معادلة غير مستقيمة لدى الطرفين , وان ما لدى كل طرف منهما هو نصف المعادلة المستقيمة فقط , وعليهما ان يعترفا اولا بوجود هذه الأزمة , وبان امتلاك اين منهما لكلا طرفي المعادلة المستقيمة لتمسك بطلبه في الوضع الحالي أمر غير ممكن ولن يتم .
هذا الأمر يفرض على فخامة الرئيس والسيد عبدالملك ان يتوجها عاجلا لمناقشة هذه الأزمة بصراحة كاملة , وان يتوافقا من خلال بحث مختلف جوانبها - وبتفهم كلا طرف لمخاوف الأخر- على صيغة عملية لمجاوزتها او على الأقل التخفيف من حدتها الى أدنى حد ممكن , و يتم العمل وفق هذه الصيغة لحين مجاوزة البلد هذا الوضع الحرج والوصول بأجهزة الدولة لحالة الجهوزية المطلوبة التي تمكنها من ان تجمع طرفي المعادلة المستقيمة لديها , وتقوم بوظائفها والتزاماتها على الوجه المقبول الذي يتيح لثورة التخلي عن نصف المعادلة الذي لديها حاليا دون تخوف من أي أضرار قد تلحقها .
ما لم يتم التعاطي الجاد والصريح جدا تجاه هذه الأزمة و التوصل للمعالجات المناسبة لها بالشكل الذي يمكن معه المضي قدما في الوفاء باستحقاقات العملية السياسية فلابد للهوة بين الثورة والدولة من التوسع ووصولا الى الاصطدام . واذا ما حصل هذا الاصطدام فما يحيط بالكثير من الملفات الوطنية من المخاطر ألان سيتضاعف كثيرا من جهة , و اما من جهة ثانية فلا يجب ان يتصور اي طرف بانه غير متسبب بشكل او بأخر في زيادة التأزم في البلد و في تعثر العملية السياسية في البلد وفي تأخير حلحلة الملفات الوطنية باتجاه استحقاقات التغيير .