بقدر صعوبة المهمة التي تواجه حكومة الرئيس بحاح نظرا لاستشراء الفساد وتفشي العطب في كل أجهزة الدولة وعلى مختلف المستويات من جهة , وما يضيفه الوضع السياسي القائم في البلد من صعوبات أمامها من جهة ثانية , بقدر ما يمكنها ان تحدث فرقا ملموسا , فقط اذا اتسمت بالجدية اللازمة .
جزء كبير من الفساد و الاختلالات في أجهزة الدولة تتميز بالوضوح و بعدم صعوبة تشخيصها , وكذلك بكون عملية معالجتها و إصلاحها لن تجد الصد الكبير باعتبار مخالفتها الصريحة للنظام والقانون ما يضعف قدرة أي كان وأي جهد سيبذل للإعاقة او الرفض او التشكيك في المعالجات والإصلاحات التي ستتخذ تجاهها .
توجيهات دولة رئيس الوزراء بتطبيق قانون التقاعد في القطاعين المدني والعسكري دون استثناء لأحد , وتوجيهه بتنفيذ نظام البصمة للقضاء على الازدواج وعلى الوظائف الوهمية , وتوجيهه بمراجعة أوضاع الصناديق الخاصة والمستقلة , كلها توجيهات مهمة لا شك , ولكن كنا قد سمعناها وان لم يكن بهذه القوة من حكومات سابقة دون ان نجد منها على الواقع الكثير . وهنا يقع الرهان الحقيقي لدولة رئيس الوزراء بحاح فيما اذا كان سيستطيع ان يجاوز حالة الأقوال الى الأفعال , وان فعلها فسيحدث فرقا يلمسه الجميع لاشك في ذلك .
هذه الحكومة بالذات يمكن اعتبار مهمتها مهمة وطنية بامتياز وحتى قبل ان تكون مهمة حكومية , ونجاحها سيسهم في إنقاذ البلد من الغرق أكثر , وواجب الجميع هو التعاون معها بقدر الإمكان , ومن هذا المنطلق سأطرح بعض التوصيات أمام دولة الرئيس بحاح والتي أراها بحكم تخصصي كمحاسب قانوني ذات اثر حاسم في نجاح حكومته .
أول ما يرتكز عليه نجاح حكومتك يا دولة الرئيس هو مدى أهلية المكون الإنساني في الدولة للعمل معك وليس ضدك , لذا عليك ان تتخلص من شبكات وعلاقات ومصالح الفترة الماضية و التي ان بقت على حالها فستضيع او تحرف مسار او تحد او تعيق اي خطوات تقوم بها للمعالجة والإصلاح سعيا منها للحفاظ على ما سيمكنها من مصالحها ومن نفوذها , وما لم تفكك هذه الشبكات والعلاقات والمصالح فستعمل انت وحكومتك في وادي وهي في واد أخر وسيكون مضاد تماما , ومسألة فكفكت هذه العلاقات والشبكات والمصالح هي عملية تدوير وظيفي على أوسع نطاق ممكن يتم وفق معياري النزاهة والكفاءة وتتولى وضع آليته لجنة خاصة ضمن أول المهام الواجب انجازها حتى لا تضل " تحرث في الماء " .
كما من أهم عوامل نجاحك هو ان تتوفر لك آلية مؤهلة لمتابعة تنفيذ اي قرارات وتوجيهات تصدرها و حتى تخرج الى الواقع فعلا , وكذلك تأهيل وتفعيل أجهزة الرقابة للقيام بوظائفها كما هو مطلوب وبما يتواكب مع المهمة الوطنية لحكومتك والاستفادة منها ايضا في متابعة تنفيذ القرارات والتوجيهات التي تصدر للمعالجات والاصلاحات بشكل خاص .
ومن المهم جدا إيجاد آلية للشفافية للعمل المالي والإداري في مختلف الوحدات المدنية والعسكرية تعدها لجنة من المتخصصين لتنظيم عملية نشر التصرفات المالية و الإدارية نهاية كل شهر مثلا في لوحة إعلانات تلك الوحدات و أمام لجان خاصة بالنسبة للتصرفات التي تتطلب ظروف خاصة لنشرها وبحيث يعمل الجميع في الضوء .
ما سبق يا دولة الرئيس اذا تمكنت من فعله كواقع فستحقق الكثير والكثير فضلا عن تأسيسك لبيئة مساعدة لنجاح الحكومات اللاحقة وستنقل مفهوم العمل الحكومي من حيث المبدأ من سلطة كما هو حاله الان الى سلطة ومسئولية .. ومما ننتظر توجيهاتك العاجلة فيه لوقف صور بارزة من الفساد هو التوجيه بمراجعة وتسوية وضع الكادر الدبلوماسي في الخارج ، ووقف ما يصرف للمشائخ و المسئولين تحت مسمى مرافقين وهم بالآلاف ، و مراجعة مصروفات مجلس الشورى والاكتفاء فقط بمصروفات التشغيل من مواصلات وبدل جلسات ونحوه من المصروفات التشغيلية ، ومراجعة ما يصرف لأعضاء مجلس النواب والاكتفاء بما يتحصل عليه أعضاء المجالس النيابية في الدول الأخرى من الحقوق ، و بدأ إجراءات المطالبة بمديونية النفط و الغاز لدى النافذين ، و المطالبة بالجمارك والضرائب ألمسجله كمديونيات لدى النافذين والتجار وضبط آلية التحصيل لهما ، و تشكيل لجنة خاصة للموافقة على السفريات الخارجية لجميع الجهات ، ووقف الصرفيات للمسئولين من كل الجهات المختلفة التي يترأسونها والاكتفاء بالحقوق من الجهة الرئيسية وشي رمزي فقط من باقي الجهات التابعة ، مراجعة عقود شراء الطاقة الكهربائية ، ووقف اي صرفيات لرؤساء الجهات السابقين ، ومراجعة أجور رؤساء الوحدات المستقلة ووضع سياسة متوازنة للأجور بداية برؤساء الجهات خصوصا من يتقاضون بالدولار , ومراجعة كافة أوعية الإيرادات في مختلف الجهات , وغير ذلك من صور الفساد التي تتسبب في نزيف المال العام بصورة فجه وواضحة .
كل منى التوفيق نتمناها لدولتك ولحكومتك الموقرة , ونقول لك ولها الفرصة متاحة لتحقيق شيء , واذا ما اصريتم ان تفعلوا فستفعلوا , وبإمكانكم ان تنالوا صفة الحكومة التاريخية للبلد بكل جدارة ان تطلعتم وعملتم لذلك .