يراوح اليمن في ضل أزمات متلاحقة منذ العام 2011م وهي أزمات عجز السياسيون عن حل أي منها , وما تلبث أي أزمة ان تلد أخرى وهكذا دواليك ووصولا الى الأزمة الحالية التي تعد اخطر الأزمات المتلاحقة على الإطلاق .
قدم الرئيس هادي استقالته من منصبة كرئيس للجمهورية وقدمها أيضا رئيس حكومته بحاح في الأسبوع الماضي وليضعا اليمن ومكوناته السياسية أمام مفترق طريق , فإما مواجهة الحقيقة في أن الجميع مشتركون في الأخطاء وفي أعاقة توجه البلد للاستقرار , ومن ثم العمل الجاد والصادق على حل كل الإشكالات والخروج من حالة تقاذف المسئولية وسيمكن حينها الخروج بالبلد من هذه الأزمة ووضعه في المسار الصحيح , او ان تستمر المكونات السياسية في ذات أسلوب الأداء السياسي المفرخ للازمات وهذه المرة لن تكون كسابقاتها فقد تضطرب الأمور في البلد تماما وستتجه البلد لمشهد جديد يمكن توقع انه سيكون الأسوأ .
يمثل الرئيس هادي حجر الزاوية في وحدة البلد وفي العملية السياسية الجارية فيه منذ العام 2011م , ولسنا هنا بصدد توصيف كفاءة و إنما بصدد التعبير عن حالة سياسية قائمة في البلد منذ ذلك التاريخ ولا يستطيع اي من المكونات السياسية فيه من تجاوزها وإنتاج رئيس للبلد دون ان تتعرض وحدة البلد وعمليته السياسية لأضرار بالغة أمكن تحاشي الوقوع فيها الفترة الماضية .
في اليمن لا وجود لمؤسسة عسكرية واحدة ومتماسكة قادرة على ان تنتج رئاسة للبلد سواء في شكل رئيس او في شكل مجلس عسكري , ولا وجود لأوعية ديمقراطية وسجل انتخابي سليم ومقبول يمكن من خلالهما إنتاج رئيس عن طريق عملية انتخابية , ولا وجود لحالة توافق وثقة بين المكونات السياسية في البلد منعتها من الاتفاق على ما هو دون منصب رئيس الجمهورية فضلا عن ان تتفق في هذا المنصب وتنتج رئيسا او مجلس رئاسي يتولى إدارة البلد للمرحلة المقبلة , كما لا يحظى اي مكون سياسي بشعبية طاغية تمكنه من ان ينقلب على غيره من المكونات وينتج رئيسا للبلد بصورة منفردة ويضع الجميع أمام واقع . ومن هنا وضعت استقالة الرئيس هادي البلد في ورطة حقيقية تكمن خطورتها في سباق حاصل بين العمل السياسي لحلها وبين ردود أفعال الواقع تجاهها .
جاء تقديم الرئيس هادي لاستقالته ومعه أيضا رئيس الحكومة على خلفية أزمة أعقبت أحداث ال 21 من سبتمبر 2014م مباشرة عرفت " بأزمة السلم والشراكة " و بدأت بتقاذف المسئولية بين الرئيس هادي و بين مكون أنصار الله " الحوثيين " بشأن الالتزام ببنود اتفاق السلم والشراكة الموقع عليه من جميع الأطراف السياسية في ذلك التاريخ , وتصاعدت حدتها بعد توقيف احمد بن مبارك مدير مكتب رئيس الجمهورية من قبل جماعة أنصار الله على خلفية مسألة مسودة الدستور وما تضمنته من مواد متعلقة بتقسيم البلد الى ستة أقاليم , ووصلت الى اقتحام أنصارالله لدار الرئاسة ومحاصرة الرئيس هادي في منزله والضغط عليه لانتزاع قرارات معينة فضل الرئيس ان يقدم استقالته على ان يقدم عليها .
لم تتمكن المكونات السياسية منذ تعاطيها مع هذه الأزمة ان تتوصل الى حل لها بل أنها لم تبدأ بعد بالنظر الى المشكلة بحقها من الجدية ومن مواجهة الحقيقة كما هي والتعرض للأسباب التي أدت الى استقالة الرئيس والحكومة , ولا زالت المكونات السياسية تدور في دائرة البحث عن بدائل او صيغ للرئاسة في البلد وهو أمر لا يمثل حل للازمة في ضل الملابسات الحاصلة في البلد والسابق ذكرها ,وما تقوم به هو مزيد من إهدار الوقت في ظرف يعد الزمن احد أهم العوامل فيه وتزيد من تعقيد الأزمة أكثر .
الملفان الأكثر تعرضا للخطر اذا لم يتوصل السياسيون لحل مبكر لهذه الأزمة هما ملفي القضية الجنوبية وملف العملية السياسية الجارية في البلد , فالجنوب الذي ينزع غير مكون فيه الى الانفصال عن الشمال سيدفع به الفشل او التأخر في التوصل لحل لهذه الأزمة الى تشكّل صيغة جامعة للمكونات الجنوبية باعتبار ان ذلك بات أمرا واقعا وقد تصل الى عزل الجنوب عن الشمال ما يجعل الحائل الوحيد دون الانفصال وقيام دولة في الجنوب هو الاعتراف الدولي بها الذي ليس في المتناول حاليا , وفي حالة عزل الجنوب عن الشمال كواقع سيصبح العمل السياسي لحل القضية الجنوبية اعقد أكثر بكثير مما هو حاصل حاليا , وهو أمر سيترتب عليه حالة من اللاستقرار سيجد الجنوب نفسه في ضلها نتيجة التعقيدات التي ستمنع قيام دولة مستقلة هناك .
ملف العملية السياسية هو الأخر سيفقد الشريك الجنوبي فيه من جهة ومن جهة ثانية ستفشل باقي المكونات من التوصل لصيغة تسمح باستمرار العمل السياسي كونها ستواجه بذات العقدة التي واجهتها مع الرئيس هادي والمتمثلة في التسليم بهيمنة منفردة للدولة وتصرف الحكومة دون اي تدخلات او إعاقة من اي طرف , وهو أمر لن يتأتى نتيجة حالة الهيمنة التي يبديها أنصارالله التي كانت هي أهم ما أوصل البلد لهذه الأزمة وكذلك سلبية المكونات الأخرى وتهربها من تمكين أنصارالله من شراكة حقيقية دون لجوئهم لفرض ذلك بالهيمنة التي يبدونها , وستكون النتيجة أيضا حالة من اللااستقرار سيجد الشمال نفسه في ضلها .
أين ستتجه الأزمة اليمنية هو السؤال الذي لا يملك احد الإجابة عليه نظرا للتعقيدات الكبيرة في المشهد اليمني ولعدم اتزان التصرفات السياسية التي تتم في البلد وعد منهجيتها كذلك , ولكن يمكن القول انه لا وجود لحل للازمة الحاصلة الا بإقناع الرئيس هادي بالعدول عن استقالته او بالتوصل معه الى آي حل أخر يكون هو احد الداعمين له , اما غير ذلك فيضل المشهد اليمني مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها انزلاق البلد للأسوأ الذي نأمل ان لا تصل البلد اليه .