منذ العام 2011م تتعاطى المكونات السياسية في البلد مع العملية السياسية الجارية فيه منذ ذلك التاريخ وهي بين من لا يعي او من يتجاهل او من لا يركز – عمليا - ما هي طبيعة هذه العملية السياسية الخاصة التي لا تأتي في مساق العمل السياسي الطبيعي الذي يتم في حالة استقرار مختلف أوعية الدولة ووضح كامل لحدود العمل السياسي ووجود للآليات المنهجية للحسم في اي خلاف بين المكونات السياسية .
يتمحور العمل السياسي ابتداء حول شغل الأوعية المختلفة للدولة وما يتطلبه ذلك من الحصول على شرعية للوجود في اي منها من الرئاسية الى التشريعية الى التنفيذية والحصول على حق التصرف بسلطة تلك الأوعية مع تحمل مسئولية التصرف بموجب تلك السلطة , وفي الوضع الطبيعي تأخذ العملية السياسية شكل التنافس ألبرامجي او بالمواقف تجاه الشئون العامة ويكون لهذا التنافس مداه فإما ان تتمكن المكونات السياسية من حسم اتفاقي فيه الشأن او يتم اللجوء الى الآليات المعتمدة للحسم كالآليات الديمقراطية المعروفة التي تحسم في اي خلاف او اي تنافس تبعا لتصويت او انتخاب او قرار طرف مخول بقرار الحسم .
عندما تكون مؤسسات الدولة مستقرة وحدود العمل السياسي واضحة والآليات المنهجية للحسم السياسي قائمة ومؤهلة لا يكون للعمل السياسي اثأر سلبية على البلد والمجتمع مهما بلغت حدة الخلاف او مستوى التنافس , بينما يكون العمل السياسي في وضع لا يتوفر فيه ذلك مصطحبا لقدر كبير من السلبية و يزيد من حجم التعقيدات ولا يفضي الى حل لاي مشكلات سياسية وبالتبعية تضطرب أوضاع البلد وتسوء حياة المجتمع في مختلف جوانبها نتيجة لتّنافس السياسي الغير محكوم والغير منهجي و الغير مسئول , ويتحول الى نوع من العبث والتخبط الغير مفضي الى نتيجة والغير قاصد لهدف .
تراوح البلد منذ العام 2011م في وضع استثناني لا تقوم فيه الدولة بوضعها المنهجي ولا تقوم الأوعية المختلفة لها الرئاسية والنيابية والحكومية بالصورة كاملة الأهلية ولا تتوفر آليات الحسم السياسي والديمقراطي بالشكل المؤهل الذي يمكنها من القيام بدورها , وبالتالي واقعا البلد تمر بمرحلة استثنائية او كما يسميها السياسيون فترة انتقالية , والضابط الوحيد فيها هو الاتفاقات والرعاية الدولية والأممية لتلك العملية , وما قد يتوفر للمكونات السياسية من الحرص على الخروج بالبلد مما هو فيه ان صدقت ادعائها بذلك .
الأمر الذي لا يجب ان يغيب عن أنظار السياسيين في البلد والمتعاطين مع الشأن السياسي كذلك هو ان الهدف من هذه العملية المستمرة من ال 2011م و حتى اللحظة هو تهيئة الوضع في البلد لملئ أوعية الدولة المختلفة وفق آليات منهجية ومؤهلة للحسم السياسي وفي مقدمة هذه الآليات اللجنة العليا للانتخابات و السجل الانتخابي , وان تتوفر عدد من المواصفات التي تضمن استخدام من ستقع بيده السلطة بما يحقق المصلحة العامة وان تكون هناك مؤسسات قادرة على ان تحمّله مسئولية سوء استخدامه لتلك السلطة اذا أساء .
في ضوء المفهوم السابق يجب على جميع المكونات السياسية ان ترتب وتحدد مواقفها وخطواتها تجاه العملية السياسية الانتقالية الجارية في البلد وان تعمل ما تستطيعه كي تصل هذه العملية الى الهدف منها , و ان تبتعد هذه المكونات عن المضي في صراعات وخلافات تطرأ نتيجة بعض التفاصيل الناتجة عن تفاعلات الواقع الانتقالي الحاصل في البلد , و ان تقدم أقصى التنازلات الممكنة تجاه هذه التفاصيل بحيث لا تصبح سببا في حرف مسار العملية السياسية برمته ومنعها من تحقيق هدفها او تأخير زمن الوصول اليه او زيادة تعقيداته و رفع حجم التضحية التي يدفعها البلد والمجتمع في سبيل تحقيق ذلك الهدف .
مؤخرا طفت الى السطح العديد من هذه التفاصيل وباتت الإطراف السياسية تتعامل معها وكأنها صلب العملية السياسية و تشدد تجاهها بشكل مفرط وتربط مصير العملية السياسية برمتها بها , وكان هذا النوع من التعامل تجاه تلك التفاصيل هو الذي سيكون فيه حل مشكلة البلد واخرجه من الواقع الانتقالي الذي يراوح فيه مع ان الجميع يمكنه بشي من إمعان النظر ان يدرك ان الحسم في هذه التفاصيل لن يفيد في كثير , فمن شرعية مجلس النواب الى شرعية الرئيس هادي الى مكان الحوار الى غير ذلك من التفاصيل التي لا يترتب على التعامل معها كما سبق الا مزيد من إهدار الوقت ومزيد من حجم التضحية التي يقدمها البلد والمجتمع , بل ان التشدد تجاهها قد بات يهدد تمكّن العملية السياسية الجارية من بلوغ الهدف الذي جاءت من اجله والذي تدور من حوله منذ العام 2011م .
يجب على المكونات السياسية في البلد بلا استثناء ان تتفهم وتعي ان الهدف هو ما يجب ان يتم العمل عليه لان فيه الخلاص من المناكفات السياسية الحاصلة , وان المناكفات الحاصلة لا تقدم ولا تأخر بل تزيد التعقيد و الصعوبات امام تحقيق الهدف , وان تقديم التنازلات تجاه قضايا المناكفات هذه والسماح باستمرار سير العملية السياسية هو الذي سيخرج البلد مما هو فيه ويهيئه للاستقرار وللبدا بالسير في طريق بناء الدولة التي ينشدها الجميع او يفترض ذلك .
أصبح لدينا منظومة جاهزة وجيدة تعرف بمخرجات الحوار الوطني وهي منظومة توافق عليها الجميع ويشوبها فقد وجود عدد محدود من النقاط التي تحتاج للمعالجات وليس للتجاذب والصراع حولها او انطلاقا منها وصولا لإهدار باقي ما تحتويه هذه المنظومة ومن وضع البلد في مهب الريح , ولعل أهم نقطة من هذه النقاط او ربما هي النقطة الوحيدة الباقية بعد مجاوزة الزمن لنقاط أخرى هي نقطة الأقاليم , وهي نقطة تم الاتفاق في اتفاقية السلم والشراكة على إعادة النظر فيها وصولا بها الى حالة الإجماع الوطني , وهذا الأمر لا زال متاحا اذا ركزت المكونات السياسية على النجاح في بلوغ هدف العملية السياسية الانتقالية الأصلية . وعلى ذلك فما يتوفر لنا هو بنية جيدة فقط تتطلب اتزان في التعاطي السياسي تجاه التفاصيل التي يفرضها الوضع الانتقالي في البلد وسيمكن حينها للبلد ان يعبر ويخرج من وضعه الراهن دون مزيد من التضحية الزمنية والتكاليفية .
أخر أزمة تمر بها البلد والتي أصبحت تعيق استكمال المسار الانتقالي وباتت تهدد العملية السياسية الانتقالية الجارية برمتها و قد تذهب بالبلد الى مدى متوسط وطويل من أللاستقرار هي ما تعرف بأزمة اتفاق السلم والشراكة والتي وصلت ألان الى ذروتها بوجود إرادتين متصارعتين في البلد ما ضاعف من التعقيدات أمام العملية السياسية ومن المخاطر المستقبلية التي قد يواجهها البلد . وأول ما يجب تفهمه تجاه هذه الأزمة ان استمرار التعاطي معها بالأسلوب المتشدد الحالي سيعكس منحنى الاستقرار في البلد تماما فخلال الفترة من ال 2011 م وحتى اللحظة يفترض بالعملية السياسية ان تسيّر هذا المنحنى من نقطة الاضطراب المتوخاة الى نقطة الاستقرار التي يتم العمل عليها عبر هذه العملية السياسية الجارية , بينما استمرار التعاطي مع هذه الأزمة بالأسلوب الحاصل حاليا سيعكس اتجاه المنحنى الى حالة تصاعدية من اللااستقرار ستزداد مع مرور الوقت وو ستهدر الجهد الذي بذل خلال الفترة الماضية بكاملة و ستدخل البلد في حالة من الاضطراب الواسع على المدين المتوسط والطويل .
يجب ان تكرس المكونات السياسية جميعها وفي مقدمتها فخامة الرئيس هادي وجماعة انصارالله أدائهما السياسي ومواقفها على الأرض في سبيل التقارب ومجاوزة هذه الأزمة والعودة بالعملية السياسية الى مسارها المفترض و الموصل للهدف المنشود , وهذا الأمر لن يتم الا من خلال النظر الى هذه الأزمة كنتيجة لمقدمات تفاعلت منذ ال 21 من سبتمبر 2014م وصولا الى ما هو حادث اليوم , ولاشك ان علاج هذه الأزمة لن يكون الا بإيجاد الحلول لمسبباتها تلك التي هي قائمة على الأرض وطالما تم التهرب من مواجهتها منذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة , وبات من الحتمي مواجهة الحقيقة الان من الجميع او ستنحرف العملية السياسية عن هدفها تماما وسيخسر الجميع بلا استثناء , وسيكون من يتعنت تجاه إيجاد الحلول لتلك المقدمات مسئولا عن إدخال البلد في حالة اللااستقرار المتوسطة والطويلة الأجل و مهما اوجد لنفسه من الذرائع .
كي لا أطيل فوق الإطالة الحاصلة ما يجب ان تتمحور حوله المفاوضات الان هو وزن معادلة الشركة مقابل الهيمنة , ووزن هذه المعادلة لا يتطلب الجلوس للتفاوض حول مدى شرعية الرئيس او هل يكون رئيس او مجلس رئاسي او وضع المؤسسة التشريعية او مكان انعقاد الحوار , وإنما يتطلب مواجهة الحقيقة وبدأ الخوض في الترتيبات المطلوبة في ثلاث مؤسسات وبالتفصيل و هي مؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية والمؤسسة الرقابية , ويجب التوصل لمصفوفة متفق عليها - يشارك في إعدادها المختصين المهنيين الى جانب السياسيين – و تتضمن مجموعة من الإجراءات و الخطوات والتعيينات و التجهيزات و المهام و الصلاحيات و كافة التفاصيل التي بتنفيذها يصبح وضع هذه المؤسسات وطني ومهني وفاعل وبالتوازي يتم تسليم مؤسسات الدولة بشكل كامل ويوقف التدخل في أعمال الحكومة و تسلم الأسلحة المحرزة بعد ال 21 من سبتمبر وعودة العملية السياسية والإدارية الى مسارهما الطبيعي , ومن ثم الانطلاق لإصلاح نقاط الاختلاف العالقة من إعادة تشكيل هيئة تنفيذ مخرجات الحوار مثلما هو متفق عليه في الحوار الوطني و كذلك عودة التعاطي مع مسألة الأقاليم للوصول بها الى حالة الإجماع الوطني والسير في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مخرجات الحوار الوطني وفي اتفاق السلم والشراكة واستكمال تهيئة البلد للسير في العمل السياسي بصورة طبيعية .
بالطبع هناك تفاصيل أخرى يجب التفاهم حولها وإيجاد معالجات لها انطلاقا من نفس المفهوم ونفس النظرة للمرحلة الانتقالية التي تراوح فيها البلد , و ما ذكرته أعلاه هو محور المعالجة للازمة الحاصلة ومنع تفاقم الوضع وصولا لإهدار العملية السياسية الخاصة هذه وهو ما لا نتمناه ولا يتمناه حتما احد للبلد لان تبعات ذلك ستكون سيئة على الجميع بلا استثناء .