دأبت العديد من وسائل الأعلام العربية، وطبعا اليمنية، على الترويج لعبارة “الحراك الجنوبي الموالي لإيران”، وهي عبارة ملغومة ومصطنعة ومزيفة ابتدعتها أجهزة المخابرات العفاشية على مدى ما يزيد عن سبع سنوات من عمر الثورة الجنوبية السلمية، والغرض ليس فقط الإساءة إلى الثورة الجنوبية بل والترويج أن الجنوب القادم الذي ينشد استعادة دولته، سيكون يد إيران في جنوب الجزيرة العربية، وبمعنى آخر أن على دول الخليج العربية التي ليست على وفاق مع إيران أن تتصدى لمطلب الجنوبيين الذين ينشدون حريتهم واستعادة دولتهم.
الأكذوبة بدأها علي صالح عندما كان يواجه الحركة الحوثية في صعدة (أو يدعي مواجهتها) واستساغها الكثيرون من الرافضين للثورة الجنوبية والساعين إلى إجهاضها، وتعاطى معها الكثير من المثقفين والإعلاميين اليمنيين والعرب بحسن نية، لكن سير الأحداث برهن أن مخترع هذه الأكذوبة هو أكبر الموالين لإيران ومن المؤسف أنه حتى بعد جلاء هذه الحقيقة ما تزال الأكذوبة هي الأكثر استساغة عند الكثيرين ومنهم إعلاميون محترمون ووسائل إعلامية يفترض أنها محترمة.
كيف بدأت القصة؟
عندما كانت القضيتان الأبرز في اليمن هما القضية الجنوبية وقضية صعدة نشأ ما يشبه القاسم المشترك بين الجنوب وصعدة في المظلومية والخصومة مع نظام علي عبد الله صالح، مع فارق الأهمية والمنطقية والحجم، بين قضية بلد وشعب ودولة وأرض وهوية وثروة وثقافة وتاريخ في الجنوب، وبين مظلومية تاريخية تعرضت لها أقلية مذهبية في محافظة صغيرة ربما كان لديها بعض الحق في مواجهة الظلم، والفارق الثاني كان بين الخيار السلمي الذي اختاره الجنوبيون والخيار المسلح الذي عمد إليه الحوثيون، وهذا الفارق يرتبط بالتباينات الثقافية والحضارية بين جنوب اليمن وشماله والتي يأبى الكثير من السياسيين الاعتراف بها خوفا من الاعتراف بتباين الهويتين والموروث الثقافي لكليهما.
لم يتم أي تنسيق مباشر بين الحوثيين والحراك الجنوبي لكن إفراج الحوثيين عن عشرات الأسرى الجنوبيين الذين دفع بهم علي عبد الله صالح إلى قلب المعركة ثم تخلى عنهم لاقت ترحيبا كبيرا من قبل المكونات الحراكية الجنوبية، أما إيران فقد تكون سعت عبر بعض أنصارها في استقطاب بعض الأفراد وبصورة فردية وربما استضافت بعض هؤلاء إلى طهران، لكن الكثير منهم عادوا من هناك خائبين لما لمسوه من عنصرية المعاملة وسوء الاستقبال.
ونشير هنا إلى أن إيران لم يكن لها عداوات مع الجنوب وهي صديق قديم للشمال سواء في عصر الشاه أو في العصر الخميني، وليس هناك ما يخجل من التعامل معها كدولة جارة إذا هي احترمت حق الجوار واحترمت الخيارات الحرة للشعوب، لكن ما ليس مفهوما هو القول بأن هناك حراك موالي لأيران في الوقت الذي لم يبقى هناك ناشط واحد من نشطاء الحراك السلمي لم ينخرط في المواجهة المسلحة أو غير المسلحة مع أكبر أنصار إيران في اليمن، الحركة الحوثية وحليفها علي عبد الله صالح.
لو أن الحراك الجنوبي أو بعض فصائله موالي لإيران لوجدنا ولو جنوبيا واحدا يقاتل في صفوف الحوثيين، أو حتى يصمت عن أفاعيلهم المنكرة، وهو ما يبرهن برهانا قاطعا أن أكذوبة “الحراك الموالي لإيران” هي دعاية تضليلية زائفة ويجب شطبها من اللغة السياسية اليمنيية وعلى مروجيها أن يبحثوا عن فرية أخرى يدافعون بها عن مصالحهم التي يخافون أن يخسروها إن انتصرت الثورة الجنوبية فورقة إيران احترقت وتحولت إلى رماد وحلفاء إيران الجنوبيون الوحيدون هم حلفاء علي عبد الله صالح الذين شاركوه نهب وتدمير الجنوب وقتل أبنائه والعبث بموارده وسرقة مصادر معيشتهم.
* * *
قبل أن أكمل كتابة هذه السطور تلقيت مقالة عبر خدمة الواتسأب يسخر فيها كاتبها من جناح الحزب الاشتراكي اليمني في الحراك الجنوبي، عملاء إيران، والذين قال أنهم يقدمون الطعام والشراب والسكريم البارد للحوثيين في حر الصيف ويساعدونهم على قتل الجنوبيين، لكن كاتب هذا الهذيان لم يعثر على اسم واحد من نشطاء الحراك, مع العلم أنه ليس في الحراك جناحا خاصا بالاشتراكي أو بغيره من الأحزاب، ولما أعيته الحيلة راح يستدل بموقف محمد المقالح وطلال وعقلان وغيرهم، ونحن نعلم أنهم قد قدموا للمساءلة الحزبية أمام رقابة الحزب الاشتراكي اليمني، وهم عموما لم يكونوا قط أعضاء أو حتى أنصار في الحراك الجنوبي ولا علاقة لهم بالجنوب والجنوبيين، ويبدو أن الكاتب نسي أن يضيف حسن نصر الله ومحمد جواد ظريف ومحمد صادق الحسيني كأعضاء في الحراك الجنوبي.
الحراك الجنوبي هو الحاضن السياسي والاجتماعي للمقاومة الجنوبية الباسلة والذين يتهمون الحراك الجنوبي بالولاء لإيران هم أولائك الذين مرت من أمامهم قوافل الحوثيين متجهة إلى عدن وهم وإن لم يقابلوها بالترحاب فقد غضوا النظر عنها وربما تمنوا لها التوفيق لأنهم كانوا يتوقعون أنها من سيحمي مصالحهم التي بنوها من نهب الجنوب والاستبداد بأبنائه، أما الثوار الجنوبيون فقد حسموا أمرهم واتخذوا قرارا بمواصلة ثورتهم السلمية وعندما أجبرتموهم على حمل السلاح كانت تلك المقاومة الأسطورية الرائعة التي لم نشهد مثل ربعها أو حتى عشرها عند القبائل الحزبية التي يجيد أصغر صغارها استخدام السلاح وتتمتع بمهارة القتل كما تمارس مهارة السلب والنهب، لكنها سرعان ما أسرعت لإبرام اتفاق الاستسلام للجحافل الحوثية التي لم يتصد لها إلا أبطال الحراك الجنوبي السلمي بكل مكوناته، مع كل الاحترام لمواقف أبناء مأرب وبعض مناطق البيضاء وتعز التي لم تذهب للمواجهة إلا بعد أن كانت جحافل الحوثيين تتمرغ في تراب عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة.
برقيات:
* تتزايد كل يوم أعداد ضحايا العدوان الحوفاشي في شمال اليمن وجنوبه، وكان من بين شهداء هذا العدوان أبني الشهيدين حسين الطفي وعلي ناصر هادي وغيرهما المئات، كما استشهد على يد المليشيات الحوثية ابن أخي د عبد الرحمن عمر السقاف، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني وأخت الزميل علي الصراري عضو المكتب السياسي للحزب، لجميع أسر وأهالي شهداء العدوان الحوفاشي صادق مشاعر العزاء والمواساة وللشهداء الرحمة والغفران بإذن الله تعالى.
* قال الشاعرالعباسي صالح عبد القدوس:
أدّ الأمانة ، والخــــــــيانةَ فاجتنـبْ واعـدل ولا تظلـم يطيـب المكسـبُ
واحذر من المظلوم سهمـاً صائبـاً واعلـم بـأن دُعـاءه لا يُحـــــــــجـبُ
واحــــــــــذر مؤاخاة الدّنـي لأنـه يعـدي كما يعـدي الصحيـح الأجـربُ
واختر صديـقك واصطفيه تفاخراً إن القَريـنَ إلـى المـــــــقـارنِ يُنـسـبُ
ودع الكذوبَ ولا يكنْ لكَ صاحباً إن الكذوبَ لبــــــــئـس خـلاً يصحـبُ