استغرب الكثيرون عند بداية الحديث عن تحالف الحوثيين مع حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ثم ما لبث هذا الخبر أن تحول إلى معلومة عادية ثم إلى حقيقة يقينية لم تعد تقبل الدحض ولا حتى التشكيك.
مصدر الاستغراب كان تلك الحروب الدامية التي استمرت أكثر من سبع سنوات أكلت الأخضر واليابس والحجر والشجر والبشر، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى فضلا عن ما يقارب المائة ألفا من الجرحى والمعوقين والمشردين والنازحين، واليوم وبعد التحالف الحوثي العفاشي (الذي يسميه البعض الحوافش) لا يستطيع لا علي عبد الله صالح ولا عبد الملك الحوثي ولا أي من أنصارهما أن يقول لذوي القتلى والجرحى والنازحين لماذا تقاتلا وعلى ماذا سفكا دماء عشرات الآلاف من اليمنيين.
ليس العيب أن تتحالف قوى سياسية معينة من أجل أهداف وطنية كبرى، بل ليس عيبا أن يتوافق من كانوا مختلفين ذات يوم، لكن العيب كل العيب أن يتحالف الضحية والجلاد من أجل البحث عن ضحية جديدة، . . . ليس عيبا أن يصفح المظلوم عن الظالم ويعفو عن جرائمه ومظالمه، لكن العيب أن يعانق المظلوم ظالمه وينطلق معه باتجاه البحث عن ضحايا جدد ينزلون بهم جرائم الظلم والقتل والتشريد والسلب رالنهب ونشر الرعب والخوف والدمار.
لم يكن تحالف الحوافش وطنيا ولا ينطوي على أي هدف سامي يعبر عن هم أحد من المواطنين بل كان مجرد اتفاق مؤقت يتستر من خلاله المتحالفون على أهداف عديدة وأحيانا متناقضة، فعلي عبد الله صالح الذي يعلن زهده في السطة وتخليه وأبناءه عن حلم العودة إليها إنما يمارس الانتقام من حركة الثورة السلمية الجنوبية التي علمت العالم كيف يزلزل عروش الطغاة دون استخدام طلقة رصاص واحدة، ومن ثوار ٢٠١١م ومن كل الشعب في الشمال والجنوب لجرأته على مطالبته بالرحيل وإجباره على التنحي وخلعه من رأس السلطة، وهو (أي صالح) إذ يسعى إلى تصفية الحساب مع خصومه السياسيين الذين وقفوا في صف الثورة، أو ركبوا موجتها، فإنه يهدف الى التخلص من الحوثيين أنفسهم من خلال تبديد قواتهم في اتجاهات شتى وإنهاكهم واستنزاف ما لديهم من طاقات بشرية وعسكرية وتحويلهم إلى أعداء للكل وربما اطلق لهم أنصاره من تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة ليخلصوه منهم في نهاية المطاف، أما الحوثيين فهم إذ يستقوون بالقدرات العسكرية واللوجستية لجيوش صالح ويتوسعون عبرها على الأرض فإنهم يسعون إلى توطيد أركان مشروعهم التوسعي وبناء دولتهم المأمولة بكل الوسائل المشروعة (نادرا) وغير المشروعة (غالبا) والتخلص من الخصوم السياسيين وهم معظم القوى السياسية المدنية اليمنية، والأهم من هذا لوصول إلى منابع الثروة والسيطرة على المواقع الاستراتيجية على البحرين الأحمر والعربي، وهم يسعون إلى التخلص من حليفهم صالح إذا ما بلغ بهم الأمر تحقيق جميع أو أغلب الأهداف التي يقاتلون الشعب من أجل تحقيقها.
لقد سعى صالح أكثر من مرة لتقديم الحوثيين قربانا لدى أطراف عربية مقابل حفاظه على الحصانة والحصول على ضمانات إضافية للنجاة، وهذه الأيام تتسرب الكثير من الأنباء عن أوامر أصدرتها اللجنة الثورية الحوثية لمراقبة أي محاولة لتهريب أي من أفراد أسرة صالح من الذكور والأناث، وهذه قد لا تكون قرائن مهمة وكبيرة للتناقض بين طرفي هذا التحالف الملعون، لأن جذور الخلاف تكمن في الانسجام بينهما فالطرفان يقومان على ثقافة الاغتصاب، ويعتمدان منهاج التوسع والسلب والنهب، والطرفان قمعيان بامتياز عنصريان بامتياز، مخادعان بامتياز، متفوقان في الكذب والتزييف والتضليل، ماهران في التلاعب بالمفردات والمعاني، يعتمد كل منهما على التقية والتدليس والمراوغة والادعاء الزائف، والطرفان يجيدان التلون والتقلب حسب لون الأرض التي يقفان عليه، . . . وربما بدت هذه المشتركات سببا من أسباب توافقهما وتعزيز تحالفهما، لكن على العكس، إن الانسجام والتلاؤم والتقارب في المزايا والخصائص كل هذا يكون سببا للتعايش والتقارب عند ما تكون هذه المشتركات ذات قيمة إنسانية ووطنية وأخلاقية رفيعة، أما عند ما تقوم على اللصوصية والأنانية والمصالح الدنيئة ويحكمها الغدر والغش والخداع، فإن التحالف بين أصحابها مهما طال زمنه لن يكون مصيره إلا الزوال، فرجال العصابات قد يعملون بصورة مشتركة لكنهم يتقاتلون ويقتل بعضهم بعضا في نهاية اللعبة، واللصوص وقطاع الطرق قد يتفقون مؤقتا لكنهم يتعاركون عند تقاسم الغنيمة والقتلة والمجرمون ينقسمون ويشهد كل منهما ضد الآخر عندما يقعون في أيدي العدالة، وتحالف الحوافش ليس إلا ائتلاف مجموعة من القتلة والمجرمين واللصوص والناهبين وقاطعي الطريق بل وذوي ثأرات مزمنة وما تحالفهم إلا حالة مؤقتة لن يلبث أن يتفكك ويزول عندما يتنازع طرفاه على المكاسب (الزائفة) أو عند الهروب من المساءلة على الجرائم التي يرتكبها طرفاه، إن لم يكن قد بدأ في التفكك والانفراط باتجاه الزوال والاتجاه إلى أقرب مزبلة من مزابل التاريخ.