يمثل تحرير عدن وكسر شوكة التحالف الحوثي العفاشي فيها لحظة انعطاف مهمة في مسار صراع القوى على الساحة الجنوبية، لصالح قوى التغيير ودعاة الأمن والسلام والاستقرار، ولاكتمال الانتصار لا بد من تحرير بقية المناطق المحيطة بعدن بشكل أولي ومواصلة مواجهة هذا التحالف حتى النهاية لأن أي نصف حل مع هؤلاء يمثل استمرار حضورهم ومواصلة نهجهم الشيطاني حتى الانقضاض الكامل على كل شيء وليست تجربة ٢٠١١م والمبادرة الخليجية ونتائجها المخيبة عنا ببعيدة.
لكن الانتصارات ليست فقط مكاسب وإنجازات بل إن لها ما بعدها من التحديات والمحاذير التي يجب أخذها بالاعتبار في سياق العملية العسكرية والسياسية اللاحقة وإلا فقدت قيمتها وتحولت إلى مجرد حالة مهرجانية فرائحية عابرة.
وعودة إلى تحرير عدن وما بعده من التحديات والمحاذير لا بد من تناول مجموعة من تلك التحديات التي تفرضها طبيعة مرحلة ما بعد التحرير، وهذه يمكن تقسيمها الى ثلاث مجموعات: بعضها يتعلق بالمقاومة الجنوبية والقوات العسكرية الجنوبية الشريكة معها في صناعة النصر، وبعضها يتعلق بالحكومة ورئاسة الجمهورية (اليمنية) وبعضها يتعلق بجميع هؤلاء ومعهم شركاؤنا العرب في دول التحالف وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الشقيقة.
ففيما يتعلق بالمقاومة الجنوبية هناك مجموعة من التحديات لعل أهمها:
١. الحفاظ على النصر وتعزيزه بانتصارات إضافية: فطرد تحالف الحوافش من عدن لا يكفي بل لا بد من استئصال أي حضور لهم على الجنوب بدءً بلحج وأبين والضالع التي كانت قد سبقت في كسر شوكتهم وانتهاءً بشبوة وبقية المناطق التي ما تزال خلاياهم النائمة تنتشر فيها بانتظار اتجاه الرياح وأوامر قادة هذا التحالف الشيطاني.
٢. التنبه لمخاطر لإفراط في الفرح وتجاهل قدرة العدو على الخداع والمكر وصناعة الهجمات المرتدة، فتحالف الحوافش يتقن سياسة الكر والفر منذ عقود وهزيمتهم لا تعني شيئا ما لم يتم اجتثاثهم وتأمين عدم عودتهم إلى مسرح العمليات من جديد، وقد شهد اليومان التاليان لإسقاط عدن محاولات عديدة للتسلل عبر أبين وبير أحمد ومحاولات للإمداد عن طريق إب الشرقية والبيضاء وغيرها وما هذا إلا دليل واضح على عدم قبولهم بالهزيمة ومحاولة استعادة المبادرة لتغيير الوقائع التي صنعتها هزيمتهم في عدن.
٣. أهمية الحفاظ على التفوق الأخلاقي لرجال المقاومة الجنوبية، فلقد كانت المقاومة متفوقة أخلاقيا في تعاملها مع الأسرى والجرحى من قوات الغزو وهو ما يستدعي الحفاظ على هذا التفوق من خلال أهمية التمييز بين صراع الجنوبيين مع المحتلين والغزاة ومرتكبي جرائم الحرب وبين المواطنين الشماليين العاديين فصراع الجنوب والجنوبيين لم يكن مع الشمال كجغرافيا وسكان بل كان مع الغزاة والمحتلين والناهبين والقتلة ومجرمي الحرب ومن المهم تجنب المحاسبة على مجرد الاشتباه والتعامل الراقي مع المدنيين ومعاملة الأسرى وفقا لمقتضيات الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني، وترك المدانين في التعامل مع الحوثيين ليقول فيهم القضاء العادل كلمته.
٤.الحذر من المتسللين والمندسين الذين قد يتقافزون إلى مقدمة الصفوف من سارقي الفرح ولصوص الانتصارات سواء من (أنصار شريعة علي عبد الله صالح) الذين لا يتحركون إلا بأوامره لتعكير صفو الانتصار وسرقة الفرحة من قلوب المواطنين، أو من أولائك الذين تفرجوا على الجنوب وهو يُذبٓح ويُقتٓل أبناؤه وتُدمّٓر منشآته ثم حينما حان قطف ثمار المعركة يتسابقون لخطف الثمرة وادعاء بطولات ليست لهم وإنجازات لم يساهموا في صناعتها.
٥. الحفاظ على وحدة المقاومة والحذر من الانتقال الى نزاعات تقاسم كعكة الانتصار فكما كانت المقاومة موحدة طوال فترة المواجهة يجب أن تبقى موحدة في معركة الدفاع عن النصر وإعادة الإعمار وعدم الانجرار إلى معركة التنازع على تقاسم الثمرة فالثمرة الحقيقية لن تنضج إلا بعد سنوات وهي حق لكل الجوبيين، وقديما قالت الحكمة الهندية: ليس هناك ما يفرق الشركاء في الفوز أكثر من الفوز نفسه.
أما ما يتعلق بالتحديات المتصلة بالحكومة ورئاسة الجمهورية فإنها عديدة لكن أهمها:
١. أهمية ترتيب الأوضاع لإعادتها إلى أفضل مما كانت عليه قبل الحرب من خلال: إعادة بناء جهاز الدولة من خلال الاستفادة من القادة الجماهيريين الميدانيين الذين أثبتوا أنهم لم يكونوا يناضلون من أجل مكسب شخصي أو استرضاء لهذا القائد أو ذاك السياسي، وكذا استيعاب المقاتلين المتطوعين في المؤسسة الأمنية والدفاعية واعتماد شهداء المقاومة كشهداء عسكريين لهم حقوق الترقية والمعاش لأسرهم ومعالجة الجرحى وترتيب أوضاعهم.
٢. تبني خطة عاجلة لإعادة الإعمار من خلال البدء بحملة شاملة لإصلاح ما خربته الحرب وما دمره الفاسدون طوال العقدين الماضيين وذلك بإصلاح البنية التحتية من شبكة الطرقات والكهرباء وشبكات المياه والصرف الصحي وبنا المدارس ومؤسسات الخدمة الطبية، وتعويض الأهالي الذين دمرت مساكنهم من خلال مشروع بناء متكامل لإعادة الأمان إلى الناس واستعادة عدن لوجهها المشرق ومكانتها الحضارية المعهودة وجعل المولطنين العاديين يشعرون بثمرة النصر الذي تحقق.
٣. السيطرة المحكمة على الملف الأمني والدفاعي وذلك من خلال إعادة بنا المؤسسة الأمنية والعسكرية ومحاربة الفساد والتراجع الأخلاقي الذي نشره المخلوع فيها واستيعاب المقاومين الأبطال وإعادة تأهيلهم والاستفادة من القادة الأمنيين والعسكريين من ضحايا الإبعاد ومن كان لهم الدور الحاسم في صناعة النصر واسترجاع عدن والجنوب.
٤. مراعاة حساسية المواطن الجنوبي تجاه الساسة الشماليين خصوصا أولائك الذين كان لهم دورا واضحا في سياسات ما بعد حرب ١٩٩٤م ، ولكم تمنيت أن لا تتسرع الحكومة في إعادة بعض الوزراء إلى عدن خصوصاً أولائك الذين ليست لهم سمعة حسنة في الجنوب والذين يتذكر المواطنون الجنوبيون أدوارهم في حرب ١٩٩٤م وما تلاها من عمليات النهب والسلب والإبعاد.
٥. تقدير مشاعر الجنوبيين الذين انخرطوا في معركة تحرير عدن والجنوب والذين قد يكون الدفاع عن الشرعية جزءا من هاجس البعض منهم لكن الهاجس الأساسي عند معظم هؤلاء لم يكن إلا إزالة نتائج حرب ١٩٩٤م من الدمار والخراب والسلب والنهب والإقصاء والاستبعاد والاستكبار وهو ما يعني ضرورة العمل على عدم استفزاز مشاعرهم بالحديث عن (الوحدة اليمنية) التي هي بالنسبة لهم ليست سوى مرحلة قاتمة من تاريخهم الشخصي والوطني المرير.
وهناك مجموعة من التحديات والمحاذير تتعلق بهؤلاء جميعا ومعهم الشركاء الإقليميين والدوليين وخصوصا دول التحالف وعلى رأسها الأشقاء في المملكة العربية السعودية وأهم هذه التحديات تعزيز النصر العسكري بالنصر الاقتصادي والخدمي وذلك من خلال مشاركة الأشقاء في دول التحالف في برنامج إعادة الإعمار وتبني خطة شاملة تساعد على إعادة بناء ما هدمته سياسات ما بعد ١٩٩٤م وما دمرته الحرب الأخيرة وفتح أبواب الاستثمار الذي يساعد على امتصاص البطالة وتدوير عجلة الحياة الاقتصادية، كما لا بد من الاستفادة من تجربة ٢٠١١م والمبادرة الخليجية التي تحولت من أداة لحل الأزمة إلى وسيلة للانتقام من الشعب كل الشعب، وسيكون من أهم التحديات إسقاط ما احتوته هدذه المبادرة من حصانة للمجرمين وتمكين لهم من السيطرة على مفاصل الدولة والانتكاس بحلم الشعب في بناء دولته المدنية العادلة، كما سيكون من المهم التنبه الى أن الجنوبيين لم ينخرطوا في العمليات العسكرية فقط دفاعا عن الشرعية، بل لأن لهم قضية مشهودة يعلمها القاصي والداني "القضية الجنوبية" التي فشل اليمنيون في حلها بالحوار وفشلوا في القضاء عليها بالحرب ولم يبقى أمامهم وأمام المجتمع الإقليمي والدولي إلا الإنصات لصوت الشعب الجنوبي واستفتائه ليقول كلمته النهائية حول مستقبله وتقرير مصيره، وليعلم الأشقاء والأصدقاء أن (الوحدة اليمنية) الزي ما يزال البعض ينظر إليها كما كان ينظر القريشيون إلى هبل واللات والعزى قد صارت في نظر الجنوبيين في حكم الماضي والجنوبيون ينظرون إليها على إنها ليست سوى مصدر شقاء ومعاناة وإقصاء وهي لا يمكن أن تستقيم لأن النخبة السياسية الشمالية (بما في ذلك المدنيون وأصحاب الشعارات الحضارية) لا ينظرون إلى الجنوب إلا على إنه فرع من أصل أو جزء من كل ولن يكون إلا غنيمة للمتنفذين والناهبين وهو أمر لا يستقيم إلا باستعادة الجنوب لدولته واسترجاع مكانته الدولية والإقليمية كدولة مستقرة مدنية تعددية منسجمة ومتعايشة ومتكاملة مع محيطها الإقليمي والدولي.
والله من وراء القصد
ترنيمة العيد
يا فرحة العيد حلي في روابينا
وعطري ربعنا واسقي أهالينا
جودي فقد جاد رب الكون قاطبة
وفاض في الأرض نصرا للمصلينا
قد كانت الأرض غبرا كاد يخنقها
مكر الأعادي الذي قد كاد يفنينا
لكنه الحق أهدى للورى هبة
زفت لنا النصر فازدانت أمانينا
طلائع المجد قد هلت على عدن
تهدي لها النور عطرا والرياحينا
يا رب ادعوك كن عونا لمن صنعوا
بشاشة الفجر فرسانا ميامينا
واحفظ إلهي رجالا أجزلوا هبة
وضاعفوا العون إعدادا وتمكينا
لهم من الشكر أضعافا مضاعفة
لقاء ما قدموا دعما وتأمينا
واحفظ إلهي لي الأحباب قاطبة
وامنحهم الصبر إيمانا وتحصينا