لم تكن ثورة ١٤ أكتوبر ١٩٦٣م حالة عبثية كما لم تكن تمرداً فوضوياً، ولا حركةً سياسيةً مراهقة أو نزوةً طائشةً عابرة، . . كانت ثورة أكتوبر حاجة موضوعية ولدتها تطلعات الشعب الجنوبي إلى الحرية والاستقلال والوحدة والتقدم والنماء، ولأنها كذلك فقد جاءت ملبية لتطلعات ملايين المواطنين الجنوبيين التواقين إلى غد أكثر حرية وأكثر عزة وكرامة.
ثورة أكتوبر الخالدة تميزت بجدريتها وبتعبيرها عن أوسع قطاعات الشعب من خلال الشعارات التقدمية التي رفعتها واستطاعت أن تحشد حولها جماهير الجنوب من أقصاه إلى أقصاه، ولم تكن تلك الشعارات مجرد حملة دعائية خادعة لمغالطة الجماهير والنيل من الأعداء بل لقد تحولت تلك الشعارات بمرور الأيام والشهور والسنوات إلى ممارسة سياسية على الأرض جنى ثمراتها العمال والفلاحون والصيادون والجنود والمعدمون وسائر الطبقات الاجتماعية الفقيرة التي تمثل غالبية سكان الجنوب.
لقد تميزت ثورة أكتوبر عن شقيقاتها بأنها ربت جيلا معافى من علل الفساد والأنانية وأمراض التعالي والطمع والجشع والاستكبار، وكان الانتماء إلى الطبقات الفقيرة مصدر فخر لصاحبه لأنه يؤهله لأن يكون في مقدمة أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة وآفاقها المستقبلية.
اليوم ونحن نعيش أجواء الذود عن الكرامة وردع العدوان والاتجاه نحو بناء دولة المواطنة التي يتساوى فيها جميع الناس بغض النظر عن الانتماء الطبقي والمناطقي والفئوي والمستوى المادي والاجتماعي والثقافي، جدير بنا أن نستدعي تلك العبر والدروس التي علمتنا إياها ثورة الرابع عشر من أكتوبر ١٩٦٣م المجيدة، وأولها دروس الإخلاص للوطن والتمسك بسيادته وتحرير تربته من التبعية وسيطرة الدخلاء، وثانيها تعلم قيم الإيثار والتضحية والفداء ونكران الذات وغيرها من قيم الثورة التي علمنا إياها الرواد الأوائل ومارسوها طوال حياتهم وما يزال الأحياء منهم يتمسكون بها كتمسكهم بالضوء لرؤية الطريق ومقاومة الظلام
المجد للثورة والخلود للثوار
الرحمة لشهداء الثورة والمقاومة والحرية للأسرى والمعتقلين.