يمن ما بعد الحرب ... قراءة أولية

2016/03/06 الساعة 12:15 صباحاً

 بقلم: عبدالوهاب العمراني

 

يتلخَص ألإشكال في المشهد اليمني غداة الربيع العربي على قاعدة )ما بُنى على باطل فهو باطل (فالنتائج وليدة أخطاء متراكمة وليست مقصورة في القوى السياسية النافذة والتي لازالت تبعث بالمشهد السياسي بخلاف بقية بلدان الربيع العربي بل وخطاء وتخاذل دول الإقليم الذي تمحور في المبادرة الخليجية السيئة الصيت ، ويُعزى فشل وتعثر المرحلة الانتقالية أيضاً ليس فقط  في ثنائي الانقلاب بل وهادي نفسه الذي سمح للحوثيين بالانخراط في الحوار الوطني وهم ميشليا مسلحة فكانوا يتفاوضون ويسقطون)صعدة( كاملة ومن ثم (دمَاج) و(عمران) إلى أن وصلوا صنعاء وفرضوا اتفاق السلم والشراكة فلم نرى لا اتفاق ولا سلم ولا شراكة بل محاولة الاستمرار في النزعة العدوانية التسلطية بمواصلة إسقاط المدن (مارب) (الجوف) بل وقصفوا عدن بالطائرات قبل أيام من عاصفة العجز ، واليوم اليمنيون بين مطرقة استمرار الحرب او الابتزاز بمقايضة طرفي الانقلاب بالجانب الإنساني في تعز وملف الأسرى والتي يندرج إلى مصاف جرائم حرب حسب أدبيات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية ورغم ذلك لازالت سلطة الانقلاب مصرة على ( الصمود) يقابلها إصرار التحالف بمواصلة الحرب حتى إزالة الحوثي من المشهد السياسي لان بقائه طرفا في المشهد بالسلاح وبدون تطبيق كامل لقرار مجلس الأمن يعني عدم استقرار اليمن والخليج برمته والأمن في الجزيرة العربية هو كل لا يتجزاء .

لقد تغيرت قواعد اللعبة في المشهد بعد نحو عام ونصف من سقوط العاصمة اليمنية صنعاء ومن هنا ينبغي أن يدرك الجميع بأن يمن ما بعد 21 سبتمبر 2014م يختلف بداهة لمرحلة ما بعدها ، كما أن يمن ما بعد أن تضع الحرب أوزارها سيخلق واقعاً آخر وفق المتغيرات السياسية والعسكرية فالمبادرة الخليجية غدت من الماضي رغم ذلك ستضل ضمن المرجعيات في مضمونها كما أن مخرجات الحوار الوطني، جرى إنهاء مفعولها بتوقيع اتفاق السلم والشراكة الذي فرضه الحوثي ورعاه هادي وبن عمر ، وقد يُعاد تحْديد مفاهيم مخرجات الحوار خصوصاً فيما يتعلق الأمر بالفدرالية التي لم يكن متحمسا لها سوى هادي وبن عمر لانها (قسمة ضيزى) كل ذلك سيُعاد صياغته بتوافق القوى السياسية بعد الخروج من كابوس تداعيات الانقلاب.ومن هنا فنتائج الحرب ستخلق بالفعل حقائق وواقع يجب التعامل معه فالتاريخ يكتبه المنتصر ، ويجب أن يكون الشعب اليمني هو المنتصر فالحكام زائلون ، وليس مكتوب على هذا الشعب المنكوب بحُكامة أن يصوم دهراً ويفطر ببصلة ( والبصلة هنا هي بقاء الأخوة الأعداء صالح والحوثي).

بداهة مآل أي  حرب هو طاولة المفاوضات مهما كانت نتيجتها ..ووفق مفهوم الحوثيين أن الحوار يحدده ميدان القتال وهذا منطق واقعي فما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة كما قال الرئيس جمال عبدالناصر ، ما حصل غداة الربيع العربي في نسخته اليمنية هو إفرازات متراكمة لعقود ، كما أن تأمر الدولة العميقة ( المفترض أن تتوارى) غداة ثورة فبراير بعد الحصانة إلا أن إصرار زعيم الفساد بدعم مرشحة اليد الأمينة قد اجهضت المرحلة الانتقالية المفترضة تجسد تلك محاولات تحالف الانقلاب بعسكرة الثورة بثورة مضادة فالجيش اليمني الذي أنفق عليه مليارات على مدة أربعة عقود من قوت الشعب انتهى به الأمر لقمع الشعب تحت مفردة (الدفاع عن الوطن ومقارعة العدوان) وهذا بداهة مجافيا للحقيقة وتدليس إعلامي ليس إلا !

الثورة المضادة في المشهد اليمني خلال خمس سنوات هي التي أنتجت هذه الحرب التي بدأت بشأن يمني وغدت أمن وقلق خليجي نهايةً فوقف الحرب هو إرادة يمنية متلازمة بضرورات إقليمية ودولية ، وأجمالا فالمشهد السياسي والعسكري اليمني بعد نحو عام من اندلاع هذه الحرب ليس واضحاً ويسوده الضبابية وتداخلات طبيعة مجريات المعركة بالكرْ والفرْ المتزامن مع حرب إعلامية مستعرة ، وعلى خلفية احتمال الولوج لجولة جديدة للحوار في حال كان طرفي الانقلاب جادا هذه المرة وإلا فمالها الفشل كسابقتها ، وفي الوقت بعد تحقيق تقدم ملحوظ ولو بطئ  اللافت أن طرفي الانقلاب في الذي يلهثون لاستجداء إنهاء حرب التحالف ضدهم لازالوا يعيشون وهم البقاء رغم الخلافات بين جماعة صالح وأنصار الحوثي فقد ازدادت حدة الخلافات غير المعلنة بينهما بعد أن قدم فريق صالح مقترحا إلى الحوثيين بتشكيل فريف عسكري يقره مجلسي النواب والشورى وهو الأمر الذي رفضته جماعة الحوثي رفضا قاطعا .ونقلت لصحيفة “الأمناء” في عددها الصادر اليوم الخميس عن مصادر مقربة من المؤتمر قولها أن الحوثيين اقترحوا تأجيل البت في هذه الموضوع إلى ما بعد انتهاء الحرب .ويفهم من هذا بأن كلا طرفي الانقلاب يلازمهم وهم البقاء كفاعل لفترة  ما بعد الحرب وكأنهم يرسمون ملامح المستقبل كما فعل صالح بعد خروجه من السلطة ، وعلى افتراض تم ذلك فسوف يخسر اليمن محيطه سواء دول الخليج أو إيران ويبقى معزولاً ، المهم يبقى الزعيم والسيد يعود هذا بذاكرة الشعب اليمني عندما انفردت السياسة الخارجية لصالح بوقوفها إلى جانب غزو الكويت وبعدها تم ترحيل نحو مليون يمني من السعودية وبعض بلدان الخليج وتوترت العلاقات بعد أن كانت الكويت تساعد اليمن بشطريه بغض النظر عن طبيعة النظامين وكان جزاء سمنار  كما يقولون ، وهكذا وبعد ربع قرن من فقدان البوصلة في الموقف المخزي المنفرد عن محيطه الذي يثبت فشل سياستنا الخارجية خسرنا الخليج ومحيطنا وكسبنا مدة إضافية لبقاء الزعيم.

لم يستوعب البعض أن هذه الحرب قدْ قُدِرَ لها أن تستمر  إلى أن يُقدر الله أمراً كان مفعولاً ، فبعد نحو عام من الحرب لم يعد هناك مسوغاً لأي حل سياسي وفق مفهوم الحوثيين وخارج نطاق قرار مجلس الأمن وكما قفز الحوثيين على مؤتمر الحوار قد تستمر حماقتهم فيما لو افترضنا جدلاً في حال بقوا في المشهد بأي صيغة ولو بحجمهم الحقيقي لان أيدلوجيتهم عدائية انتقامية فإذا كانت لم تنجح في توافق تام بعد حوار استمر لنحو عام فكيف لعام من الحرب والدمار، التي ستفرز أحقاد وخراب في والعمران الإنسان ، وهذا يؤكد بأن أي حوار مهما كانت نتيجته يصب في صالح الانقلابيين.

ليس من مصلحة اليمن تسوية سياسية تبقي الميلشيا مسلحة مؤدلجةً ناقمة على الشعب والإقليم ، فما جرى ليس خلاف سياسي ما حدث هو تدمير لكل ماهو جميل ولا ينهي ذلك سوى محاسبة من تسبب به وهو طرفي الانقلاب.

تمنيات البسطاء من أبناء هذا الشعب الذين عانوا الأمرين ولسان حالهم هو إيقاف ومن ثم لكل حادث حديث ، هذا الدمار معتقدين بسذاجة بأن نهاية الحرب هي نهاية كل شئ مع إنها قد تكون بداية كل شئ ، فنهاية الحرب ليست حلاً لليمن إذا لم تكن بطريقة حاسمة يعقبها سلطة قوية منصفة توافقية تحظى بِرضى اغلب فئات الشعب اليمني ولا نقول كل الشعب سلطة قد تضطر لحظر الأحزاب مؤقتا وتعطل الدستور او يتم تعديل جوهري فيه يتلائم وطبيعة المرحلة سلطة تلملم شتات الدولة التي لم تلتئم منذ تأسيس الدولة اليمنية قبل نحو قرن مضى

وأجمالاً فطريقة نهاية الحرب ستحدد بالتالي مألات ما بعد الحرب  ، سواء في اتجاه الانفراج التدريجي أو الانزلاق للأسوأ ، فالشارع اليمني والرأي العام المتنور الغير متأثر بإعلام طرفي الانقلاب سيفكر مرتين لليوم التالي لتحرير صنعاء ولسان حالة إذا كانت عدن ما بعد التحرير نموذج سئ فهذا سينعكس بداهة على المزاج العام في أعالي اليمن بصورة عامة وصنعاء العاصمة تحديداً لما تحمله هذه المدينة العريقة من قيم تاريخية وحضارية ونسيج اجتماعي يمثل كل اليمن ، وبداهة مثل هكذا قلق يبدوا مشروعا و منطقياً على خلفية تجارب مريرة تختزنها الذاكرة الجمعية لليمنيين في تاريخهم الحديث.

الحرب التي جرت وتجرى منذ نحو عام ليست حرب أهليه إلا في بؤر معينة كمدينة عدن ، يمكن أن تندرج وتصنف بأنها حرب أهليه ، ويُعزى ذلك لعجز الشرعية من جهة وتخاذل التحالف من جهة أخرى في حين ما يجري في معظم محافظات المحافظات الشمالية والجنوبية هي حرب طرفي الانقلاب ضد المدنيين في تعز و(شبوة) وغيرهما  أي بين سلطة التسلط (الأمر الواقع) كما يحلو للحوثيين تسمية أنفسهم وكذلك من جهة أخرى بين التحالف وتلك الميلشيا والجيش اليمني الذي سخر مقدرات الدولة للتنكيل باليمنيين ، ، تعريف الحرب الاهلية هي ان يكون الجميع ضد الجميع وهي الآن فقط في الأنفس والنوايا نتيجة الشحن الطائفي والمناطقي وكذا تتجلى في الألسن ولم تطبق إلا جزئياً ، على خلفي ما جرى بالامس في (غزوة دار المسنين) يذكرنا بما حدث في مجزرة مستشفى العرضي قبل نحو عامين ، وكل هذا أيضا يجرنا لعملية مقارنة بما حدث في الجزائر في عشرية التسعينيات كان رأس إنسان برئ عجوز يقطع بالفأس لا يدري لماذا ومن الفاعل في بعض الحالات ، من هنا يجعل المواطن اليمني اليوم يفكر مرتين لمرحلة ما بعد التحرير الكامل هل ستكون صنعاء مثل عدن نموذج سئ وهذا يدعو للشك أن المخرج واحد في كل ما حصل ويحصل لغرض في نفس يعقوب .!

وبالطبع ضربات التحالف البعض منها يصيب المدنيين ومصالح شخصية وعامة ويندرج هذا في باب أن المصيبة تعم والحسنة تخص.. فاليمن وفق هذه الرؤية بين عدوانين داخلي وخارجي ، ومثلما خسر الحوثي قلوب اليمنيين جميعاً فقد بداء التحالف يخسر بعض اليمنيين في شمال الشمال ، ووفقاً لمسوغات الواقع يتضح بأننا أمام حرب طويلة سوا وضعت الحرب الحالية أوزارها قريباً أو حتى فجأة أو تعقدت الأمور على خطى سوريا ، الإشكال والتساؤل أيضاً في حرب ما بعد الحرب فيُخشى بعد تحرير صنعاء ان يحدث لمدن أعالي الشمال ما يحدث لعدن لان في الأنظمة الشمولية الكلية المستبدة عندما تضطر لترك السلطة  تترك  أثراً يصعب معالجته ومن هنا قد يكون ذلك مؤشراً لاحتمالية اندلاع حرب أهلية في كل اليمن غداة التحرير الكامل ومن هنا فيبغي للسلطة الشرعية ان تخطط لفترة ما بعد الحرب حتى لا ينجر اليمن للأسوأ والانزلاق لحرب أهلية التي لن يمنعها سوى سلطة توافقية قوية تبسط سيطرتها وتنشر العدل وأنصاف الشعب الذي عانى الأمرين متزامنا مع خطة تنموية جبارة بدعم إقليمي ودولي كمشروع مارشال بعد مؤتمر تهيئ له المنظمات الإقليمية والدولية ، وتسير هذه الاجرأت بطي صفحة الحوثي بسلسلة من التدابير التي اهم عناصرها العدالة الانتقالية لمجرمي الحرم بمحاكمة عادلة وعفوا عام لمن لم يتورط  وكذا تجريم الحوثية بتشريع برلماني فلا يعقل ان ُتجرم إقليمياً وعربياً ميلشيا كحزب الله والشعب اليمني أول من اكتوى بنيران حماقات تلك ميلشيا مدعومة خارجيا من ايران وحزب الله .