بقلم: عبدالوهاب العمراني
في مقالة نشرتها في وقت سابق في صحيفة القدس وفي فقرة توجز المقالة ذكرت بأن:
».. الإشكال الجوهري في التفكير الجمعي العربي أن الإنسان غدا يفكر بعقلية حاكمه ، ولا يتبين للبعض مدى حجم الفساد والظلم إلا بعد رحيله. « !
وفي جزئية علاقة اليمن الخارجية وتسخير السياسة الخارجية المفترض لمصلحة الوطن وليس فقط لإرضاء الخارج ومهادنة قوى نافذة في الداخل ، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن القول بأن الفرق بين ترسيم الحدود السعودية المصرية والسعودية اليمنية ، كالفرق بين عقلية حكام مصر واليمن منذ قرون أي منذ عهد محمد علي باشا ، وأئمة الدولة القاسمية في اليمن فالقيادات المصرية المتعاقبة رغم إنها من المؤسسة العسكرية كما هي في اغلب عهد العصر الجمهوري في اليمن إلا أن مصر مقارنة باليمن تبقى دولة مؤسسات ، وحالة الوعى أكثر مما هي في اليمن ، و بغض النظر عن طبيعة الحكم في مصر والتشكيك في شرعيته وموقف بعض شرائح الشعب المصري منه ، يكفي أن نقارن فقط في جزئية تنازل مصر عن جزيرتين هي الأخرى محل تنازع في تبعيتها بين مصر والسعودية وبين تنازل القيادة اليمنية عن جيزان وعسير في صفقة مشبوهة ظاهرها اتفاق ترسيم الحدود وباطنها اتفاق لا يصب في مصلحة اليمن بل حاكم اليمن الجمهوري شكلا الملكي مضموناً ، وهاتين الجزيرتين التي شغلتا الرأي العام المصري رغم ضخامة العائد لصالح الاقتصاد المصري يتضح بأنها من حيث الحجم لا تقارن بمساحة جيزان وعسير التي تعتبران أكثر من مساحة كلاً من مساحة لبنان وفلسطين معاً ، معلوماً بأن مصر أستفادت من مساعدات سعودية منذ انقلاب السيسي وقبل زيارة العاهل السعودي بثلاث دفعات من المساعدات استهلت بمنحة بعشرين مليار مكافئة لنجاح انقلاب السيسي ثم تبعها دفعتين ومؤخرا تم التوقيع أثناء الزيارة على 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مشاريع عديدة وبناء جسر يربط مصر بالسعودية ، وتنمية سيناء منها مجمعات سكنية واستثمارات لإنشاء عشرات المصانع وتشغيل نحو نصف مليون من العمالة المصرية إضافة لزيادة المغتربين خلال ثلاثون عاما من ربع مليون إلى ما يقارب المليونين . ويقول خبراء الاقتصاد بأن مصر ستجني من هذه الزيارة أكثر من 50 مليار دولار.
بينما اتفاقية ترسيم الحدود بين اليمن والسعودية فقد أظهر الأعلام اليمني بأنها نصراً لليمن وغدا الزعيم بطل قومي ، والحال عكس ذلك فمن بنودها السرية هي دعم نظام صالح ومن ثم تأييد نجله رئيسا قادم لليمن وبضعة مليارات ولهذا فالمليارات التي تلاحق الأمم المتحدة أرصدة الزعيم جزاء منها هي هبة من خادم الحرمين للزعيم ، ومن هنا استماتة السعودية للمبادرة الخليجية السيئة الصيت والتي منحته حصانة لم تأتي من فراغ ولا ينبغي ان تحلل وتقاس الامور من منظور موقف قيادتي السعودية والزعيم اليوم .
الإعلام المصري غير الرسمي ينقل صورة للرأي العام بأنه رغم ذلك غير مرتاح لسياسة السيسي لأنه تنازل عن جزيرتين لان حالة الوعى السياسي في مصر لا تقارن بأي حال من الأحوال بما يحصل في اليمن الذي يتمحور الرأي العام في اليمن جهوياً وفق رؤية طائفية مناطقية ، فاليمن ليست أقليم آزال فقط بل أن هذا المركز المُقدس يمثل ربع سكان اليمن واقل من ربع مساحته ، وجهوياً فأن معظم مؤيدي الزعيم وسيد الانقلاب من هذا المركز المقدس الذي حكم اليمن لأكثر من ألف عام سوا قبل الاحتلال العثماني او بعده وسواء في العهد الملكي او الجمهوري ، وسواء قبل الربيع العربي او حتى عهد علي محسن ، بينما أغلبية اليمن لهم رؤية أخرى ليس فقط أكثر عقلانية ولكن منطلق الاحساس بالظلم والتهميش إلا لرموز معينة من باب المراضاة وشراء الذمم .
وأنا على يقين بأن شعبية الزعيم في اليمن مقارنة بعدد السكان لكلا البلدين (مصر واليمن ) أكثر من شعبية السيسي في مصر ، كما ان شعبية الزعيم في عهده الغير شرعي اكثر من عهده (الشرعي) لهذه الاعتبارات .
وحتى وعود مؤتمر المانحين لليمن في مؤتمر لندن في العام 2006م حيث كان إجمالي المبالغ المُعتمدة والمقررة نحو ستة مليارات دولار لم يستفاد منها إلا بأقل من خُمس المبلغ ليس فقط بسبب حالة عدم الاستقرار السيسي بل لحالة الفساد وعدم توفر البنية التحتية لبعض المشاريع وبيروقراطية المؤسسات اليمنية وانشغال القيادة بحروب الداخل والمكايدات السياسية
الخلاصة يمكن القول أن الدولة العميقة في اليمن هي تراكمات فساد وتخلف منذ نحو قرن مضى ، ولاسيما في العقود الإخيرة تخلف في الإدارة وضعف سلطة الدولة وتأثير دور القبيلة تماهى مؤخراً مع الإسلام السياسي بشقيه الطائفي نتج نظام مُسخ على النحو الذي نعيشه اليوم يتمثل أيضاً بعدم وجود رؤية وطنية لمشروع حضاري تنموي ينهض بمستوى المواطن اليمني انعكس في جملة من الإخفاقات منها ضعف السياسة الخارجية والذي هو انعكاس لضعف العلاقة الصحيحة بين الحاكم والمحكوم .
استفادت بلدان عربية في العلاقات الدولية مع الآخرين فخلال نصف قرن نضهت أمم وهي بقدرات اقتصادية شبه معدومة ، استفادت بلدان عربية وغير عربية من منح وأمكانيات الدول الاكثر تقدما في أوروبا وأمريكا وغيرهما وكذلك الدول النفطية بينما فشلت اليمن من التعامل مع جيرانها ولم تجني منها سوا الجانب السلبي ، فالقصف لنا والمساعدات لغيرنا وإذا كان لنا فقط لرئيس السلطة ورموز معينة التي تدور في فلك السلطة ، تنازع الداخل اليمني على كعكة السلطة في حين فشلت الدبلوماسية اليمنية ووزارة التخطيط والتنمية والقيادة اليمنية من استقطاب استثمار سعودي وخليجي في اليمن لعدة أسباب منها عدم استتاب الأمن وعدم الاستقرار السياسي والفساد الذي نخر كل مفاصل الدولة .
فعلا الشعب اليمني بين عدوانين عدو الداخل وعدو الخارجي والداخل هو الأخطر !
هناك دولا تعرف كيف تستفيد من علاقتها الدولية وأخرى تعرف كيف تُنكل بشعوبها