بقلم : عبدالوهاب العمراني
نحو أسبوع يفصل بدأ الهدنة المفترضة ولقاء الكويت بين أطراف الصراع في اليمن في الثامن عشر من ابريل الجاري ، وتدرك الحكومة اليمنية الرسمية حجم الانتهاكات والتجاوزات لطرفي الانقلاب في خروقاتها اليومية ولكنها تتغاضى عنها عملا بالمثل (الحق الكذاب لباب الدار) في حين يفسره آخرون بأنه نتيجة لضغوط للتحالف وبالتالي لما يسمى بالشرعية والتي هي لا تخرج كثيرا عن إملاء الجهة الداعمة لها تماما كما هو سائد لدى طرفي الانقلاب والمدعوم خارجياَ أيضا سوى من إيران او المجتمع الدولي وبالأخص واشنطن التي ترى بضرورة بقاء مكون الحوثي كقوة متنامية تهدد بلدان الخليج ويكونون شوكة في خاصرة دول مجلس التعاون الخليجي لابتزازهم سياسيا وفي صفقات أسلحة مستقبلية ، ناهيك عن دورهم المفترض في مقارعة القاعدة نيابة عن الغرب فأهل مكة أدرى بشعابها مع أن ميلشيا الحوثي نفسه بالنسبة لأمن اليمن والمنطقة أكثر خطراً من القاعدة نفسها في حقيقة الأمر لكن كما يقال باللهجة المصرية (المخرج عايز كده) ، وإجمالاً فاللاعبين الأساسيين في نهاية الأمر مجرد أيقونات لقوى إقليمية .
الأطراف المتخاصمة التي تتفاوض هي نفسها التي استعانت يبعضها للتنكيل بالآخر ، فمعلوماً على الأقل لأغلب الرأي العام اليمني بأن الدولة العميقة للرئيس السابق ومن ضمنهم هادي نفسه قد استعان بالحوثيين للتنكيل بأطراف أخرى ساهمت في الحروب الست العبثية ، وقبل ذلك يدرك الكثيرون بل ألإقليم بأن الدولة العميقة والتي يمثلها الرئيس السابق بأنه قد استعان بالقاعدة بدايةً لمواجهة الحوثييين ثم فشل من التخلص من كلاهما ، فانتقمت القاعدة بعد أن توغلت في كل المناطق كما هو الأمر لميلشيا الحوثي أنفسهم والذين ينتقمون اليوم من بعض خصومهم بل وشعب بأكمله ، ثم يذهب الجميع للتفاوض ، فأي نتائج يتوقع أن تسفر من هكذا فرفاء ، فعلاً عقلية تآمرية الجميع يتآمر على الجميع بما فيهم الأقطاب الإقليميين نفسها التي أستهوتهم اللعبة والسياسة على الطريقة اليمنية وغدا الجميع يضمر الشر ضد الجميع أيضاً ، هذه باختصار خارطة الصراع اليمني !
فالرئيس السابق تماهت حياته السياسية مع مغامراته العسكرية ومع ذلك نجح مؤقتا ورغم منحه حصانة فقد واصل أستهوته اللعبة فاستغل قلة تجربة سلفه والذي اختاره بعناية عندما اسما بألا يدي الأمينة وجعل من حزب المؤتمر مسمار جحا وباعتبار ان المؤتمر كان حزب السلطة فقد غدا وفق معاناة اليمنيون بحزب التسلط . فالرأي العام يدرك فطنته ويرون بأنه اللاعب الأساسي غير مدركين بأن الدهاء السياسي شئ والإخلاص للوطن شئ آخر ، إلا ان ذلك لا يمنع من خلطة للأوراق قد كسب الجميع في نهاية المطاف ، متسلحا بالتناقضات وهشاشة الدولة التي ساهم في الوصول لغايته لكنه أصطدم بالقرارات الدولية وغدا مكبلا بقرارات تحد من تحركه خارج اليمن وتضع ثروته موضع تساؤل .
اللافت بأن قرار مجلس الامن الاخير يطالب ميلشيا الحوثي بتسليم الأسلحة وفق قرار مجلس الأمن يرد الحوثيين لمن تُسلم تلك الأسلحة المنهوبة ، متناسيين أنهم نهبوه كل الدولة بما فيها مقدراتها العسكرية أي نهبوا الدولة نفسها التي سيتحاورون مع رموزها اليوم ، ولهذا يصرون على تسليم السلاح للجيش الي يحارب في صفهم أي للدولة العميقة ناهيك على انهم قد ضموا الآف من ميلشياتهم للجيش وألبسوهم ملابس عسكرية ومنحوا بعضهم رتباً رفيعة ، بمعنى سيتم تسليم الأسلحة المنهوبة من يد إلى أخرى ، وهكذا فأن هكذا جدل يشبه الجدل السفسطائي أيهما خُلق أولا الدجاجة أم البيضة ؟
وإجمالاً فالمراقب والمتابع للبؤر الساخنة بعد تداعيات الربيع العربي يدرك ان المخرج الإقليمي والدولي نفسه ، فمن عطل الخيار العسكري في سوريا هو نفسه من يفرض حلولاُ سلمية في اليمن ، ومن خلال ما يُسمى بالمجتمع الدولي عبر الاهتمام المريب للأمم المتحدة والقوى الدولية النافذة وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا التي جعلت من بشار الأسد جزاء من الحل وليس أساس للمشكلة وهو الأمر نفسه في اليمن التي تحاول فرض الحوثي في حل سياسي حتى بسلاحه تحت مبررات محاربة القاعدة وليكون شوكة في خاصرة بلدان الجزيرة العربية برمتها ، ومن هنا فمثل هذه الحلول لا دور للشعب السوري او اليمني ، بل تفرض حلولاً كلما أوشكت تلك الأنظمة المستبدة على السقوط .
وبداهة وافتراضاً لو تمت تلك التسويات على طريقة (قسمة ضيزى) لن تحل الإشكال بل تؤجل الصراع ، وتدويره لمرحلة لاحقة ، وهكذا دواليك فلا تستفيد النخُب المهيمنة من تجارب الماضي لان همها فقط تقاسم كعكة السلطة التي لم تعد مُغرية بالفعل .
ووفق معطيات الهدنة وتربص كل طرف بالآخر فأن الكثيرون يُخيم عليهم اليأس والقنوط من تحقيق سلام يتوقعون فشل محادثات الكويت ما لم تكن ضمانة استقرار البلاد سحب السلاح الثقيل من كل المليشيات ، وفي مقدمتها مليشيات الحوثي، واحتكار الدولة وحدها لهذا السلاح.