بقلم : عبد الوهاب العمراني
في الوقت الذي يعاني فيه اليمنيون أوقات عصيبة وشظف العيش وحرب لا يبدوا لها أفق لتضع أوزارها ، ومشهد سياسي ضبابي معقد ومتداخل وفي ظل انسداد الأفق السياسي لأنها هذا الدمار والماسي تحل ذكرى الوحدة اليمنية التي وأدت بيد صانعيها ، في يوم 22 مايو ذكرى الوحدة الضائعة يفصلنا أيضاً 22 عام للحرب التي اندلعت باسم الوحدة في العام 1994م وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير ويومذاك وجرا الظلم والإقصاء والاستفراد بالسلطة تنامي ما سُمى بالحراك الجنوبي بينما كانت الحركة الحوثية تتشكل وتنمو هي الأخرى على نار هادئة مستغلة المناخ الديمقراطي الذي أتيح للجميع غداة إعلان الوحدة اليمنية أكثر من عقدين على تلك الحرب لم يخطر ببال اليمنيون بأنهم سيواجهون ظروفاً أكثر تعقيداً وأشد قسوة من حيث الدمار والتداعيات والظروف والملابسات الداخلية والإقليمية .
لعل العامل المشترك بين سلسلة الحروب في اليمن خلال ما يقارب الأربعة عقود قيادة واحدة وصلت لسدة الحكم في غفلة من الزمن ، هذه القيادة تُعتبر اليوم عند البعض رمز (للوحدة) و(السيادة) ولان العبرة بالنتيجة وخواتمها فأننا اليوم نؤسس لدول طوائف ونسيج اجتماعي مفكك ، بينما مفردة السيادة غدت نكتة سمجة .
تعُزى هموم ومشاكل اليمن الاقتصادية والسياسية لقيادة فاشلة واللافت أن هناك شرائح في المجتمع تعتبرها قيادة استثنائية تاريخية .. هذه القيادة التي نهجت سياسة فرق تسد فعمدت على خلق التناقضات والمصالح بين فئات الشعب ويحل في آخر الأمر كالمنقذ هذه القيادة الفاشلة التي لم تؤسس دولة مدنية وكانت المحصلة هو ما وصلنا اليه فبعض قيادات شعوب العالم الثالث ترى أما انا وإلا الطوفان أما العب أو أحطم الملعب!
تحالفت تلك القيادة مع مؤسسة القبيلة تارة ومع الإسلام السياسي بشقيه المذهبي تارة أخرى سوا في تلك الحرب التي شنت تحت شعار (الوحدة أو الموت )أو هذه تحت راية السيادة ومواجهة (العدوان)!
الإشكال بأن المواطن العربي واليمني تحديداً يفكر بعقلية حاكمة ، ولا يدرك مدى الظلم والعبث الذي يناله إلا بعد رحيل حاكمة ، واليمنيون بالنظر لحالة الجهل والأثر القبلي وتأثير القات حالة فريدة في علاقة الحاكم بالمحكوم فترى الكثير منهم حتى النخب (المثقفة) المعول عليها حمل مشاعل التغيير هي الأخرى تنجر لسواد الشعب والعوام في تمجيد الحاكم وتقديسه ، واليوم ينقسم هؤلاء إلى مدرستين السيد والزعيم فالعشق المحرم بين الرمزين لهم تاريخ طويل في الصراع عبر ستة حروب عبثية فترك الزعيم خصمه القديم وترك السيد الايدولوجيا والعقيدة ليرجح المصلحة السياسية ، ونتيجه لهوس السلطة والاحقاد الشخصية خسر اليمنيون اليوم كل شئ وظل اليمنيون يزحفون في الرمال المتحركة لأكثر من نصف قرن وهم في وهم ومُثل وشعارات مفروغة من مضامينها كالجمهورية والديمقراطية والوحدة والدساتير ودولة القانون والدولة المدينة .. وكلها مجرد مسميات جوفا فغدا اليمنيون يتغنون بهذه القيم الافتراضية ليس إلا !
الراصد لمألات الأحداث في المشهد اليمني بعد أكثر من عام على الحرب وسوا بؤر المواجهات في أكثر من جهة يمنية وبين مارثون المفاوضات في الجولة الثالثة الأكثر جدلاً وتعقيداً لأنها بمثابة الفرصة الأخيرة لإرساء سلام حقيقي يتطلع إليه الشعب اليمني رغبة اليمنيون اليوم لسلام شامل دون ترحيل للمشاكل كما حصل في المبادرة الخليجية والتي حملت بذور فشلها في بنودها ، فتجريب المجرب ضرباً من الحماقة فاليمنيون يتطلعون لعهد جديد يتوارى فيه من عبث باليمن لعقود ومن قفز على الإجماع بسياسة الغلبة .
حالة اليأس والقنوط والإحباط تعكس إيقاع الشارع اليمني تدعو الأطراف المتناحرة لتغليب مصلحة الشعب خيراً من تقاسم السلطة ، فنحو شهر من المفاوضات العقيمة التي يراد لها أن تحاكي ما جرى ويجري في سوريا سوا من الوضع في الميدان وأروقة السياسة فلا عجب فالمخرج واحد لكل البؤر العربية غداة الربيع العربي ، فالأمم المتحدة غير متحدة والاتحاد فلم تعد سياسة أمريكا وحدها موضع تساؤل بل تكالبت الأمم على اليمن كما تتكالب الأكلة على قصعتها فالاتحاد الأوروبي من خلال سفيرة المفوضية لليمن غدة ملكية أكثر من الملك ، اللافت أن اهتمام الإقليم والمجتمع الدولي ينصب على الملف السياسي دون النظر للجانب الإنساني بل لم يعرض البند ضمن الأجندة التفاوضية كمسلمات وليس للمقايضة بمكاسب سياسية ، المنظمات الإنسانية التي تعمل في اليمن لا تلقى ترحيبا من كل أطراف الصراع بل مضايقات سواء من سلطة الأمر الواقع او من قوات التحالف .
ميليشيا سلطة الأمر الواقع أستندت لأمرين في وهم السيطرة بالتواطئ الداخلي بما فيهم هادي نفسه ، وتأمر المجتمع الدولي برمته ، فالاعتقاد لدى رموز هذه الحركة بأنها الفرقة الناجية التي فلتت من ستة حروب وهي تزداد قوة ، رغم أن أغلبية الشعب اليمني لا تتناغم مع تطرفها الطائفي والمذهبي إلا إنها قد تكون بناء على هذه المسوغات قد تفرض نفسها بالقوة لفترة من الزمن فالتكتيك الآني قد يكون لصالحها بينما في البعد الاستراتيجي العكس من ذلك وما بين الوهم المرحلي والرؤية البعيدة المدى يعيش اليمنيون المنزلة بين المنزلتين وهي فترة قاسية اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وحتى لو تخلل ذلك فترات تهدئة وهدوء شكلي .
مثلما قوت شوكة الحركة الحوثية بالغلبة والعنف فإنها أيضا تراهن لاستمرارها بنفس الأسلوب لإدراكها بحتمية الانكماش والتقوقع في حال تخلت عن السلاح . لقد تماهت هذه الحركة وتأثرت بالجانب الأسود والسلبي في التاريخ العربي الإسلامي وإسقاطه على تطلعات آنية تنفيذاً لتطلعات ومشاريع سياسية إقليمية
الراصد لتعامل حكومة الشرعية والإقليم بالاحتواء الايجابي لهذه الحركة وقبول انصهارها في بوتقة وطنية مستقبلية يعكس رؤية حضارية وطنية مسئولة باعتبار الجميع أبناء هذا الوطن رغم الآثار المدمرة التي ستخلفها طموحات هذه الميلشيا خلال ستة حروب ومنذ سقوط صنعاء وحتى يومنا هذا . لكن لا يستبعد ان يحدث تحول في المزاج العام للرأي العام اليمني والحكومة في هذا الطرح الذي يجعل قادة الحوثيين يعيشون وهم التفوق والتميز فيتم الانتقال من التعامل مع الحوثية كحركة قابلة للتأهيل الى إعلانها حركة إرهابية بداية لإعادة تنظيم صفوف الشعب لمواجهة حركة تأكل دمه ولحمه وعظمه.
يتولد هذا الاعتقاد والاستنتاج بادراك المراقب والراصد لرؤيتهم للسلام منذ بضعة أسابيع مضت فالحوثيين جاؤوا للكويت لإنقاذ أنفسهم وليس لإيقاف نزيف الدم والدمار، باعتبار إنها تعيش أزمة شرعية دولية .. يلهثون وراء تقاسم السلطة قبل أي شئ .
أما لماذا هذا الإلحاح وهوس مشاركة السلطة كي يتجنبوا محاكمة مستقبلية ونقمة الشعب مع ان اليمنيون لن ينسوا كل ما عملوه ، الأمر الآخر يريدون تثبيت أنصارهم في كل مفاصل الدولة لعدة اعتبارات منها مكافئة لأنصارهم ومن جهة كي يكونوا نواة لإثارة المشاكل والتغلغل في الدولة مجدداً ، حتى لو أصرت أمريكا ببقاء دور لهم ( مع أن أمريكا ليست على كل شئ قدير) لن يُكتب لليمن بالاستقرار فلن تحكم اليمن إلا بتوافق حقيقي سلمي وليس بقوة السلاح ، وكذا لو افترضنا انتهت مشاورات الكويت باتفاق هش سيكون فقط على الورق ولن يلقى تفاعلاً على الواقع فيدخل اليمنيون جولات عنف جديدة.