بقلم : عبدالوهاب العمراني
بُضعة أسابيع مضت واليمنيون يتشبثون بأمل السلام .. لقد بدأت الأمور تتضح للرأي العام على خلفية انسداد أفق الحل السياسي بأن ما جرى ويجري مجرد مسرحية سيئة الإخراج تزامن ذلك مع تداعيات الأزمة بين الأمم المتحدة والتحالف بشأن إدراج اسم السعودية في جرائم ضد الأطفال في اليمن ، فيما تداخلت وتقاطعت مواقف يمنية وإقليمية تربك المشهد تارة وتعطي حالة من التفاؤل والأمل تارة أخرى وثالثة تعكس حالة إحباط وقنوط للجميع .. تداخل كل هذه الاعتبارات الإقليمية والدولية مع انهيار كامل للهدنة في أكثر من جبهة وبؤرة ساخنة في ساحات القتال في مناطق متعددة في اليمن توحي للمراقب والراصد بأن المشهد السياسي والعسكري ربما قد يلج مرحلة أخرى من الصراع لتهيئة الملعب لجولة أخيرة من التفاوض وقد تكون على أسوار صنعاء !
تطورات اليومين الأخيرة في (ماراثون) مفاوضات الكويت اليمنية قطعت الشك باليقين لحالة القلق المستمر للامين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) وأحبطت من تفاؤل ممثلها في اليمن ولد الشيخ في الإيحاء بجود أي توافق يُمكن أن يمثل أرضية مشتركة لصياغة أي خطة حل خلال الأيام القادمة ، ومن هنا فيبدو بأن الحوثيين يمهدون لإعلان فشل المفاوضات تأكيد العودة لما قبل نقطة الصفر ونسف المرجعيات .. وهو ضمنياً الإيحاء بدق طبول الحرب .
غدا معلوماً بأن المندوب ألأممي في المضمون يسير على نهج سلفه جمال بن عمر والذي كان متفائلاً على طاولة الحوار الذي طال أمده في فندق (الموفمبيك) في الوقت الذي كان الرئيس هادي والمعترف به حينها لدى طرفي الانقلاب تحت الإقامة الجبرية ، لقد دأب كلاهما أي المبعوث الحالي والسابق على تسويغ الآمال والتبشير بحل شامل مرتقب ، بعد كل هذا يمكن القول بأن الكرة اليوم في ملعب المنظمة الدولية التي تبيع الوهم ولدى المندوب ألأممي تحديداً .
وفي الوقت الذي يواصل بان كي مون قلقة وممثلة ولد الشيخ تفاؤله نفى الناطق الرسمي لجماعة الحوثي المسلحة ، في الإيحاء باستحالة تحقيق أي توافق يمكن أن يُمثل أرضية مشتركة لصياغة أي خطة حل خلال الأيام القادمة ، ومن هنا فيتضح جليا بأن الحوثيين يمهدون لإعلان فشل المفاوضات تأكيد العودة لما قبل نقطة الصفر ونسف المرجعيات ..
في هكذا نهاية دُرامية لمفاوضات عقيمة كلا طرفي مشاورات الكويت لا يريد ان يعلن المفاوضات كي يسحب ذريعة التداعيات على الطرف الآخر .. ولكن بعد حالة اليأس مؤخرا لممثلي الانقلاب هناك حالتان لنهاية المشهد في مسرحية الكويت أما ان الحوثيين يعلنوا الفشل رسمياً أو يوكل ذلك للمبعوث الدولي لإشهار فشله وفي كلا الحالتين يصب في مصلحة اليمن .. لقد قالت العرب قديماً رب ضارة نافعة ، والنافعة هنا عدم شرعنة انقلابهم وسيعودون خائبين ولا نريد التحالف بتخاذله ولا شرعية ضعيفة .. وخيراً لوفد الحكومة أن يستقيلوا من عضوية الوفد من أن يكونوا مجرد مطية لشرعنة الانقلاب ، وفي نهاية المطاف في حال تقاسم تحت مسمى التوافق ستكون (قسمة ضِيزى) ويصبحون (كُمبارس) ومحلل لطرفي الانقلاب لأنه سيكون فقط إتفاق هش على الورق وآنذاك أي مقاومة مستقبلاً وتذمر من أداء حكومة التقاسم سيندرج تحت مسمى (الإرهاب) بعد أن تحظى تلك الحكومة المفترضة بغطاء شرعي دولي وحينها سينكل بمن تسول له نفسه الاحتجاج والرفض من الجميع الداخل والإقليم والمجتمع الدولي باعتبارها ستكون حكومة شرعية مُعترف بها ، وآنذاك فقط سيلج اليمن فصل آخر من المأساة وحلقات التأمر التي بدأت تنجلي
وعلى الرغم من وجود القرار ألأممي الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، وهو أعلى درجات القرار، وهو القرار 2216 إلا أن ذلك القرار لم ينفذ، ورغم تعيين مبعوثين لتنفيذه نجد إنهما لم يستطيعا الوصول إلى نتائج مرضية بقدر ما كانا ينحازان للجانب الانقلابي على حساب الجانب الشرعي والذي صدر القرار ألأممي ليؤكد شرعيته.
المتابع والراصد ليوميات مفاوضات (حُوار الطرشان) يرى إنها تحاكي إلحاح العرب للسلام مع إسرائيل من موقف ضعف .. ولسان حال إسرائيل .. نعم ( سلام مقابل السلام) بمعنى سلام معكم مقابل ان لا نحاربكم وتبقى الحالة كما هي ..
بداية المفاوضات كان الحوثيين يشاركون المبعوث الدولي حالة التفاؤل ويخشون إظهار الفشل .. ويتوددون للسعودية وأكلوا الكبسة أكثر من مرة ، ولان لكل شئ نهاية فقد وصلت المفاوضات بالفعل لحالة انسداد الأفق السياسي لاختلاف رؤى الطرفان في ليسس للحلول فحسب بل وفي آلية ومرجعيات الدخول لهكذا حلول ، من طبيعة الأمم المتحدة إنها تبيع الوهم ..وكما أن ألضمّآن يلهث وراء سلام فأن اليمنيون كالغريق الذي يتعلق بقشة أمل بعد ان أنهكتهم الحروب ، بينما المتحاورون الهاهم التقاسم .. نعم اليمنيون سئموا حالة الحرب وحالة ألّلاسِلم .. ورغم ذلك يتعلق اليمنيون بوهم السلام وبالقبض على أثرٍ من سلامٍ يبدو بعيد المنال أو حتى من سرابه تنقلب المفاوضات في ترمومتر وبورصة التفاؤل والأمل الحذر بين عشية وضحاها
فإذا كان حوارا لعام كامل انتهى بسقوط صنعاء وسقوط حكومة (التوافق) فيكف يطالب الحوثيين اليوم وبعد ما يقارب العامين لإسقاطهم عمران ومن ثم مدناً أخرى مرورا بحرب لخمسة عشر شهراً من الدمار وشق الصفي الوطني ، ثمة ما يكفي من الأحقاد في اليمن لجعل الحسم على الأرض هو الخيار الوحيد ، وطبول الحرب هذه ليست أمنيات الشعب اليمني الذي سأم الحرب ولا حتى الحكومة الشرعية بل إيحا طرفي الانقلاب الذين بحماقاتهم وشهوة الحكم جعلوا وطنهم في وضع لا يحسد عليه .
يُعزى سبب تعنت طرفي الانقلاب بعامل داخلي يكمن في اعتقاد ووهم الحوثييين كعادتهم بالنصر المؤزر على اعتبار ان كل معاركهم السابقة كانوا ينجون منها في آخر لحظة ، لكن لتلك الرؤية ما يدحضها بالنظر لواقع الحال اليوم يمنيا وإقليمياً فبعد أكثر من عام من هذه الحرب المدمرة والتي سبقها فتوحات وإسقاط مدن ليس أمام اليمنيون إلا ان يدركون بأن مسوغات واقع الحال تقول بأن الحرب حتمية لإنقاذ اليمن لكن الحل السياسي يبقى الأجدى لتجنب مزيداً من الدمار ..
باختصار يمكن القول بأن المشروع السعودي الذي اخفق في حسم المعركة بعد أكثر من سنة وحتى يتمكنون من حماية الأمن القومي لكل الخليج سيأتون للالتفاف من الباب الخلفي كما في مصالحة 1970م طبعا مع فارق الظروف المستجدة الإقليمية ، في حين يعتقد البعض بأن هذا القرار يعكس رغبة ملحة لهادي لإفشال المفاوضات وسد الطرق أمام أي بوادر لحل سياسي.
محن متلاحقة لليمنيين المنكوبون بحكامهم ما يقارب القرن من تأسيس الدولة اليمنية وأكثر من نصف عقد من الإطاحة بالملكية ومجئ جمهورية العسكر وأكثر من خمس سنوات من الربيع العربي المِشوّة في اليمن .. هل هي عبقرية المكان ، أم لعنة الزمان ، هل يعقل بعد هذا المسلسل الدرامي المؤسف لحرب تلد أخرى أن يفطر اليمنيون ببصلة المحاصصة والتقاسم تحت عنوان التوافق . فاليمنيون تجرعوا مرارة العيش والتدهور في كل تفاصيل البنية التحتية المنهارة أصلاً وبرغم ان التحالف قد كسر شوكة الانقلابيين وأرغمهم على القبول صاغرين للحوار تحت سقف القرار ألأممي إلا أن هذا لا يعني نصراً مطلقاً للشرعية او التحالف والذين اظهروا عجزهما في الإطاحة بالانقلاب في الشهور الأولى لانطلاقة ما أسموه بعاصفة الحزم ، مع أن اليمنيون يطلقون عليها عاصفة العجز وذلك مقارنة بالإمكانيات ومقدرات التحالف والشرعية التي كانت تلتف حولها أغلبية الشعب اليمني وعجزهما اظهر قوة مصطنعة لطرفي الانقلاب بل وجعل البعض يلتف حولهما على الأقل في مناطق أعالي الشمال التي لازالت تحت سيطرة تحالف الانقلاب.