خلال ايام قليلة تحل علينا الذكرى الخامسة لتوقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والتي وقعت في العاصمة السعودية الرياض في ٢٣ نوفمبر ٢٠١١ بمشاركة جميع الفرقاء اليمنيين وحضورإقليمي ودولي مميز تصدره خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ، وتنفس اليمنيون يومها الصعداء مع توقيع هذه الاتفاقية والتي شكلت مع آليتها التنفيذية خارطة كاملة لحلم اليمنيين ، لانتقال سلمي للسلطة في اليمن .
لقد شكلت هذه المبادرة ببنودها المعدودة والبتها التنفيذية المفصلة المرجعية الكبرى للوفاق الوطني بين الأطراف المختلفة على الساحة اليمنية ، وكان الهدف المنصوص عليه في هذه الاتفاقية هو انتخاب رئيس جمهورية للقيام بمهام استثنائية ابرزها اعداد دستور جديد للبلاد ، يحقق لليمنيين مشاركة حقيقية في السلطة ، ويقر هذا الدستور من خلال استفتاء وطني ، ويدعى الرئيس بعد ذلك المواطنين لانتخاب برلمانهم الجديد بموجب الدستور الجديد ليكلف الرئيس الحزب الحاصل على الأغلبية الانتخابية لتشكيل الحكومة واستلام السلطة .
كانت المبادرة هذه هي المرجعية الرئيسيّة لكل الإجراءات الاساسية في انتقال السلطة بشكل سلمي ، فكانت حكومة الوفاق الوطني والانتخابات الرئاسية والقرارات الجمهورية وكذا إجراءات حكومة الوفاق مستندة الى هذه المبادرة .
هذه المبادرة التي اطلع عليها العالم بعد توقيع الفرقاء ، كانت حصيلة لجهد توفيقي كبير بذله مجلس التعاون الخليجي خلال شهور الصراع في عام ٢٠١١م ، ولقد واجهت هذه المبادرة تحديات كبيرة في مرحلة اعدادها وخاصة في ظل العنف الذي مورس ضد التجمعات السلمية للمواطنين وأدى الى اراقة الدماء وتصاعد مشاعر النقمة والغضب ، وحاول العابثون اجهاض هذه الوثيقة المرجعية من أيامها الاول عبر أساليب مشينة عايشناها عن كثب بالذات بعد مرحلة التوقيع عليها في الرياض ، الا ان الإجراءات الحاسمة والسريعة التي نصت عليها المبادرة وآليتها ، كان لها اثارها الإيجابية في تعزيز روح التفاؤل في الشارع اليمني والذي كاد ان يصاب بالاحباط واليأس ، ورغم ذلك كان هاجس اليمنيين جميعهم ومصدر خوفهم وقلقهم كيف ستتحول هذه النصوص الى إجراءات عملية تعكس توافق اليمنيين ، خاصة وان الاتفاقية حافظت على جميع أطراف الصراع وطلبت منهم مشاركة فاعلة وتوافقا حقيقيا في تنفيذ الاتفاق لاسيما وانه لم يكن هناك متغيرا أساسيا في الخارطة السياسية عدا الصلاحيات الكبيرة التي نصت عليه الوثيقة للأخ الرئيس .
وقي اجواء قلق عميق وأوضاع مأساوية معقدة شق الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي طريقه قائدا للدولة و مؤسساتها لتحويل تلك الصلاحيات الى إنجازات كبيرة في تهدئة الخصوم ، ونقلهم من الميادين التي سكبت فيها الدماء الى قاعات مراكز الاقتراع لتعزيز شرعية انتقال السلطة ، وتم ذلك بالفعل وبنجاح كبير رغم كل التحديات وهكذا أعطى الرئيس هادي نفسا حقيقيا لهذه الاتفاقية وحول مدادها الى إجراءات فاعلة على الارض ليتمكن اليمنيون من المشاركة الفاعلة في الانتخابات الرئاسية في ٢٠١٢ .
وتستمر المرحلة الانتقالية في مشوارها الصعب والشائك بأمل اكبر وتصميم لا يلين للانتقال الى تسوية الملفات المختلفة التي خرجت الملايين من اليمنيين للمطالبة بتسويتهاحتى تسود قيم الحرية والعدالة والبناء.
لقد نصت الآلية التنفيذية للمبادرة على ان يجتمع كل الفرقاء للحوار حول هذه الملفات الساخنة والتي تتعلق بترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية في البلد ، ولكن كان التحدي في الميدان ، كيف يمكن ذلك ؟؟ وخاصة ان الصراع لايزال يضطرم ، والحوادث ماتزال تقلق الوضع العام ، وبالذات في الجوانب الأمنية ، وحياة المواطنين البسطاء تتعقد بسبب الركام التي تركته المرحلة السابقة ، ليجد الرئيس نفسه مع حكومة الوفاق في وضع لا يحسد عليه ، وإزاء كل تلك الملفات كان هناك إعلام يضر اكثر مما ينفع ويفسد اكثر مما يصلح بل تبنت بعض المنابر الإعلامية مواقف مخزية خدمة لمراكز نفوذ عاتية !!! كيف يمكن في ظل هكذا اوضاع ان يجمع الرئيس هذه الأطراف للحوار ؟؟ بل كيف يمكن له إدارة مثل هكذا حوار ؟؟؟ بل هل من أمل لمثل هذا الحوار في ان ينجز لليمنيين شيئا ؟؟؟؟
كان الكلام عن النجاح بعيدا بعيدا بعيدا !! وربما كان الصوت الوحيد والعالي الذي يعول على الحوار ونجاحه هو الرئيس عبد ربه منصور هادي لا احد سواه ، وهذا ما لمسه وعايشه كل من كان قريبا من الرئيس في ذلك الوقت .
وكان كل اليمنيين اكفهم على صدورهم مخافة ان يفشل الحوار ، وان لا تنتصر إرادة اليمنيين في إدارة خلافاتهم داخل القاعات ، وكانت المفاجأة الكبرى ان قطار الحوار وصل الى غايته المنشودة وأضحى اليمنيون يمتلكون دليلهم النظري لحسم كثير من الملفات التي أنهكتهم خلال العقود الماضية ، ويومها كان للمبادرة الخليجية صدى وفرحة لا تقاوم فلقد توافق أغلبية اليمنيين على مخرجات حوارهم وتعززت ثقة الاقليم والعالم بهم ، واقترب اليمنيون اكثر مايكون من تحقيق حلمهم .
لقد كانت المبادرة الخليجية معلما بارزا من معالم نجاح اليمنيين ومحطة أساسية بنى عليها اليمنيون إنجازات يعتدون بها وأخذوا وبإصرار يشرعون في تحويل مخرجات الحوار الوطني الى ( دستور وطني ) كحلم جميل ، وكهدف أساسي واستراتيجي للاتفاقية الخليجية وتم إعداد مسودة الدستور رغم كل العقبات التي نصبت امام شعبنا ورغم التنازلات الكبيرة التي قدمها شعبنا وقواه السياسية ، الا ان المتآمرين اصروا على الانقلاب على كل تلك الجهود وأخذوا مرة اخرى يتجهون بالبلد وكل من فيها الى محرقة لم يشهد لها تاريخ اليمن الحديث مثيلا ، كل ذلك لمنع شعبنا من المضي في طريقه السلمي نحو الاستفتاء على الدستور وانتخاب السلطة التي يريدها بشكل حر ومباشر .
ان التحديات التي تنتصب اليوم أمام كل القوى الوطنية وهي تحاول إنجاز مهمتها التاريخية الوطنية ( الدستور ) كحلم من احلام التغيير نحو حياة الحرية والكرامة ، تستدعي من الجميع استمرار التمسك بكل قوة بهذه المرجعية وما انجزته على كل المستويات داخليا وخارجيا ، على اعتبار ان المبادرة الخليجية هي الأساس المرجعي الذي مكن شعبنا من الاقتراب من إنجاز حلمه .
مهندس وحيد علي رشيد
١٣ نوفمبر ٢٠١٦