غربان يا نظيرة..!!

2017/01/14 الساعة 05:38 مساءً
من منا لم يشاهد المسرحية الشهيرة غربان يا نظيرة وهي مسرحية معروفة في المناطق الجنوبية، عرضت في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وهي ذات مغزى سياسي وتحكي بأن نظيرة كانت تفزع من صوت الرصاص ولعلعته وتنتبه لذلك وتسأل زوجها عما يحدث في عدن من قلق وفزع وترويع لها ولجيرانها وأسرتها، فيرد عليها الزوج ب:(غربان يا نظيرة) وذلك إشارة بأن الحملة الوطنية لمكافحة الغراب ما زالت مستمرة وهي حملة قامت بها الجهات الأمنية في عدن في ثمانينيات القرن الماضي للتخلص من كثرة وجود الطيور السوداء المزعجة (الغراب) وما تقوم به من إزعاج للسكان في منازلهم في محاولة من الزوج لإنكار ما يحدث من إقتتال في شوارع عدن ... عقدة الإنكار ظلت ملازمة لنا معشر الجنوبيين منذ ذلك الزمن حيث نستميت في إخفاء ما يحدث وإنكاره إلى ان تقع الفاس في الرأس كما يقول المثل اليافعي (من اخفي البدءة اكلت وجهه) والتحليل النفسي لهذه الحالة، هو أن من يتورّط بها يعجز عن رؤية الواقع كما هو، فلا يسمع إلا صدى صوته، ولا يُبصر إلا ما يريد، وإذا تفاقمت عقدة الإنكار فقد تنتهي إلى الفقدان الكامل للرشد، لأن من يمارس الإنكار ينفصل جذرياً عن محيطه وعن الواقع الذي يضغط على أنفه رغم تجاهله له وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن ان تدرج في هذا السياق حيث يحرص الجنوبيين على إنكار وجود الأخطاء في مجتمعهم بشكل مبالغ فيه ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر إنكار تواجد القاعدة وداعش في عدن بعد الحرب الحوفاشية على الجنوب بالرغم من تحذير الكثير من الصحفيين والنشطاء والمهتمين من ذلك ولكن ذلك كان يواجه بالإنكار والشجب من قبل عموم المجتمع الجنوبي ولم نصحو إلا على وقع الإنفجارات والقتل ومنها كذلك ما يحدث من إنكار لأي حدث يحدث في الجنوب ومحاولة إخفاءه وهذا من الخطأ ذلك لأن الإقرار بالحقيقة هو أول السطر في المواجهة. ورغم ما يدعيه الإنكار من القوة إلا أنه في الحقيقة تعبير دقيق عن الشعور بالعجز، فالنعامة لا يحميها دفن رأسها في الرمل أو التراب، لأن جسدها كله يبقى هدفاً سهلاً للسهام وقد وفر التاريخ من خلال تراكم أحداثه وما يعج به من مفارقات ذرائع لمن يريد أن يخدع نفسه، لكنه وفر أيضاً ما يكفي من العقوبات الصارمة لمن يفعل ذلك. وإذا كانت المقولة المأثورة في القانون هي أنه لا يحمي المغفلين، فإن التاريخ أيضاً لا يرحم الجاهلين به، والإنكار هو ذروة هذا الجهل . إذن نحن لا نحب أن نسمع إلا ما نريد.. وتلك معضلة نفسية/ذهنية إذا لم يتم التخلص منها لصالح وضع الحقائق تحت الأضواء الكاشفة، سنظل ندور في حلقات مفرغة بين الغموض والتشكيك. بينما الاعتراف بالخلل سيكون أول خطوة نخطوها لإصلاح ما يمكن إصلاحه. ومن يتولى المسؤولية يجب أن يخرج للناس ليكشف لهم الحقائق، لا أن تكون مجرد رسائل في ظروف صعبة وفي الأخير هل يستطيع زوج نظيرة ان يقنعها انها مجرد غربان لا غير..!!