انور نصر
كيف كان يومك الأول صديقي "محمد العبسي " وانت بين الثرى بعد أسابيع من برد ثلاجة المشفى ، أرى انك هادئ واكثر دفءً وأمانا من الحياة في صنعاء في ظل تواجد سماسرة الحرب الذين يعبثون بها .
- أسمعك ضاحكا واشاهدك مبتسما معلقا "انني نجوت من ويلات الحرب".. ملايين الأميال تبعدني عن قبرك ، إلا أني صليت لأجلك ولا أقل حضورا عمن حضر من أصدقائك حينها .. اتعلم إني لا أعرف كيف الصلاة على الميت ، صليت ركعتين طويلتين وحيدا.
_ صدقني .. ستكون في نعيم ، أتمنى ان أكون مكانك ، فما عادت الحياة جميلة ، النوم بين التراب أفضل من حياة هوائها مُدنس ، فهذه الحياة قبيحة بالنسبة لكوننا فقراء جدا لا نستطيع ان نُفرح من حولنا..!
_ أتصدق اني لم أستطع ان أُسعِد بعض إخوتي في الريف بمكالمة صغيرة كل جمعة ، طالما تمنيت أن أعيش ببساطة لكني لم أقدر على ذلك مازلت أحاول ذلك دون اي استسلام .. جميع الابواب موصدة ، ولن يطويل ذلك لاجل أسرتي.
- صنعاء كان فيها الاصدقاء ، ينشدون معى الصداقة التي نفتقدها الان ، كانت جميلة الى فترة وجيزة ، صرت بلا اصحاب ولا اصدقاء متعب جدا .. القدر حين يرمي بي الى بيئة لا تشبهني ولا تتناسق مع أفكاري.
- يا عزيزي أريد أن أستريح من ثقب ذاكرتي ، من تعب امرأة تحبني و تنتظرني أعوامًا كي اكون لها كل شيء !، أحتاج أن أنسى وعد قطعتة لها قبل سنين ولم أحققْه بعد ..الرجال لا يخلفون وعودهم .. كم أنا عابس وتعيس .. أنا أسف جدا فدموعي طارئة لأجل كل هذا
يا محمد
لقد ارتحت من هموم عِدة ، يكفي إنك نجوت من الحرب الطويلة وما بعدها ، وماذا تعطي الحروب غير الموت والدمار ؟ ، ماذا نرجو من أوغاد استباحوا حرمة الدولة وقت الظهيرة ببزة نجسه وعقول سلاليه أنجس من قذارة البول الآسن !
_ سئمت همّ امي الذي تحمله في قلبها منذ ان نشئت أمام عينيها ، ومن هم الخشية عليّ ، وبمستقبلي ، ومن دعوات ابي المتكررة التي لم يسمعها الله من عتابه الحنون ، كما قال لي يوم امس "أنا احبك اكثر من اي شيء ، لماذا لا تتصل في الاسبوع مرة واحدة" لم انبس ببنت شفه ، ابتلعت ريقي وانا ابرر له وهو يدعو لي كثير كعادته بصوته الاجش .
- سئمنا المكافحة من أجل البقاء احياء في منطقة الشرفاء ..
دُفن محمد وبقت تقاسيم وجهه حاضرة بيننا ، وضحكتة الرنانة بقت صدى لصوتنا لا يفارقنا البتة .. من كان يحب محمد فلن ينساه !.